سوريا: جنيف 2 أم سايكس بيكو 2؟!

نوري بريمو

في مؤتمر جنيف1 الذي عقدته “مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا” قبل عام وبتاريخ (1-7-2012)، تم التوافق حول بعض المبادئ الأساسية والخطوط العريضة لعملية سياسية انتقالية تعمل على وقف العنف وتضمن تداول سلمي للسلطة وتمهد الطريق لمرحلة “ما بعد الاسد” والدعوة إلى تشكيل حكومة توافقية تضم أشخاص من النظام والمعارضة ومن مختلف المكونات السورية.

ورغم عدم جدوى جنيف1 الذي لم يقدم أو يؤخر في المعادلة السورية أي شيئ، لأنّ قراراته لم تُنفّذ وتحولت إلى هباء منثور في أدراج رياح عسكرة الحلول على مدى عام كامل من الكرّ والفرّ بين جيش النظام والجيش الحر، وبالرغم من حالة اليأس الحاصلة بسبب إنسداد مداخل ومخارج الحلول السلمية،
يجري في هذه الأيام الترويج للسير باتجاه الإستعجال لعقد مؤتمر جنيف2 في إطار البحث مرة أخرى عن أية حلول أو مخارج سياسية للأزمة السورية، في حين توحي معظم الدلائل الميدانية إلى صعوبة انعقاد مثل هذا المؤتمر في ظل هذه الظروف المعقدة التي يصعب فيها استكمال توفير مقومات إمكانية التقاء فريقي الصراع الرئيسيين “النظام العلوي والمعارضة السنية” رغم الجهود المكثفة التي يبذلها الأمريكان والروس وغيرهما من الدول المهتمة بالشأن السوري المقبل على المزيد من التقاتل الداخلي والحرب الإقليمية التي صارت قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار الذي قد يعقبه اسقاط النظام وانهيار الدولة والمجتمع، جراء التسخين المسعور على نيران طائفية تستمد ديمومتها ووقودها من أطراف اقليمية تتدخل في سوريا وتساهم في الشحن المذهبي على قدم وساق وبشكل مباشر.


إنّ هذا الإهتمام الدولي بمثل هكذا مؤتمر يفتقر إلى الحد الأدنى من فرص النجاح في ظل هذه المناخات الحساسة المخيّمة على شرق أوسطنا المتوتر ماضياً والملغوم حالياً، يوحي للوهلة الأولى إلى إمكانية تحقيق ثمة توافقات دولية قد تحصل بغياب السوريين المنهمكين بنزاعاتهم الداخلية قُبيل هذا المؤتمر المصيري الذي قد يعقبه مؤتمرات أخرى في مسعى البدء بإجراء تسوية شرق أوسطية تشمل مختلف الملفات العالقة وليس الملف السوري فقط.


وبهذا الخصوص السوري العالق بصراع طائفي ناشب على مركوب ثورة شعبية اندلعت قبل أكثر من سنتين، ولدى الإمعان في حيثيات وتداعيات المشهد الداخلي الذي لم يعد داخليا فحسب بل تعدّى ذلك ودخل في طور اقليمي قد يتطور إلى أطوار دولية قد تؤدي لاحقا إلى نشوب حرب عالمية ثالثة ربما تعقبها محافل دولية من قبيل جنيف 2 أو 3 أو 4 أو…إلخ، لتفضي في نهاية النطاف إلى انبثاق اتفاقيات دولية جديدة من طراز سايكس بيكو2  على غرار سايكس بيكو1 التي تم ابرامها في عام 1916م أي على أثر إنتصار التحالف الدولي على السلطنة العثمانية في الحرب العاليمة الثانية.
وفي الوقت ذاته وبمقابل هذا الأداء الدولي التفاوضي الذي يصفه البعض بلعبة كسب الوقت من جانب الروس لصالح نظام الأسد، والذي ليس بالوسع سوى تسميته على أقل تقدير بأنه محاولة أخرى لتوجّه سلمي آخر قد يخرج سوريا من عنق زجاجة حرب اقليمية مقبلة إن شئنا أم أبينا، فإن الأقطاب الدوليين قد يذهبوا إلى جنيف2 لوحدهم وقد يحاولوا انجاح مؤتمرهم للحفاظ على ماء الوجه!، لكن نجاحهم لا يعني مطلقا نجاح العملية السياسية في سوريا، في ظل عدم وجود أي بصيص أمل!، لأنّ نظام الأسد ليس بوارد التنازل وحضور المؤتمر تحت مطرقة تنحيته عن الحكم والبحث عن بديل انتقالي، وأيضا المعارضة من جانبها ليست موحدة ولا يمكنها الحضور والجلوس مع نظام يدمر سوريا ويقتل ويشرّد أهلها.
ومع استمرار دوامة العنف والعنف المضاد، يبقى الشارع السوري بمختلف مكوناته يترقب الوضع عن كثب وبحذر تشوبه الكثير من المخاوف المشروعة على ماقد يؤول إليه مصير هذه البقعة الجيوسياسية المضطربة التي باتت أشبه ما تكون ببركان بشري متأهب للإنفجار في كل يوم ولحظة.

ومهما كثرت التكهنات والمراهنات والقال والقيل، فيبقى من حقنا أن نتساءل بنغمة تفاؤلية يلفها لفيف من دخان تشاؤمي: هل جنيف2 هو عنوان جديد لسيناريو آخر قد تبدأ معه رقصة جديدة على نغمة أخرى من نغمات الربيع الشرق الأوسطي؟، أم أننا سوف نتخطى أبعاد هذه المرحلة الإنتقالية ونرحل بعيدا لنشهد آفاق مشروع سايكس بيكو2 يطرق الأبواب ليضع حدا لمآسي بلدان منطقتنا الشرق الأوسطية المبتلية ببلاوي سايكس بيكو1 الذي فشل في تحقيق التعايش بين شعوب منطقتنا التي يبدو أنها محتاجة فعلا إلى توافقات محلية جدّية وإتفاقيات دولية جديدة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…