تحالفات البارتي

  سليم عمر

ما أن فارقنا الأستاذ القدير المرحوم كمال ، حتى وجد البارتي نفسه ، و قد دخل مرحلة جديدة من حياته الحزبية ، و السياسية .

دبّ الخلاف في صفوفه ، و انقسم على نفسه ، فانتهزها الديمقراطي التقدمي فرصة ، لتسوية حساباته مع البارتي .

و بتأييد من مجموعات حزبية أخرى ، نجح في  إخراج البارتي من التحالف الذي كان هو المبادر إلى بنائه .

لم يغفر التقدمي للبارتي تجاهله ، عندما بُوشر في بناء التحالف ، فردّ له الإهانة ، و عاقبه بتلك الطريقة ، ليحل محله في قيادة التحالف .
و في الحقيقة ، فإننا لم نكن قد تجاهلنا التقدمي ، و لا قصدنا إهانته ، عندما بدأنا الخطوات الأولى لإقامة التحالف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي .

كنا مختلفين مع التقدمي في مسائل كنا نعتبرها جوهرية ، و قد ارتأينا أن نرسم خطاً عاما للتحالف ، ينسجم مع رؤيتنا للوضع الكوردي ، و الكوردستاني ، ومن ثمّ ندعو التقدمي إلى الالتزام به ، فيكون بذلك قد فَقَد بصمته على توجهات هذا التحالف ، و على مبادئه .
و كردة فعل متسرعة ، و غير محسوبة على موقف الأطراف السياسية في التحالف ، بادر البارتي إلى بناء الجبهة .

و قد أبديت اعتراضي وقتها على هذه الخطوة ، ليس انتقاصاً ممّن تحالف معهم البارتي – فأنا أقدّر نضالهم ، و أكنّ لهم كل الاحترام – و لكن لأن البارتي ، واجه الخطأ بالخطأ .

احتضن المنشقين عن التقدمي ، مثلما عملت أطراف التحالف على تكريس الانشقاق في البارتي ، إضافة إلى أنه كان على البارتي ، أن يتأنّى قبل الدخول في تحالفات جديدة ، كان عليه أن يضمّد جراحه ، أن يعود إلى رفاقه ، فيعزز صفوفه من الداخل ، أن يعود إلى جماهيره ، أن يحافظ على خطه ، فللبارتي جماهيره ، و للبارتي خطه المتميز ، حتى و هو في أسوأ أزماته ، و أشدها .
و مع أن الرفاق ، أكدوا حينها ، أنهم مرتاحون من خطوتهم في بناء الجبهة ، إلا أن توالي الأحداث فيما بعد ، و مع الشروع في بناء هيكل جديد – المجلس الكوردي – كشف نقيض ذلك ، و لو أن بناء الجبهة كان على أسس مبدئية ، و سليمة ، و جاء لقناعات تامة ، و لضرورة نضالية ، إذا لدخلت أطرافها المجلس الكوردي برؤية واحدة ، و لانسجمت مواقفها ، و ممارساتها داخل هذا المجلس ، و لما أدار البارتي ظهره لحلفائه في الجبهة ، و باشر في بناء هيكل جديد مع حلفاء جدد – الاتحاد السياسي – .
و من الواضح أن البارتي لم يستفد من التجربة ، فقد أخطأ عندما شكل الجبهة ، و ها هو يقع في نفس المستنقع – الاتحاد السياسي – كان عليه أن يؤدي دوره بفاعلية داخل المجلس الكوردي ، لا أن يشكل هيكلا داخل هيكل ، و كان عليه أن يثق بنفسه ، فيكونُ مركز ثقل و استقطاب بين أطراف المجلس ، مستندا إلى تنظيم متماسك و حيوي ، و مستندا إلى جماهيره ، و إلى علاقاته الكوردستانية ، لا أن يذيب نفسه في تحالفات غير مجدية ، و مثيرة للتساؤول ، أو أن يختبيئ خلف تنظيمات أخرى ، و ضمن هياكل تحمل هذا الاسم أو ذاك ، و إذا ما قرر التحالف ، فيجب أن تكون الدوافع لمصلحة قومية بحتة ، و بعيدا عن أية غايات أخرى ، و فوق هذا و ذاك أن يحسن التوقيت ، و أن يحسن الاختيار .
و حتى لا نضيع في العموميات ، و لكي نكون أكثر وضوحا ، فقد كانت الخطوة التي أقدم عليها البارتي ، ببناء الاتحاد السياسي – و منذ اليوم الأول – مثار جدل و شك ، فليس مفهوما أن يندفع جناحا آزادي إلى الوحدة الاندماجية في ظل الاتحاد ، و لمّا لم يمض على انشقاقهما غير أشهر قليلة ، كما أن الانسجام يكاد يكون معدوما بين يكيتي و باقي الأطراف ، خطاً ، و علاقات ، و أسلوب عمل .

فقد ألزم يكيتي نفسه بالتداول السلمي  لمنصب السكتير ، فلا تآمر ، و لا تكتلات ، و لا انقلابات ، و لا انتظار للموت ، كما أن علاقاته مع الأطراف الكوردية الأخرى اتسمت بالاتّزان ، و لو أن المزاج العام لديه أقرب إلى التقدمي منه إلى البارتي ، و أنا أعتقد أنه لو لا الحساسيات الشخصية لكان هذا التوجه أكثر وضوحا ، و قد شعرت بالحيرة والغرابة ، كيف أن الأخ الدكتور حكيم ، فاته كل ذلك ، و هو يبشر الجماهير الكوردية بالوحدة الاندماجية بين أطراف الاتحاد ، في أحد لقاءاته المتلفزة .
مرة أخرى سيجد البارتي نفسه معزولاً بسبب خطواته اللامدروسة ، و بسبب غياب أي دور لقواعده في اتخاذ القرار ، إن في رسم التوجهات السياسية ، أو في بناء العلاقات ، و قد صار لزاماً عليه ، أن يراجع كل ذلك ، و أن يبدأ عملية مصارحة مع الذات ، و أن يدرك أن هذه المرحلة الصعبة ، لا تتحمل المزيد من الخطوات الارتجالية ، و التجارب الفاشلة .

على البارتي أن يعيد بناء نفسه من الداخل ، و أن ينطلق بنَفَس جديد ، و بثقة عالية ، و بخطوات متّزنة و متوازنة .

salimbahoz@hotmail.com   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…