الأكراد بعد 2057

 إبراهيم محمود

في بقعة جغرافية بدا عليها القِدَم من خلال الخرائب الموجودة فيها، كان ثمة جمع من منكيري ونكيري المولى الأعلى إزاء جمع غفير من أولي أمر الكورد المبعوثين من قبورهم لمحاسبتهم على ما آل إليه أمرهم، وقد مر قرن كامل على ظهور أول حزب كوردي فيها.

تداخلت أصوات منكري ونكيري المولى الأعلى، وهي ساخطة عبر أسئلة متتابعة إلى هؤلاء الذين عُرِفوا بمسئولي الأحزاب الكوردية حيث أصبحوا في العالم الآخر،والكاتب عنهم هنا هو نفسه لا بد أن يكون شاهداً على ما يجري بإشارة مجهولة يعلمها المولى الأعلى.
كانت الأسئلة الموجهة إلى هؤلاء وهم متباعدون عن بعضهم بعضاً بمسافة لا تخفى على أحد  في طبيعتها، وبنوع من إدارة الظهور:
ها قد  مضى قرن كامل عليكم ولم تحققوا شيئاً، فعلى من تقع المسئولية؟
أين حقيقة مزاعمكم وادعاءاتكم من برامجكم التي أرهقتم بها أكرادكم حتى الآن؟
لماذا تحشرون المولى الأعلى في صراعاتكم ومشاكلكم حتى الآن، وفي كل مرة تقولون: إنه القضاء والقدر حيث خدعتم بها حتى كتّابكم ، ما أكثرهم، وهم يتحركون في ظلكم، حتى ذلك الذي كتب ذات مرة” إنهم أكرادك يا الله” وهو الآن يسمع هذا الكلام؟
هل تستطيعون إحصاء الفرص التي منحها المولى العزيز لكم لتوحدوا كلمتكم، ولم يتحقق شيء من ذلك؟ أيكون المولى العزيز هو الملام على ذلك؟ هل حاسبتم أنفسكم ولو مرة واحدة؟
من منكم لديه ذاكرة حسابية ليحصي خياناتكم لبعضكم بعضاً، والتفافاتكم على بعضكم بعضاً، ورغبة كل منكم في النيل من الآخر، لتكون الخسارة للجميع؟
ألم يوص ِ كل منكم بضرورة دفنه بعيداً عن الآخر، أو وهو يطلب بأن يكون قبره مميزاً عن الآخر، فلا تجمعكم مقبرة واحدة، إلا للضرورة القصوى لم تكن قادرة على التقريب فيما بينكم؟
هل شعرتكم حقاً على مدى امتداد هذا القرن بأنكم كرد ولستم أكراداً، لتتداركوا واقعكم المر؟
المعنيون بالكلام: الذين تباهوا بكونهم مسئولي أحزاب كوردية، والذين أكالوا لهم المديح وكان ديدنهم اقتناص الفرص ومن شوبشوا لهم، طأطأوا رؤوسهم كأنهم بلعوا ألسنتهم بالجملة.
وساد صمت مهيب تلك البقعة الجغرافية، وليأت صوت ارتجت له السماء والأرض:
سوف أتولى أمرهم بعد الآن …
في الحساب الإلهي ليس من قيمة للزمن، إذ في طرفة عين، وهي سنوات، جاء الصوت نفسه، سوى أنه كان محتداً تناهى إلى مسمع كل كوردي: ميتاً وحياً:

يبدوا أن الفرص التي منحتها لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم أكراداً، أو كورداً قد استنفِذت، والذين ساسوهم عقوداً زمنية، أفقدوهم كل فرصة ممكنة ليكون لهم الكيان الخاص بهم في الأفق المنظور، وليس لي صلة بهم بعد الآن، طالما أنهم هم أنفسهم غير معنيين بوضعهم، وليقرر الباقون مصيرَهم، وقد أنظر في أمرهم إذا تمكنوا فعلاً من أن يشعروا بأنهم كورد لا أكراد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…