اسقاط مشروع الثورة السورية، من اسقاط النظام الى اسقاط دولة سوريا

فرحان مرعي 

خرج الشعب السوري منذ بداية ثورته بأهداف ومشروع محدد وهو: اسقاط النظام بكل مرتكزاته ومؤسساته العسكرية والامنية وبناء دولة وطنية ديمقراطية، مدنية، تعددية، يحفظ حقوقه وينهي حقبة من القهر والظلم من تاريخ سوريا….

ولكن ما كان يخبأ لسوريا وشعبها وثورتها كان اكبر من كل التوقعات والتصورات، كان يتجاوز الحدود الجغرافية لسوريا الى الحدود الاقليمية والدولية ، ظهر على المسرح ان النظام السوري ينفذ مشاريع واجندات دولية واقليمية ومن ضمنها تنفيذ مشروع ضرب الدولة السورية وتفتيتها، وما يجري على ارض الواقع من حرب وتدمير لا يقبل الشك في ذلك.
ان الصراع الدولي على سوريا ليس هو السبب الوحيد في تعقيد الثورة السورية وما آلت اليها من عراقيل وصعوبات، لو كان الامر كذلك لحاول المتصارعون الحفاظ على وحدة سوريا ارضاً وشعباً والحفاظ على بنيتها التحتية لحماية مصالحهم في سوريا كبيرة وقوية وليست سوريا ضعيفة.
ان الحرب العالمية الدائرة في سوريا تعطي صورة واضحة ان جميع الدول الاوربية وامريكا وروسيا وحتى بعض الدول العربية متفقة على عدم نجاح الثورة السورية لا بل انها تتفق على تخريب سوريا بنيوياً وجغرافياً للوصول الى تدميرها اجتماعياً ، تخريب البنية التحتية اولاً ، ثم تخريب البنية الاجتماعية وتحويل مسار الثورة الى مسارات مختلفة من الصراعات ، عرقية وطائفية لتمهد الطريق الى تقسيم سوريا الى اكثر من ثلاثة اقاليم، وهذا هو الهدف المرتجى وغير معلن ، انهم يريدون ان تكون سوريا المستقبل مهزوزة و ضعيفة.
ان سوريا ، التعددية الثقافية ، الحضارية، الدينية المعتدلة هي المستهدفة من المنظومة الدولية الاستبدادية .
ان ذلك النموذج ، سوريا المتعددة ثقافياً كان موجوداً في النصف الاول من القرن العشرين اقاليم فيدرالية، متآخية منسجمة ، دولة العلويين ودولة حلب والدروز واقليم كوردي وكان هذا يعتبر نموذجاً حضارياً في المنطقة الى جانب لبنان وفلسطين ، استهدف الاخيرين وحصل فيهما ما حصل ، فمثلاً لبنان تحول من الاغلبية المسيحية الى الاغلبية الشيعية والسنية ، والآن جاء التنفيذ على سوريا الذي بدأ من عام 1963 مع مجيء البعثية الفاشية وانتهاء  بالاسلاموية الفاشية، لقد كان خشية المنظومة الدولية الاستبدادية متمثلة في امريكا واوربا وروسيا وحلفائها في المنطقة ان الثورة السورية الشعبية الوطنية ستعيد امجاد تلك الدولة التعددية الثقافية وبشكل اقوى واكثر حضارية تماشياً مع تطور البشرية والعولمة لذلك تعمل هذه المنظومة على اسقاط الثورة السورية في اهدافها المعلنة .

ان مستقبل سوريا اصبح  اليوم على كف عفريت كما يقولون ، ان سوريا الدولة المركزية المقيتة اصبحت شيء من الماضي- الى جهنم وبئس المصير – ان سوريا اللامركزية ،الاتحادية، التعددية في الطريق الى النشوء كما كنا نطمح ، ولكن خشيتنا وتخوفنا هو من الكيانات الفيدرالية  القادمة ومدى قدرتها على البناء والنهوض من تحت الانقاض وخاصة ان التخريب شملت البنية التحتية واسوأ منها ما قد يمكن ان تجاوز هذا التخريب الى البنية الذهنية والثقافية للشعوب السورية وهذا قد يحتاج الى جهد ووقت طويل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…