أسباب الانتقام من أربيل

  فاتح عبدالسلام

استهداف أربيل بهذه الطريقة المفاجئة والبشعة يوحي بقوة إنه كان ضمن مخطط جرى الإعداد له بعناية في المخيلة أولاً ثمَّ في عقول وأدوات الجهات الإجرامية المنفذة، لكنّه في الوقت نفسه طالما كان دائماً عملاً مؤجلاً لأسباب كثيرة، منها إنَّ التدابير الأمنية لإقليم كردستان كانت دائماً على قدر المسؤولية وتعوق الاستهداف السهل.

ومنها إنَّ المتربصين بالإقليم المستقر كانوا يبحثون دائماً عن التوقيت الأكثر ضرراً لقيادته وشعبه، ولعلَّهم وجدوا في مناسبة إعلان نتائج الانتخابات بتكرار تفوق الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، ما يجعلهم يظنّون أنّه التوقيت المناسب للعمل الإرهابي تحت غطاء أجواء الانتخابات نفسها ولخلط الأوراق وتشتيت الانتباه إلى جهة بعينها بسبب وجود أسباب كثيرة محلية وإقليمية تجعل الإقليم الكردي مستهدفاً.
 ويُمكن إجمال تلك الأسباب الحقيقية أو المحتملة أو المرجّحة بما يأتي
أولاً المواجهات المسلحة التي يتعرض لها الكرد في سوريا على يد تنظيمات على صلة بالقاعدة والفصائل المتشددة وما رافقها من موجة نازحين غير مسبوقة إلى الإقليم.
ثانياً عدم رضا ممزوج بالغيرة وأحياناً بالحقد والعُقَد أزاء الإقليم المزدهر بالعمران والأمن والأمل، من قبل أطراف سياسية وتنظيمات لها امتدادات خارجية تعمل في بغداد وبقية المدن.
ثالثاً امتعاض أطراف لدى حزب العمال الكردستاني PKK من التنسيق الأمني والسياسي الناجح للإقليم مع تركيا فيما يخص انسحابهم إلى جبل قنديل أو تقييد حركتهم عبر الحدود لاسيما بعد اندلاع الأزمة السورية.
رابعاً إصرار الإقليم الكردي، لاسيما لدى أربيل والحزب الديمقراطي الكردستاني على عدم الاستسلام لأجواء التبعية التي أرادت إيران إشاعتها ثمَّ فرضها في الإقليم كما فعلت في جنوب العراق وبغداد.

إلى جانب تمسك القيادة الكردية بالهوية المدنيّة للإقيم وعدم السماح لرايات سود تعلو فوق راية الإقليم الساعية إلى تكدير صفاء الطبائع الكردية النقية والطيبة بالدخيل من الطقوس والممارسات المنتجة في إيران تحديداً والمراد تصديرها إلى العراق بأكمله شمالاً وجنوباً، والإقليم جميع حدوده الشرقية مع إيران.
خامساً اللعبة الاستخبارية القديمة نفسها في السعي لعدم تحقيق انسجام سياسي يؤدي إلى استقرار أمني، بين أحزاب الإقليم التي خرجت لتوّها من أجواء ضغط الانتخابات النفسية التي قد توحي لبعضهم بهواجس المؤامرة الغامضة.
هناك كثير من المستفيدين إذا تزعزع الأمن في كردستان، لكنّها أمانٍ خائبة ومصيرها الفشل إذا فكّر جميع الكرد بمصلحة إقليمهم قبل مصالح أحزابهم.
لابدَّ من إنجاز تدعيم مستمر للّحمة الوطنية الكردية وعدم الاعتماد على موروث كفاحي أنجزه الرعيل الاول، وقد ينساه الجيل الجديد، وليس صحيحاً أنْ يكون أسلوب التذكير محصوراً بإعادة أفلام وصور مجزرة حلبجة فقط لأنها قد تثير تيارات أخرى في العراق، فهي لا تكفي وحدها في تقوية شعور الانتماء إلى الإقليم ثم إلى الأمّة.

الزمان

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…