المعاناة الصامتة للاجئين السوريين في سويسرا

جوان يوسف *

الأزمة السورية أخذت منحا أكثر ايلاما مما كان عليه في العامين الماضيين , فمع غياب بوادر لحل الازمة السياسية , فان حدة الازمة الانسانية تزايدت بدخول شكل أخر من الصراع على خط الازمة وهي الصراعات التي بدت تطفو الى السطح بين قوى المعارضة نفسها , سواء بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبين فصائل من الجيش السوري الحر بشقيه المعتدل والمتشدد على حد سواء ومسرحها المناطق ذات الأغلبية الكردية كمحافظة الحسكة وريف الرقة الشمالي وعفرين ومحيطها , وبين الجيش السوري الحر وبعض القوى الإسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم  القاعدة كدولة العراق والشام ولواء أحفاد الرسول وجبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى
والتي أخذت منحا عنفيا في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي الاسبوع الماضي وفيما يأخذ المنحى الجدِيد للصراع في سوريا باتجاه حرب اهلية أكثر دموية قد تمتد لسنوات طويلة  , فأن معاناة المدنيين تأخذ حيزا أكثر اهتماما من قبل المجتمع الدولي باعتبارها قضية إنسانية وحقوقية على حد سواء .
ففي الأسبوع الماضي أعلنت الأمم المتحدة ان عدد اللاجئين السوريين تجاوز 2 مليون شخص في دول الجوار والشتات وفيما دول الاتحاد الاوربي وفرت تصاريح اقامة لأكثر من 18 الف لاجئ خلال العام الماضي , تحملت العبء الأكبر من تلك التصاريح دولة ألمانية والسويد اذ أن الدولتين استقبلت العام الماضي اكثر من 15 الف لاجئ , فان عدد اللاجئين اللذين وصلوا الى دول الاتحاد الاوربي منذ بداية انطلاقة الثورة يقدر ب 41000 لاجئ بطرق مختلفة ومعاناة لايمكن وصفها .
سويسرا من الدول التي تجاوبت مع محنة اللاجئين السوريين وفق تصريحات المسؤولين , فقد  استقبلت في سبتمبر 2012 اسرة من 26 فردا , وفي الشهر الماضي أعلنت عن عزمها استقبال 500 عائلة في إطار خطة زمنية تمتد لثلاث سنوات تجريبية وأصدرت وزيرة الهجرة والشرطة قرارا بتسهيل تأشيرة الدخول لأقارب السوريين الحاصلين على اقامات B و c .
الا أن هذا القرار أثار سقط السوريين واستهزائهم , اللذين يقدر عددهم بحوالي 6 الالاف لاجئ نصفهم وصل الى سويسرا مع بداية 2011 واكثر من نصفهم لم يحصل على تصاريح الاقامة حتى الان .
فما معنى هذا القرار؟ اذا كان هناك اكثر من 2600 منهم ما زالوا ينتظرون تسوية أوضاعم ولا يحملون الاقامات التي تؤهلهم لاستقدام اقربائهم وفق القرار السابق , بل أن أكثرهم ما زال في مقرات اللجوء)هاييم) المكتظة باللاجئين والتي تفتقد الكثير منها الى شروط الحياة الطبيعية وخاصة تلك التي توجد تحت الارض .
ويشار إلى أن سويسرا لا تــُعتبر وجهة معتادة للاجئين السوريين.

فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2012، لم يقدم سوى 777 من السوريين طلب لجوء في سويسرا، ومع ذلك علق المكتب الفدرالي للهجرة النظر في تلك الطلبات بسبب “الوضع المُربك” السائد في سوريا, وهي ما تزال تتعامل مع طلبات اللجوء بنفس الطريقة السابقة من اللامبالاة والتسويف والتي مر على بعضها أكثر من خمس سنوات .
وفي هذا السياق شهدت العاصمة السويسرية برن اعتصاما لهؤلاء اللاجئين على مدى خمسة عشر يوما مطالبين بتسوية أوضاعهم القانونية ومتأملين بقرار على غرار ما اصدرته حكومة السويد لتسوية أوضاعهم وانهاء  جزء من معاناتهم الانسانية , انتهى الاعتصام  بوعد من المحكمة الفدرالية بتسوية اوضاعهم القانونية , وهي مجرد أمال قد تمتد سنوات أخرى من المعاناة وفق بعض الناشطين .
وبالرغم من المحاولات الدؤوبة من مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التأكيد على وجود دواع إنسانية وجيو إستراتيجية، تفرض على الاتحاد الأوروبي فتح أبوابه لاستقبال جميع اللاجئين السوريين الباحثين عن الحماية , فأنها ما تزال اقل استعدادا لاستقبالهم ومازال اللاجئ يعاني بشكل عام أوضاعا غاية في الصعوبة والمأساوية، فاللاجئ بطبيعة الحال يملك حقوقا اجتماعية وسياسية ومدنية منقوصة في غالبية أماكن اللجوء، وهو لا يملك منافذ لحقوق الإنسان الأساسية للتوجه اليها .

* ناشط في مجال حقوق الانسان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…