على أبواب أوربا

غسان جانكير

ثمة مقولة ل لينين مفادها أن جانبي الحدود بين الدول, محكومة بنظرية الأواني المُستطرقة .

فالخلل الموجود على طرفي الحدود لا يستقرّ إلّا بإعادة التوازن, إن كان من الناحية البشرية أو المعيشية .

عبثاً تُحاول دول الإتحاد الأوربي تحصين حدودها أمام الهجرة الغير شرعية, وعبثاً يُحاول بوليس هذه الدول استجواب اللاجئين, لمعرفة شبكات تهريب البشر, فالمهربين بنظر الكثرة الكثيرة من اللاجئين يكادون أن يكونوا أنبياء.

في إنقاذهم لحياة الكثيرين, في أوقات الحروب والمجاعات, في الوقت الذي تتقاعس هذه الدول عن الإسهام – بحسب نفوذها السياسي أو الاقتصادي أو العسكري – في إيجاد الحل لهذه الهجرة من خلال وقف أسبابها .
في أحد مراكز اللجوء في النمسا, وفي جلسة حول إبريق الشاي, يحس المرء بعودة الإنسان إلى فطرته الأولى, حيث لا انتماء إلّا للإنسانية, ولا وظيفة للغات سوى كحاجة التواصل, فإن استعصت عن الفهم, كانت الإيماءات كفيلة بتيسير الأمور.
الكلّ لديه قصة تعجزُ المُجلدات عن ضمّ تفاصيلها, والكلُّ لديه من الآمال ما تعجز قرون الشرق عن تحقيقها, فقط بضعة سنين في أوربا كافية كي يشعر المرء بإنسانيته, وكي يُقدّم يد المُساعدة, لأهلٍ جابه الأهوال من أجلهم .
في الجزء اليسير من الثانية, حيث يأخذ المُتحدث حاجته من التنفس لإكمال حديثه, يسترق آخرٌ الفرصة لسرد مُعاناته .
أحدهم أحرق أصابعه كي يُزيل عنها البصمات, التي أُخذت صورتها في بلغاريا, ويُفضّل الموت انتحارا على العودة الى حياة التشرد في بلغاريا .

امرأة حامل تُسابق الزمن – أمنيةً – كي تضع مولودها, والحصول بواسطته على الإقامة, ومن ثمّ المُطالبة بجمع شملها مع زوجها, كلّ هذا وهاجس الترحيل الى بلغاريا لا يُفارقها.

و آخر يُحدثك عن استغلال المُهرّبين البلغار لسذاذجتهم , فيلفّ بهم ريف العاصمة صوفيا, ويلقيهم في إحدى القرى على أنها قرية نمساوية.

و آخر تظهر على ساقه آثار عضة الكلب البوليسي البلغاري حينما أطلقها عليهم البوليس في الغابة, وأحراش الغابة التي أدمت جسده, والمُعاملة السيئة التي تلقاها في السجن .
فتاة رقاوية تُسابق الابتسامة كلماتها كجمالٍ إلهيّ, هربت مع أسرتها من النظام السوري و الجماعات السلفية معاً, وتركت الأسرة ربها مجهول المصير .
و آخرٌ يرى تشبّع جو الجلسة بالمآسي, فيُضفي عليها بعض المرح, بسرد آخر نكتة عن معاناة اللجوء, مفادها أنّ أحدهم كاد أن يحصل على الإقامة بواسطة كلب فمن حق الكلب أن يطالب بلمّ شمله مع صاحبه – فحقوق الكلاب تسبق حقوق الانسان – غير أن البوليس أكتشف في آخر لحظة بأن الكلب قد أُخذت بصماته في بلغاريا أيضا .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…