البحث عن الديمقراطية في كنف الديكتاتورية

مروان سليمان

 


الديمقراطية هي عبارة عن مجموعة من القيم و المبادئ تحمي حرية الإنسان و الهدف الأساسي و الغرض منه يتطلب تحقيق طموحات الشعوب و آمالها و تلبية ما تصبو إليه و تتوقعه من تحقيق النظام الديمقراطي، لأن الشعوب ملت من الوعود الجوفاء و الشعارات المخادعة فيما الذين يتشدقون بها ما هم إلا غشاشين و مهرجين نصبوا أنفسهم في شكل حكومات لا تعرف من الديمقراطية إلا اسمها و لكنهم يظهرون أنفسهم بأقنعة ديمقراطية يملون إرادتهم على الشعب و يستفردون لوحدهم بالقرارات الخاصة بالبلاد و مصيرها و يخضعون الشعب لمشيئة الحاكم بالبطش و القوة و ذلك بمساعدة حلقة ضيقة من أتباعهم و مواليهم  من العائلة الحاكمة ( كما في سورية) لضرب قوى المعارضة و تشتيت صفوفها
 لأن هدف الديكتاتور هو الإستمرار في السلطة لا بل و التفكير بالبقاء في السلطة حتى الممات و توريث البلاد بالموارد و العباد لإبنه ووريثه و لذلك يجعل موارد البلاد تحت سيطرة العائلة و المقربين منه و بدلاً من التفكير بالتطور في البلاد و تحسين الحالة المعيشية للمواطنين فإنه يعمل جاهداً على إقصاء المعارضين و تشكيل فرق تابعة له لمصادرة الرأي العام الشعبي على أنه مؤيدين له و يبدأ من أسهل الطرق و هي القضاء على الحرية و الإستقلالية الصحفية و القضائية و الإستيلاء على مؤسسات الدولة ليجعلها تابعاً له و فرض رقابة حكومية صارمة على كل شئ .

فالديكتاتور الكبير في سورية لم يكتفي بالسرقة و نهب أموال الشعب السوري لصالحه و صالح عائلته على مدى أكثر من ثلاثة عقود حتى ورث البلاد للديكتاتور الصغير الذي لم يكتفي بما فعله والده المجرم حتى تفوق عليه في الإجرام بالقتل و الدمار و الخراب لا بل و زاد عليه في السرقة و النهب عن طريق استثماراته سواء كانت الشخصية أو العائلية منها مع تقديم بعض المنافع لمؤيديه و أنصاره (رامي مخلوف مثالاً) و لكنها تدخل أيضاً ضمن المنافع الذاتية لإطالة بقائه في السلطة.
 لا يمكن أن تتغير أحوال البلاد و العباد بمجرد القضاء على الديكتاتور أو تغييره أو حتى قتله ما لم تتغير العقلية و التفكير من جذوره و الإيمان بالفكر التعددي و الإعتراف بالآخر و عدم إقصائه، لأن ثقافة المجتمع في منطقتنا قائمة على الطاعة العمياء و الخضوع للحاكم و إتباعه على الحق و الباطل، و شعوبنا لديها القابلية التامة للقبول بالتسلط و تمجيد القائد و ثقافة القائد كزعيم مخلص له لا بل و جعله رمزاً يرتبط الوطن باسمه و تعلق صوره في الأماكن العامة و الخاصة و هو الوحيد الذي يستطيع قيادة البلد و الشعب و تحقيق الأحلام و حتى يتحول هزائمه إلى إنتصارات و كلامه إلى مرجعية للشعب فما أن يذهب المستبد حتى تزال صوره و تعلق صور القائد القادم المستبد.
إن الثورات في منطقتنا التي قامت لتغيير واقع الحال و القضاء على الإستبداد و الفقر و البطالة و تحقيق الحرية و العدالة و الديمقراطية سرعان ما أفرزت تلك الثورات عن واقع تتماشى و تتقاطع مع مطاليب الجماهير في تلك البلدان و مطاليب الشعب الثائر في الشوارع و الساحات في تحسين الحياة المعاشية و الحقوقية للإنسان و لكنها سرعان ما اصطدمت بواقع على الأرض مختلف عن الواقع الديكتاتوري الذي عاشوه حتى برز آخر مثله إن لم يكن أسوأ منه يعشعش بيننا و على أرضنا بمسميات غريبة و تحت غطاءات متعددة  بالثورة و الوطنية أحياناً و المذهبية و الدين و الطائفية أحياناً أخرى و لذلك تحولت مفاهيم الثورة في بعض المناطق إلى فوضى و صراع فقط من أجل الحصول على مكاسب عصابية و سرقة من هنا و هناك و الحفاظ على مصالح المجموعات المتحاربة لترسيخ وجودها على حساب دماء الشعب السوري وممتلكاته الخاصة و هذه التصرفات اللأخلاقية و الإسراف في الشعارات الثورية شوهت صورة الثورة بمفهومها الإنقلاب على الإستبداد مما جعل البعض يكفر بالثورة ويرفضها و خاصة من قبل اليائسين و المحبطين.


لا شئ يجمع بين العدل و الإستبداد أبداً فالفرق بينهما كما الفرق بين الرذيلة و الفضيلة و الحسنة و السيئة و النظام السوري أبعد ما يكون عن فكرة العدالة السياسية و الإجتماعية  أو حتى بمقدوره أن يفكر بتطبيقها على أرض الواقع في يوم من الأيام حتى في القضاء لأن المستبدين يفكرون فقط في أيديولوجية رهيبة لتبرير جرائمهم في التنكيل بالضحايا و التمثيل بجثثهم كما حصل في الغوطة قرب دمشق عندما أرسل صواريخه السامة لقتل المسالمين من الأطفال و النساء و جعل الغوطة مسرحاً لحفلات الموت و لا يزال الكثير من أبواقه يدافعون عن جرائمه في الوقت الذي لا يجد المجاورون له ماءً صالحاً للشرب أو كسرة خبز يسدون به رمقهم.ن
 إن الديكتاتورية و الفوضى التي تعم بلادنا أنجبت لنا المآسي و كماً هائلاً من الجروح التي لا تندمل لأن الفوضى القائمة هي نتيجة من النتائج الوراثية للديكتاتورية بفكرها و عملها الإنتهازي و مستغلي الفرص عندما فتحت الأبواب لهم على مصراعيها على حساب دماء الشعب السوري الذي هب للتغيير و استشهد من أجل هذا التغيير عشرات الألوف من الأبرياء و لكن لا بد في النهاية من الإلتزام بقيم التسامح و التعاون بين الجميع حتى نتخلص من مرارة الماضي الأليم و بناء مستقبل أفضل بالديمقراطية التي تعد من أحسن المسارات لبلوغ ما يطمح إليه الشعب على المدى البعيد اقتصادياً و سياسياً و اجتماعياً .
مروان سليمان
18.09.2013

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…