“الشدائد محن الرجال”أو” معادن الرجال تظهرها المحن” و غيرهما من المقولات التي تختزنها الذاكرة البشرية، على امتداد ترجمات اللغات، كجزء من الأقوال المأثورة التي اختطها الإنسان عبر تجربته، ولقد جاءت ثورات ربيع المنطقة كي تعيد الاعتبار للأسماء، والمسميات، وتقدم الناس على حقائقهم، في مراياها، فتذهب هالات وهمية عن بعضهم، وتنصف آخرين، لا من قبيل إعادة الاعتبار إليهم- وهم المعتبرون-بل لتقدمهم على ما هم عليه.
ولعل الأب باولو”أو الراهب بولس” الذي جاء إلى سوريا زائراً في العام 1982، متوجهاً إلى أحد أديرتها القريبة من دمشق، على أن يقيم فيه لمجرد أيام كما تقتضي تعاليمه الروحية، سرعان ما ألف المكان، وقرر البقاء فيه، كي يستمر به المقام ثلاثين عاماً، يجد فيه مكاناً أول، وهل أقرب إلى هذا المواطن الطلياني أرومة، من أن يصل به الحال، وهو يؤدي المهمة الفعلية المطلوبة من رجل دين مثله، كي يقول كلمته في نهر الدماء الذي يسيل، دون أن يصده عن ذلك أي وعيد، أو شبح خوف، بل إن الرجل لا يتوقف عند هذا الحد، عندما يرفع صوته، في نطق كلمة الحق، أمام هجمة التزوير، ليحقق ليس”حوار الأديان” بل توأمتها، عندما يجد تمادي تلك الهجمة، وهي تنال من مواطنيه الاختياريين، مايؤدي بأولي الأمور الحريصين على مواجهة كل من يقول لهم:”لا”، حتى وإن كان زاهداً، خيراً، إنساناً، مخلصاً للمكان، وأهله، كي يصدر قرار إبعاده عن حدود المكان، وهو مالا يمكن، لأن الرجل يتصرف بعد أن يضطر مكرهاً على أن يطرد خارج فضائه، الفضاء الذي طالما تفاعل فيه مع الجيل الجديد، ولم يتوان عن وضع بوصلة روحه أمامهم، قائلاً لهم: تلكم هي الطريق.!!.””، ما جعله يختار مكاناً آخر، أمكنة أخرى، على مقربة من ذلك العنوان، يتسلل إليه، أنى استطاع، لاسيما عندما يسند إليه تقديم برنامج تلفزيوني، يلتقي فيه الناس، كي يقولوا جميعاً كلمتهم، من أجل إيقاف مجزرة الإنسان المفتوحة، وإن كان في مثل ذلك التسلل، الجريء، خوف ممن يسميه”قاتلاً”، من دون أن يخطر بباله، أن في زيارة له، لمدينة”هارون الرشيد”، كي يقرأ الفرات وهو يحمل أنين وحمرة دماء أهله، بعد أن تخلصت من الأصفاد التي طالما عانت منها، كي تعلم أن هذه المدينة، وأناسها، إنما يقعون بين براثن قاعديين، جهلة، سرعان ما اختطفوها، كما يختطفون الثورة، كما هذا الراهب الإنسان، و” عدسته”، ومن يرافقه، وهو أحد أهم شخصيات الرواية التي تكتب الآن، من قبل رواة- ما أكثرهم في العمارة الكونية- ينقلون تفاصيل كل ما يجري أمام أعينهم، وهم يعضُّون على الأصابع، كلما بدا أمام نواظرهم دبيب” دود الخل”الغريب، الذي اقتحم مملكته، كي يكمل لوحة الدمار والقتل، أصالة، ووكالة..!
elyousef@gmail.com