جان كورد – 18 حزيران، 2013
كان هكذا عبر التاريخ كله، فالإمبراطورية الفارسية التي نشأت وقويت على أكتاف الكرد الميديين صارت مع الأيام تضبط الكرد عن طريق أمرائهم المختلفين منذ ذلك الحين، بل الكرد مختلفون ومشتتون ومحكومون من قبل أمرائهم التابعين حتى إلى ما بعد تأسيس ما أطلقوا عليه ظلماً وعدواناً اسم “الهيئة الكردية العليا” في غرب كوردستان،
وكذلك الأمويون العرب والعباسيون الأخلاط الذين جاء لهم المغامر الكردي أبو مسلم الخراساني بالعرش والتاج المخضبين بدماء الأمويين المذبوحين في بلاطهم، ونقل عاصمة الدولة الإسلامية من دمشق إلى بغداد بحد السيف، فتمت مكافأته بقتله غدراً في مربض خيل، ولسان حال أحد شعرائهم يلوك أكذوبة تاريخية، حيث يقول:
أفي دولة العباس أردت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكورد
أفي دولة العباس أردت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكورد
فلو كان أبو مسلم غادراً لما وضع حياته في الخطر من أجل العباسيين، الذين كان الناس يعتقدون بأحقيتهم في حمل أمانة الخلافة لقرابتهم بالبيت النبوي الشريف.
هؤلاء العباسيون الذين كانوا ينحرون بعضهم ويغتصبون العرش عنوةً من أبناء قومهم وعشيرتهم، كانوا في الوقت ذاته قادرين على اخضاع كوردستان برمتها بذات الأساليب الماكرة التي اتبعها الفرس من قبل ظهور الإسلام ومجيء العرب من جزيرتهم إلى ما سموه ب”العراقين العربي والعجمي”.
حتى أن السلطان الكردي الكبير الناصر صلاح الدين الأيوبي هازم كل الجيوش الصليبية ومحرر الكثير من قلاع المسلمين بعد احتلال دام عقوداً من الزمن وفاتح بيت المقدس، كان يتبع في ولائه سلطان العباسيين، ولو كان اسمياً وشكلياً، وإلا فإنه كان سيتعرض لعداوة أمراء الكرد الذين بايعوا الخلفاء العباسيين على السمع والطاعة، كرهاً أو طوعاً، ولكنهم فيما بينهم ظلوا متناحرين ومتحاربين، وكأنهم كانوا مجرد همزة وصل بين الفشل التاريخي للكرد وفشلهم الذي لايزالون يتخبطون فيه حتى اليوم وكأنهم في حلمٍ مرعب.
فنقلوا فيروس الاختلاف والخصام من أجدادهم الميديين إلى الأحفاد فيما بعد القرن العشرين، عصر التنوير والحريات والوعي، إلى الأمناء العامين والسكرتاريات العظيمة الشأن لأحزابنا التي تتصدى لكل عمليات الارغام على التوحد والاتحاد، فالوحدة تبدو كجريمة كبرى بحق “التعددية” التنظيمية ولو كنا لا نرى ذلك مدوناً في برامجهم، ومن بعيد تبدو تنظيماتهم كالقباب البيض التي تراها أعين الناظرين جميلةً من بعيد، ولكن ليس بداخلها سوى مقابر تحوي عظاماً نخرة تفوح منها روائح كريهة من التمزق والرياء والنفاق والتدافع والغطرسة ووضع المصالح الشخصية فوق مصلحة الشعب الكردي، رغم مرورنا في مرحلةٍ تاريخية حرجة قد تؤذينا فيها نوائب الدهر أذى بليغا.
العثمانيون كانوا أبرع من الفرس والعرب في تقسيم الكرد وتحطيم قواهم وفي ربطهم بعرشهم السلطاني الذي اغتصبوه من غيرهم من المسلمين، وكأنهم تلقوا سائر فنون السياسة والمراوغة والحنكة في الإدارة، على الرغم من أنهم كانوا مجرد رعاعٍ وناهبين، اغتصبوا بلاد الكرد والأرمن واليونان والبلغار والليديين واللاز والتات وسواهم من الشعوب من قبل.
من خلال هجماتهم الدموية التي كانت تحرق الأخضر واليابس، منذ أن انطلقوا غزاةً كالسيل الجارف من بلادهم في آسيا الوسطى، يدمرون كل ما مروا عليه من مدنيات وعمران بشري ويخنقون كل الحضارات التي أقامها البشر في طريقهم.
كان العثمانيون يلعبون بعقول الزعماء الكرد ويدغدغون أحلام بعضهم فكسبوهم الواحد تلو الآخر وزجوا بهم في حروبهم على بلدان أوروبا الشرقية، حتى وصلوا إلى بوابات العاصمة النمساوية فيينا، مستخدمين سلاح الدين للتغرير بالكرد وللتنكيل بالمعارضين منهم، ولاتزال إحدى القلاع في وسط بلاد المجر تدعى “كردو”، ذلك لأن الكرد كانوا في الصفوف العثمانية الأولى ورأس حربة “الفتوح الإسلامية” خلال كل حكم العثمانيين الذين عملوا من أجل ديمومة السيادة لبني قومهم التركي على العالم الإسلامي، بدليل أنه لم يصل إلى مرتبة السلطان أي فردٍ غير تركي طوال عمر ذلك الحكم الذي دام قروناً من الزمن.
أما الكرد فقد كانوا “فرسان الشرق” ووقود المعارك، وفيما بينهم كانوا يخضعون لأمراء تابعين للصدر الأعظم يحركهم كيفما يشاء في خدمة آل عثمان.
دخل الفرنسيون والانجليز والروس المنطقة الشاسعة ما بين بحر قزوين وباب المندب والبحر الأبيض المتوسط، ولم يتمكنوا من إخماد “الفتن!” وتحريك “الثورة العربية” ضد العثمانيين إلا بتطبيق سياسة “فرق تسد”، وما كان للإنجليز أن يضبطوا القبائل والعشائر الكردية الثائرة في جنوب كوردستان دون تسخير بعض الزعماء الكرد الخونة للقتال ضد الشيخ محمود الحفيد البرزنجي الذي أعلن نفسه ملكاً على كوردستان بعد اتفاقية سيفر في عام 1920، أو قبلها بعام، تلك الاتفاقية الدولية التي أقرت حق الاستقلال للشعب الكردي عن دولة “الرجل العثماني المريض”، ثم هبت الرياح بعكس المصالح القومية الكردية وبسبب خيانة كثيرين من زعمائهم وسعي أكثرهم للقضاء على نفوذ منافسيهم من بني قومهم، فحلت اتفاقية لوزان في عام 1923 محل اتفاقية سيفر، وقضي الأمر بالنسبة لمشروع الاستقلال الكردي، مثلما توصل بعضهم منذ فترة وجيزة إلى اتفاقٍ لا ندري عنه إلا القليل مع رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، من نتائجه ضبط الشعب الكردي ضبطاً محكماً ودفن فكرة “الاستقلال الكردي” إلى الأبد، بعد أن فشلت كل القوى المحتلة لكوردستان في إصدار وثيقة الدفن تلك عبر العصور، رغم كل المذابح التي ارتكبوها بحق الشعب الكردي وحملات القمع والتشريد وفرض اللغات العربية والتركية والفارسية على أطفال الكرد، ومنع كل ما يمت إلى وطنهم “كوردستان” من ثقافة وتاريخ وطموح.
سعى شاه إيران والزعماء القومجيون البعثيون في كل من سوريا والعراق، خلال عقودٍ طويلة، إسوة بالعنصريين الطورانيين الكماليين في تركيا، للمساهمة في دفن الطموحات القومية الكردية وعملوا على ضبط الشعب الكردي كردياً، من خلال ابتكار قوى “كردية” لا تشوش على نضالات وكفاح الأمة الكردية فحسب، وإنما تحارب كل نهجٍ قومي وطني صحيح ومتجه نحو الأهداف الحقيقية والطبيعية لهذه الأمة.
فكان نظام الجاش في جنوب كوردستان لا يختلف في كثيرٍ عن نظام الجيش الإنكشاري العثماني الذي كانت قوته الأساسية على أكتاف الكرد وبلغ في بعض المراحل التاريخية أكثر من 60 فرقة محاربة ومدربة تدريباً جيداً وخاضعةً للنظام السياسي – الديني العثماني بولاءٍ تام ونكرانٍ صارخ للقومية الكردية التي كانت تعاني من نهب الموظفين الترك وتتعرض لأشنع حملات الاستغلال والتمييز.
ونظام الجاش الذي فشل على أثر استخدام صدام حسين للسلاح الكيميائي ضد شعبنا في عام 1988 في مدينة حلبجة، لايزال مستمراً في كوردستان بصورٍ مختلفة، وها هو أحد كبار الجاش السوريين الذي يتربع منصباً فيما يسمى ب”مجلس الشعب” الأسدي، يفتخر دون حياءٍ أو خجل بتبعيته للنظام الذي نكل بشعبه وتنكر لحقوقه منذ اغتصاب حزب البعث العنصري للسلطة في البلاد في عام 1963 بانقلابٍ مدعوم من جهاتٍ دولية معادية للشعب السوري، بل إنه يلقى الاحترام والتقدير من قبل زعماء “كرد وكردستانيين” ويتباهى أمامهم بعمالته، وتجري معه بعض مواقع “الحداثة والديموقراطية الكردستانية” مقابلاتٍ شيقة ومثيرة وكأنه بطل من أبطال التحرير القومي في كوردستان.
لقد كان الهدف من نظام الجاش ضبط الشارع الكردي ومنع الشباب من الالتحاق بالثورة، وها هو الشارع الكردي يضبط كردياً اليوم، ليس في العراق هذه المرة، وإنما في سوريا وإيران وتركيا، من خلال من هم في خدمة الأنظمة، ولكنهم يحملون مختلف نياشين الثورة والأممية والتقدمية و”الديموقراطية الشعبية” ويدعون إلى السلام والحوار ورفض الثورة السورية المجيدة جملةً وتفصيلاً، بل إنهم أصحاب قوة لا يدري أحد كيف حصلوا عليها دون أي اشتباك مع النظام، ويزعمون أنهم حرروا جزءاً من كوردستان خلال أيامٍ معدودات من ثورتهم العارمة، بحيث يستحق رئيسهم شهادة أعظم قائد كردي على الإطلاق لتحريره شعباً ، دون إراقة قطرة دمٍ لجندي من جنود الدولة، ولكنهم في الحقيقة قشرة البيض التي تحوي بداخلها سائر إفرازات النظام من فرض الهيمنة واختطاف المناضلين الكرد واغتيالهم وفرض الأتاوات ومنع رفع العلم القومي الكردي والتسلط السياسي ومحاولة بناء نظامٍ شمولي على رأسه مستفرد بالزعامة الأبدية وبقيادة الحزب الأبدي.
فما الفارق بين نظام الجاش العراقي ونظام فرض “السلطة المطلقة” لحزبٍ من الأحزاب على مجتمعٍ بأسره؟ ليس هناك أي فارقٍ في المضمون، وليست الغاية سوى ضبط الشارع الكردي إلى أن ينقذ النظام عنقه من المقصلة التي أوقع نفسها تحتها بنفسه.
كل الأحزاب الكردية الوطنية الديموقراطية مشمئزة من الأوضاع السائدة، وكلها محاربة في وجودها وكياناتها، إلا أنها لا تكشف عن الحقيقة التي تقول:” إن نظام الأسد يستعين ببعض الأكراد لضبط الشعب الكردي اليوم مثلما استعان المستعمرون عبر التاريخ دائماً بقوى من الشعوب المستعمرة (بفتح الميم والراء) لتفتيت وحدتها وضرب قواها بعضها ببعض ولضبط المتمردين على سياساتها ولتصفية ثوارها،”
فلينظر كل واحد إلى نفسه ويحدد مكانه، أهو حقيقةً مع الثورة والشعب؟ أم مع إرهاب النظام وقمعه وشموليته ويطبق سياساته على الأرض بذريعة أنه يدشن للحكم الذاتي الكردي “الغامض حقاً” ويحمي الشعب المرتعب من هذه الحماية مع الأسف؟
إن من يجد نفسه في صف ثورة الحرية والكرامة في سوريا لا يدافع عن موقف النظام بصدد تسليح المعارضة السورية المسلحة، وإن من يرى نفسه جزءاً من هذه الثورة لا يأوي ضباط الأمن السوري ويداويهم سراً في القرى الكردية، ولا يساعد قوات النظام في قطع الطريق على الثوار السوريين، ولا يمارس القمع والاعتقال بحق المناضلين الكرد من الأحزاب الوطنية الديموقراطية ولا يستولي على قوت الشعب ولا يتصرف في البيت الكردي السوري وكأنه يمثل عظيم روما في البلاد.
إن الأخبار التي تردنا من مصادر مختلفة تؤكد كلها الشيء ذاته، مع الأسف، ألا وهو أن بعض القوى الكردية ليست إلا أداة ضبط كردية للشارع الكردي في خدمة النظام الأسدي الذي فقد الشرعية، وأن بعض من يتكلم باسم شعبنا اليوم لا رصيد له ويأخذ أوامره ممن هو أعلى منه شأناً في حزبٍ يفرض عليه سياساتٍ معينة بسبب ظروفٍ خاصةٍ به اقليمياً.
هؤلاء العباسيون الذين كانوا ينحرون بعضهم ويغتصبون العرش عنوةً من أبناء قومهم وعشيرتهم، كانوا في الوقت ذاته قادرين على اخضاع كوردستان برمتها بذات الأساليب الماكرة التي اتبعها الفرس من قبل ظهور الإسلام ومجيء العرب من جزيرتهم إلى ما سموه ب”العراقين العربي والعجمي”.
حتى أن السلطان الكردي الكبير الناصر صلاح الدين الأيوبي هازم كل الجيوش الصليبية ومحرر الكثير من قلاع المسلمين بعد احتلال دام عقوداً من الزمن وفاتح بيت المقدس، كان يتبع في ولائه سلطان العباسيين، ولو كان اسمياً وشكلياً، وإلا فإنه كان سيتعرض لعداوة أمراء الكرد الذين بايعوا الخلفاء العباسيين على السمع والطاعة، كرهاً أو طوعاً، ولكنهم فيما بينهم ظلوا متناحرين ومتحاربين، وكأنهم كانوا مجرد همزة وصل بين الفشل التاريخي للكرد وفشلهم الذي لايزالون يتخبطون فيه حتى اليوم وكأنهم في حلمٍ مرعب.
فنقلوا فيروس الاختلاف والخصام من أجدادهم الميديين إلى الأحفاد فيما بعد القرن العشرين، عصر التنوير والحريات والوعي، إلى الأمناء العامين والسكرتاريات العظيمة الشأن لأحزابنا التي تتصدى لكل عمليات الارغام على التوحد والاتحاد، فالوحدة تبدو كجريمة كبرى بحق “التعددية” التنظيمية ولو كنا لا نرى ذلك مدوناً في برامجهم، ومن بعيد تبدو تنظيماتهم كالقباب البيض التي تراها أعين الناظرين جميلةً من بعيد، ولكن ليس بداخلها سوى مقابر تحوي عظاماً نخرة تفوح منها روائح كريهة من التمزق والرياء والنفاق والتدافع والغطرسة ووضع المصالح الشخصية فوق مصلحة الشعب الكردي، رغم مرورنا في مرحلةٍ تاريخية حرجة قد تؤذينا فيها نوائب الدهر أذى بليغا.
العثمانيون كانوا أبرع من الفرس والعرب في تقسيم الكرد وتحطيم قواهم وفي ربطهم بعرشهم السلطاني الذي اغتصبوه من غيرهم من المسلمين، وكأنهم تلقوا سائر فنون السياسة والمراوغة والحنكة في الإدارة، على الرغم من أنهم كانوا مجرد رعاعٍ وناهبين، اغتصبوا بلاد الكرد والأرمن واليونان والبلغار والليديين واللاز والتات وسواهم من الشعوب من قبل.
من خلال هجماتهم الدموية التي كانت تحرق الأخضر واليابس، منذ أن انطلقوا غزاةً كالسيل الجارف من بلادهم في آسيا الوسطى، يدمرون كل ما مروا عليه من مدنيات وعمران بشري ويخنقون كل الحضارات التي أقامها البشر في طريقهم.
كان العثمانيون يلعبون بعقول الزعماء الكرد ويدغدغون أحلام بعضهم فكسبوهم الواحد تلو الآخر وزجوا بهم في حروبهم على بلدان أوروبا الشرقية، حتى وصلوا إلى بوابات العاصمة النمساوية فيينا، مستخدمين سلاح الدين للتغرير بالكرد وللتنكيل بالمعارضين منهم، ولاتزال إحدى القلاع في وسط بلاد المجر تدعى “كردو”، ذلك لأن الكرد كانوا في الصفوف العثمانية الأولى ورأس حربة “الفتوح الإسلامية” خلال كل حكم العثمانيين الذين عملوا من أجل ديمومة السيادة لبني قومهم التركي على العالم الإسلامي، بدليل أنه لم يصل إلى مرتبة السلطان أي فردٍ غير تركي طوال عمر ذلك الحكم الذي دام قروناً من الزمن.
أما الكرد فقد كانوا “فرسان الشرق” ووقود المعارك، وفيما بينهم كانوا يخضعون لأمراء تابعين للصدر الأعظم يحركهم كيفما يشاء في خدمة آل عثمان.
دخل الفرنسيون والانجليز والروس المنطقة الشاسعة ما بين بحر قزوين وباب المندب والبحر الأبيض المتوسط، ولم يتمكنوا من إخماد “الفتن!” وتحريك “الثورة العربية” ضد العثمانيين إلا بتطبيق سياسة “فرق تسد”، وما كان للإنجليز أن يضبطوا القبائل والعشائر الكردية الثائرة في جنوب كوردستان دون تسخير بعض الزعماء الكرد الخونة للقتال ضد الشيخ محمود الحفيد البرزنجي الذي أعلن نفسه ملكاً على كوردستان بعد اتفاقية سيفر في عام 1920، أو قبلها بعام، تلك الاتفاقية الدولية التي أقرت حق الاستقلال للشعب الكردي عن دولة “الرجل العثماني المريض”، ثم هبت الرياح بعكس المصالح القومية الكردية وبسبب خيانة كثيرين من زعمائهم وسعي أكثرهم للقضاء على نفوذ منافسيهم من بني قومهم، فحلت اتفاقية لوزان في عام 1923 محل اتفاقية سيفر، وقضي الأمر بالنسبة لمشروع الاستقلال الكردي، مثلما توصل بعضهم منذ فترة وجيزة إلى اتفاقٍ لا ندري عنه إلا القليل مع رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، من نتائجه ضبط الشعب الكردي ضبطاً محكماً ودفن فكرة “الاستقلال الكردي” إلى الأبد، بعد أن فشلت كل القوى المحتلة لكوردستان في إصدار وثيقة الدفن تلك عبر العصور، رغم كل المذابح التي ارتكبوها بحق الشعب الكردي وحملات القمع والتشريد وفرض اللغات العربية والتركية والفارسية على أطفال الكرد، ومنع كل ما يمت إلى وطنهم “كوردستان” من ثقافة وتاريخ وطموح.
سعى شاه إيران والزعماء القومجيون البعثيون في كل من سوريا والعراق، خلال عقودٍ طويلة، إسوة بالعنصريين الطورانيين الكماليين في تركيا، للمساهمة في دفن الطموحات القومية الكردية وعملوا على ضبط الشعب الكردي كردياً، من خلال ابتكار قوى “كردية” لا تشوش على نضالات وكفاح الأمة الكردية فحسب، وإنما تحارب كل نهجٍ قومي وطني صحيح ومتجه نحو الأهداف الحقيقية والطبيعية لهذه الأمة.
فكان نظام الجاش في جنوب كوردستان لا يختلف في كثيرٍ عن نظام الجيش الإنكشاري العثماني الذي كانت قوته الأساسية على أكتاف الكرد وبلغ في بعض المراحل التاريخية أكثر من 60 فرقة محاربة ومدربة تدريباً جيداً وخاضعةً للنظام السياسي – الديني العثماني بولاءٍ تام ونكرانٍ صارخ للقومية الكردية التي كانت تعاني من نهب الموظفين الترك وتتعرض لأشنع حملات الاستغلال والتمييز.
ونظام الجاش الذي فشل على أثر استخدام صدام حسين للسلاح الكيميائي ضد شعبنا في عام 1988 في مدينة حلبجة، لايزال مستمراً في كوردستان بصورٍ مختلفة، وها هو أحد كبار الجاش السوريين الذي يتربع منصباً فيما يسمى ب”مجلس الشعب” الأسدي، يفتخر دون حياءٍ أو خجل بتبعيته للنظام الذي نكل بشعبه وتنكر لحقوقه منذ اغتصاب حزب البعث العنصري للسلطة في البلاد في عام 1963 بانقلابٍ مدعوم من جهاتٍ دولية معادية للشعب السوري، بل إنه يلقى الاحترام والتقدير من قبل زعماء “كرد وكردستانيين” ويتباهى أمامهم بعمالته، وتجري معه بعض مواقع “الحداثة والديموقراطية الكردستانية” مقابلاتٍ شيقة ومثيرة وكأنه بطل من أبطال التحرير القومي في كوردستان.
لقد كان الهدف من نظام الجاش ضبط الشارع الكردي ومنع الشباب من الالتحاق بالثورة، وها هو الشارع الكردي يضبط كردياً اليوم، ليس في العراق هذه المرة، وإنما في سوريا وإيران وتركيا، من خلال من هم في خدمة الأنظمة، ولكنهم يحملون مختلف نياشين الثورة والأممية والتقدمية و”الديموقراطية الشعبية” ويدعون إلى السلام والحوار ورفض الثورة السورية المجيدة جملةً وتفصيلاً، بل إنهم أصحاب قوة لا يدري أحد كيف حصلوا عليها دون أي اشتباك مع النظام، ويزعمون أنهم حرروا جزءاً من كوردستان خلال أيامٍ معدودات من ثورتهم العارمة، بحيث يستحق رئيسهم شهادة أعظم قائد كردي على الإطلاق لتحريره شعباً ، دون إراقة قطرة دمٍ لجندي من جنود الدولة، ولكنهم في الحقيقة قشرة البيض التي تحوي بداخلها سائر إفرازات النظام من فرض الهيمنة واختطاف المناضلين الكرد واغتيالهم وفرض الأتاوات ومنع رفع العلم القومي الكردي والتسلط السياسي ومحاولة بناء نظامٍ شمولي على رأسه مستفرد بالزعامة الأبدية وبقيادة الحزب الأبدي.
فما الفارق بين نظام الجاش العراقي ونظام فرض “السلطة المطلقة” لحزبٍ من الأحزاب على مجتمعٍ بأسره؟ ليس هناك أي فارقٍ في المضمون، وليست الغاية سوى ضبط الشارع الكردي إلى أن ينقذ النظام عنقه من المقصلة التي أوقع نفسها تحتها بنفسه.
كل الأحزاب الكردية الوطنية الديموقراطية مشمئزة من الأوضاع السائدة، وكلها محاربة في وجودها وكياناتها، إلا أنها لا تكشف عن الحقيقة التي تقول:” إن نظام الأسد يستعين ببعض الأكراد لضبط الشعب الكردي اليوم مثلما استعان المستعمرون عبر التاريخ دائماً بقوى من الشعوب المستعمرة (بفتح الميم والراء) لتفتيت وحدتها وضرب قواها بعضها ببعض ولضبط المتمردين على سياساتها ولتصفية ثوارها،”
فلينظر كل واحد إلى نفسه ويحدد مكانه، أهو حقيقةً مع الثورة والشعب؟ أم مع إرهاب النظام وقمعه وشموليته ويطبق سياساته على الأرض بذريعة أنه يدشن للحكم الذاتي الكردي “الغامض حقاً” ويحمي الشعب المرتعب من هذه الحماية مع الأسف؟
إن من يجد نفسه في صف ثورة الحرية والكرامة في سوريا لا يدافع عن موقف النظام بصدد تسليح المعارضة السورية المسلحة، وإن من يرى نفسه جزءاً من هذه الثورة لا يأوي ضباط الأمن السوري ويداويهم سراً في القرى الكردية، ولا يساعد قوات النظام في قطع الطريق على الثوار السوريين، ولا يمارس القمع والاعتقال بحق المناضلين الكرد من الأحزاب الوطنية الديموقراطية ولا يستولي على قوت الشعب ولا يتصرف في البيت الكردي السوري وكأنه يمثل عظيم روما في البلاد.
إن الأخبار التي تردنا من مصادر مختلفة تؤكد كلها الشيء ذاته، مع الأسف، ألا وهو أن بعض القوى الكردية ليست إلا أداة ضبط كردية للشارع الكردي في خدمة النظام الأسدي الذي فقد الشرعية، وأن بعض من يتكلم باسم شعبنا اليوم لا رصيد له ويأخذ أوامره ممن هو أعلى منه شأناً في حزبٍ يفرض عليه سياساتٍ معينة بسبب ظروفٍ خاصةٍ به اقليمياً.