بسبب سلسلة الانشقاقات تلك التي أرهقت الحركة الكردية و أضعفت من أداء و دور الحالة الحزبية الانفرادية برزت الحاجة إلى تأطير نضالها للعمل معاً كأطر بغية الدفع بالفعالية السياسية.
كذلك فإن ظهور بنى فكرية مختلفة، و اختلاف الرؤية السياسية بين بعض التيارات القائمة استدعى البحث عن نقاط تقاطع يمكن الالتقاء عندها كحد أدنى للعمل المشترك، و قد بدأ ذلك منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي بولادة الميثاق الثنائي عام 1980م بين حزبين في الساحة الكردية لم يدم طويلاً نتيجة حدوث انشقاق في أحد الحزبين المؤتلفين.
ثم جاء الإعلان عن قيام التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا أوائل آذار 1986م بين ثلاثة أحزاب كردية الذي تم تعطيله بعد أقل من سنتين نتيجة حدوث انشقاق في أحد الأطراف المؤسسة له مرةً أخرى.
ثم تتالى تشكيل الأطر و التكتلات ( تحالف 1992م بهيئته العليا ثم مجلسه العام، الجبهة الكردية، لجنة التنسيق الكردية، المجلس السياسي ) لم تتمكن جميعها من نيل القبول باعتبارها الإطار الأشمل نظراً لمحدودية كلٍ منها في لم الشمل الكردي حتى تم تشكيل المجلسين الكرديين ( المجلس الوطني الكردي، و مجلس الشعب لغربي كردستان ) الذين تمتعا بمشروعية سياسية و شعبية أكثر من كل الأطر السابقة لانبثاق كلٍ منهما عن مؤتمر كردي، ثم الهيئة الكردية العليا التي تشكلت بموجب اتفاق شراكة بين المجلسين المذكورين.
إن مراجعة حيادية و جدية لتاريخ الأحزاب الكردية و أطرها يبين بجلاء حقائق عديدة منها:
· أنه ليس ثمة حزبٍ تمكن من تحصين ذاته بالشكل المطلوب و التخلص من داء الانشقاق على اختلاف تواتره من حزب لآخر سواءً كان ممن يعتبرون أنفسهم ” أساسيين ” أو الذين يعتبرون ” منشقين “، و سواءً كانوا من الأحزاب ” الصغيرة ” أو ” الكبيرة ” نسبياً.
· لم تؤدي الانشقاقات إلى تحسين أداء الأحزاب بل إلى إضعافها جميعاً، كما أنتجت قيادات غير كفوءة في جميع الأحزاب تصدرت الواقع السياسي للكرد فلا نكاد نتفق على قيادة موحدة مقبولة تكون قادرة على قيادة هذه المرحلة الحرجة من بين جميع القيادات التي تتصدر الحركة حالياً.
· لم تستطع الأطر المشكلة من وضع حد لحالة التشرذم بل ربما كانت مساعدة و محرضة أحياناً لحدوث الانشقاقات، كما أنها لم تستطع تطوير بنيتها و آليات عملها بشكل يجتذب الأطراف الأخرى التي كانت خارجها بسبب سيطرة النزعة الحزبية داخل تلك الأطر إذ أبقتها – في غالبيتها – أسيرة العقلية الحزبية الضيقة التي أدخلتها أحياناً في صراعات هامشية ( غير معلنة على الغالب ) أودت بتلك الأطر، فبدلاً من تسخير كل الطاقات الفردية و الجمعية ( الحزبية ) لصالح تطوير الأطر كانت هناك محاولات محمومة من قبل البعض لتسخير الأطر بما يخدم أجنداتها الحزبية، فكانت تلك الجهات تلتزم بقرارات الأطر بمقدار ما يساهم في تسويق خطابها أو ذواتها الحزبية.
من ناحية أخرى فالعقلية التي لم تستطع تطوير البنى التنظيمية و الفكر السياسي لأحزابها، أو تجاوز النزعة التكتلية و حماية وحدتها لا يمكن لها بحال من الأحوال أن تساهم في تطوير الأطر، و الكتل السياسية، أو الحفاظ على تكاتفها و ترابطها.
إن تعظيم الأنا سواءً على المستوى الفردي – الشخصي، أو الجمعي – الحزبي، و انعدام ثقافة الحوار، و فن الاختلاف و قبول الآخر كان و ما يزال هو السبب الأساسي في مآل حالنا، و هي نتاج ثقافة التسلط و الاستبداد التي زرعها النظام فتغلغلت و تعششت فينا على مدى سنين ( أنا أو لا أحد، أنا و من بعدي الطوفان )، و إذا أردنا تطوير ذواتنا و مجتمعنا فلا بد أن نغير من بنيتنا الثقافية التي يهيمن عليها الفكر التخويني ( تخوين الآخر المختلف )، و تتجلى فيها المنظومة الشعاراتية و المزاودات الكلامية، و المهاترات، و ما تنتجها هذه البنية من ممارسات و سلوكيات، و نعطي الأولوية للعمل الجماعي المشترك، و وحدة الخطاب و القرار الكردي الذي به فقط يمكننا تجاوز إرهاصات الماضي و تداعياته، و التحضير للمستقبل و خفايا المجهول الزاحف إلينا.
ليكن تنافسنا من أجل تقديم الأفضل لشعبنا بغض النظر عن حساباتنا الحزبية أو الشخصية؟ و لندع جانباً ولاءاتنا الحزبية الشبيهة بالقبلية أحياناً، و نكافح معاً كأننا حزب واحد؟ فالأحزاب تتقدم و تتراجع، تتسيد في السلطة و تنكفئ إلى المعارضة لكن حقوق الشعب لا تقبل التراخي أو التسويف، و الفرص لا تتكرر كثيراً في التاريخ.
علي علي (دلدار قامشلوكي)
1/8/2013م