سوريا: نحو التدويل والخروج من عنق القارورة

نوري بريمو

لدى انطلاق الثورة السورية التي اندلعت في خضم الربيع العربي قبل حوالي عامين ونصف مكتظين بالمآسي والويلات، تركزت أنظار أهل سوريا وجوارها والعالم إلى كيفية الإحتفاظ بسلمية الحراك والإبعتاد عن عسكرة الحلول، ومنذ البداية بحث الجميع ولايزال البحث جارياً عن إيجاد مخارج آمنة لهذه الثورة الهادفة لإسقاط نظام البعث ولإجراء تغيير ديمقراطي بأقل الخسائر ولإنصاف كافة المكونات السورية على اختلاف منابتها ومشاربها التي لاتزال تدفع فاتورة الصراع الطائفي المتأجج والحرب الإقليمة الغازية للديار السورية التي كانت بمنآى عنها، بانتظار أن يتجرأ المجتمع الدولي ويتخذ قرارا يقضي بتدويل هذا الملف والتدخل المباشر في الشأن السوري، حتى وإن تطلب الأمر تكرارا لسيناريو الأفغنه أو العرقنة لإسقاط هذا النظام الكيمياوي وللقضاء على أمراء الحرب الذين يعربدون في طول البلاد وعرضها تحت عباءة المعارضة ويافطة اسقاط الحكم العلوي!.
ورغم أن لسان حال الشارع السوري بكافة أطيافه يناشد الرأي العام العالمي ويطلق صيحات التدويل الذي يبدو أنه لا بديل عنه كوسيلة لايقاف هذه الحرب الشعواء التي باتت تحرق أخضر ويابس البلد، إلا أنه توجد ثمة أصوات لا بل جهات دولية بمقدورها وضع النقاط على الحروف وحل الشيفرة السورية، ماتزال تراهن على الحلول السياسية التوافقية شريطة البقاء على نظام البعث عبر عقد مؤتمرات من طراز جنيف2 رغم فشل جنيف1 الذي مضى على انعقاده أكثر من سنة بدون تنفيذ أي بند من بنوده حتى هذا الحين الذي يشهد مقتل مئات الآلاف وهجرة الملايين وهدم غالبية البنى التحتية في عموم أنحاء سوريا.


وإنّ إطالة أمد هذه المشهد الدامي لأسباب كثيرة أبزها إدارة المجتمع الدولي لظهره عما يجري من انتهاكات فاضحة لحقوق البشر والحجر حتى وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا، لهو أمرٌ محيِّر للغاية ويمكن ادراجه في اطار الماراثون أو الصراع الإقليمي الذي قد يُفضي إلى تأجييج الأجواء ودفع الأمور صوب راهن سوري قد يصل إلى حد الهاوية، خصوصاً وأنه يبدو أنّ زعماء المجتمع الدولي متوافقون فيما بينهم على الإطالة ومطمطة جولات التشاور، مما قد يفرض على الساحة مزيدا من المراوحة في المكان، في حين ليس أمام السوريين سوى التريث والإنتظار حيال الاستحقاقات القادمة التي يبدو أنها قد تبقى برسم التأجيل لأجل غير مسمى.

في كل الأحوال سيبقى السوريون يترقبون لحظة خروج الأزمة السورية من عنق القارورة، وستبقى عيونهم تنتظر تصاعد الدخان الأبيض من أروقة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وليعلم الجميع بأن أهل سوريا (بعربها وكوردها وكلدوأشوريها ودروزها وتركمانها وغيرهم) يستحقون أن تنطلق في بلادهم على الدوام أدخنة بيضاء تبعث على حياة جديدة يسودها الأمن والاستقرار في سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية يحكمها نظام فدرالي ينصف كافة المكونات ويعيد لهذه العروسة الشرق أوسطية رونقها الجيوسياسي وحيويتها المجتمعية التي لطالما غابت عنها طوال عهود سطوة نظام البعث الذي حاول تشويه حاضر سوريا ومستقبلها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…