هل القانون كعمود الكهرباء حقاً؟

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

يُقال: ((القانون كعمود الكهرباء لا نستطيعُ القفز عليه, بل بإمكاننا أن ندورَ حوله)), فهل ينطبقُ هذا القول المأثور على ما يجري الآن في سوريا منذ بدءِ الثّورةِ وحتّى يومنا هذا؟ وهل تسيرُ الأمور وفق قوانين ومعايير  تُطبّق بحقّ الشّعبِ السّوريّ؟ وهل هناك قوانين حقيقيّة في سوريا الآن نستطيعُ تطبيقها على الشّعب, أو من خلالها نستطيع إجراء معايير العقابِ والثّواب؟
لعلّ هذه الأسئلة والاستفسارات تكون من أصعبِ المعضلاتِ العويصةِ على الحلّ أو على فكّ الّلغز, لأنّ الشّعبِ السّوريّ بمكوّناته المختلفة والمتباينة يتأرجحُ الآن وفق موازين عدّة لكلّ ميزان كفتان مختلفتان عن كفتيّ الميزان الآخر, بل قد يجدُ اختلافاً في كفتيّ الميزان الواحدِ كذلك, فيعيشُ متأرجحاً بشكل عاموديّ أو أفقيّ أو بشكل طولانيّ أو عرضانيّ وفقاً لقوّة أو ضعفِ اهتزازات كفتيّ هذا الميزان أو ذاك, حيثُ تتعدّدُ القوانين, وتتباينُ الشّرائع, وتكثرُ المسبّبات التي تستوجب الأسباب, وتتلاطمُ الحجج والذّرائع التي من خلالها يمارس أصحاب كلّ قانون أو شريعةٍ أو مسبّبٍ طقوسَهم الخاصّة بهم, كلّ بحسب الرّؤى والاتجاهات والمفاهيم التي تتماشى مع ما يرضي فكرهم, ومع ما يغذي أبصارهم.
الشّعب السّوريّ بمكوّناته المختلفة ما عادَ ملزماً بقوانين وشرائع محدّدة, ما عادَ مسيّراً لإرادةِ شريعةٍ بعينها, ما عاد مقتفياً آثار هذا المشرّع أو ذاك القانونيّ بحدّ ذاته.
الشّعب السّوريّ بات مسيّراً وفق قوانين مختلفة, البعض من هذه القوانين صار حقاً كعمود الكهرباءِ ولكن لا يستطيع هذا الشّعب الدّوران حولها, بل ما عاد بإمكانه حتّى التّقرّبَ إليها لأنّ لعناتِ صعقةٍ كهربائيّة من هنا وصعقةٍ من هناك قد تلاحقه فترديه إلى عوالم لا يعلمُ بوجوده فيها إنسٌ ولا جنّ ولا حتّى كائناتٍ تنتمي إلى فصيلةِ الجماد واللاحركيّة, فكيف به إذا حاول القفز عليه أو من فوقه؟
مشرّعو هذه القوانين والشّرائع يتوزعون وفق اتجاهاتهم وانتماءاتهم ورؤاهم وسبل فكرهم وتفكيرهم.

يتنوّعون طبقاً للتوزّع الجغرافيّ والمناخيّ الذي يلائمهم, يهندسون أمورهم بحسبِ التّيّارات التي تدعمهم بجرعات القوّة والجبروت والسّيطرة, يدعمهم أناسٌ  يشاركونهم كلّ ما ذكرناه من مواصفاتٍ ومقاييس, أمّا انتماءاتهم فهي بيّنة وواضحة, نعم, ينتمون إلى هذا الشّعبِ ذاته بشحمه ولحمه, بقلبه وقالبه, بجوهره ومضمونه, كلّ فئةٍ تنفي قوانين وشرائع الفئة الأخرى, فتحاول أن تنهشَ لحم بعضها البعض مع العظم والشّحم, فتردّ الأخرى بمثلها وربّما بردّةٍ فعل أقوى وهكذا تتصارعُ القوانين والشّرائع فيما بينها, وتتناحر, وتتشاجر, وقد تتآلف وتتهادن بين فينةٍ وأخرى وفق ضروراتِ المصلحة, ولكن جوهر الصّراع والتّناحر يظلّ هو السّائد والمسيطر, وفي النّهاية يكون الجمعُ الغالب من هذا الشّعب هو الضّحيّة, ليتحوّل البعض من هؤلاء أيضاً إلى أشباه مشرّعين دون معرفةِ نهايةٍ لكلّ هذا, وكأنّ الدّروب كلّها تسيرُ نحو دربٍ واحدٍ, هو درب المتاهة, أو الّلغزِ أو العدم.
فهل ستتفرّعُ دروبنا وتتشعّبُ نحو اتجاهاتٍ مستقيمةٍ ومتوازية نستطيعُ من خلالها التّوصّل إلى فرزٍ شامل لاتجاهاتها, فنميّزَ المنير من المظلم, ونفرّق الصّالح من الطّالح؟
هل سنتمكّن من وضع وتشريع قوانين وشرائع تكون كعواميد الكهرباءِ نستطيع الدّوران من حولها, بل والقفزَ عليها ومن فوقها ولكن دون أن تلحقنا لعنة الصّعقةِ القادمةِ من هنا, أو المتسلّلة من هناك؟!

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…