وإذا ما قمنا باستعراض بعض ما كتبه ، يبدأ باروت بالخطأ الأول إذ يتهم أحزاب الحركة الكردية بأنها لا تنتمي إلى ( الأكراد عموماً ) وفي نفس الوقت يتهم الكورد بأنهم لم يشاركوا في الثورة السورية بسبب موقف الأحزاب الكردية يقول :
(المشاركة في الثورة : حتّى اللحظة هناك انتقادات كثيرة لمستوى المشاركة الكرديّة في الثورة، ولهذا أثره في مستوى تفاعل القوى السياسية المختلفة مع الحقوق الكرديّة، وقد كانت الأحزاب الكرديّة تواجه هذه الانتقادات في أثناء اجتماعات المعارضة بأثرٍ رجعيّ بحيث تكون الإجابة أن العرب أيضًا لم يشاركوا في انتفاضة عام 2004 الكرديّة، أي إن نظرتهم إلى هذه الثورة ليست فقط تصغيريّة، بل أيضًا باعتبارها عربية )
السؤال هنا : كيف الذي لا يمثل الأكراد أو لا ينتمي إليهم يســــــتطيع توجيههم أو منعهم من المشـــــــاركة … ؟! وينسى أو يتناسى أن المدن الكردية قد شاركت في كل فعاليات الثورة منذ اليوم الأول من حراك الشارع السوري وما زالت الذاكرة قريبة وهي تسعفنا بأن عامودا و قامشلو انخرطتا في الثورة قبل ستة أشهر بل أكثر من مدن سورية أخرى مثل حماة وحتى حمص ودير الزور والرقة وغيرها ….
وذلك لأن الكورد كانوا في حالة احتقان مسبق من النظام كونهم اكثر شرائح المجتمع السوري تضرراً من سياساته .
ومن ثم ينتقل إلى موضوعة مطالب الأكراد ويقول : ( أنّ الأكراد كلّما أخذوا شيئًا طالبوا في اللقاء التالي بالمزيد ) يأتي تساؤلنا عند هذه النقطة كالتالي : ما هو هذا الشيء الذي طالب به الأكراد وأخذوه وما هو المزيد ؟! إلى هذه اللحظة لم يقر الطرف العربي بوجود الشعب الكوردي ككيان سياسي على أرض الدولة السورية أصلاً ، فإذا لم أكن موجوداً فعلى ماذا يمكن أن أحصل ؟ و كيف حصلت على المزيد وأنا لا أملك شيئاً ؟
وبعيداً عن الخوض في التفاصيل الكثيرة وتجنباً للإطالة والاسترسال يمكن الإكتفاء ببعض الاشارات المهمة التي أوردها باروت والتي تعبر بشكل دقيق عن قوة الحقد التاريخي المتراكم من الموروث الثقافي العروبي الفاشي الذي لم يقبل بالآخر على مر عقود تاريخية ، موروث نشأ وترعرع في ظل انظمة طالما كانت وريثة حقبة استعمارية بغيضة حكمتها شريعة سايكس بيكو بكل ما حملته من تشويه لحقائق الجغرافية البشرية والسياسية يقول باروت :
وهذا التعبير الأخير بحدّ ذاته يمثل تجنيًّا، وتنازلاً تعسفيًا واعتباطيًا ومجانيًا من المجلس الوطني السوري نتيجة جهل بالحقائق والمعلومات والتاريخ، أو تجاهلها.
إذ كان النظام متسلطًا تسلطًا صِرفًا على الجميع، عربًا وأكرادًا، وعلى الحريّة عمومًا، بل إنّه كان أكثر ليونةً مع الأكراد منه مع تنظيمات العرب، أي أنّه لم يكن هناك قط أيّ شكل من أشكال السياسات «العنصرية»، ولم يكن توطين الخمسة والعشرين ألف فلاح مغمور، كأقصى تقدير لعددهم، يمثِّل سوى نسبة محدودة من المغمورين الذين أُسكِنوا فوق أراضٍ للدولة السورية وليس للأشخاص، ولم تهدم في المشروع قرية كرديّة معمورة واحدة.
ومن المفهوم أن تبحث الدولة عن أراض تعوّضهم بها.
إذاً كان «الحزام العربي» أسطورة أكثر منه حقيقة، واستثمِرَ لغايات سياسية أبعد منها …..) ونضيف له :(…..نتج من مجمل صيرورة نشوء المجتمعات الكردية المحلية السورية في بلاد الشام ……وتشكل مجتمع الجزيرة الكردي في الأساس خلال الأعوام 1925 – 1970 نتيجة الهجرات التي استوعبها المجتمع السوري ووطنها ….وتعرض المجتمع الكردي المحلي في الجزيرة لسياسات تمييزية ….لكن في سياق وضعية المحافظات الحدودية كافة مع اسرائيل وتركيا ….وهو يعني أنه لم تكن هناك قط من عنصرية طبقت بالفعل …..)
(……ما تم اختراعه باسم كردستان الغربية وأحياناً غرب كردستان ويسمح بتصور قيام إقليم كردي سوري …..بينما الاتصال البشري الكردي ….يمر بتداخلات عربية كثيفة فضلاً أن محافظة الجزيرة نفسها متعددة الإثنيات…)
(….
ففي دولة مثل سورية يشكِّل العرب أغلبيّـتها الساحقة، ليس هناك أيّ تعارض بين هوية سوريّة العربيّة القائمة على أساس الاندماج في دورة الثقافة والتاريخ وحقائق الجغرافيا، وبين تمتّع من هم من غير العرب كافّة بحقوق المواطنة الكاملة.
إنّ المواطنة الديمقراطيّة المؤسَّسيّة بمعناها العميق الذي يشمل الحقوق الثقافية الجماعية هي الطريق لحلّ ما يدعى بالمسألة الكرديّة السورية في إطار دولة عربيّة سورية واحدة موحَّدة يجد مواطنوها كافّة محلاً كاملاً لهم ولتطوّرهم الفاعل والخلاق…..)
(…..ونتيجة تكرار هذه القضايا بشكلٍ دائم بلسان الأحزاب الكردية وبعض قوى المعارضة السورية التي تجهل أو تتجاهل الحقائق التاريخية، نجد أن مراكز الأبحاث الغربية تأخذ بهذه الوقائع كأنها مُسلّمات ….)
هذا الفهم عموماً كما يؤكد هو ذاته لا يتفق مع مراكز الأبحاث الغربية المختصة التي تأخذ بواقع الحالة الكردية حقائق ومسلمات بحكم تاريخية القضية الكردية ومعاناة الشعب الكردي ،كما هو لا ينتمي إلى الحقائق العلمية للتاريخ والجغرافيا ، لأنه ينطلق من مبادئ خاصة لفهم عنصري خاص خرجت عن طور أن تكون أيديولوجيا بل تحولت إلى عقيدة وأيقونات غير قابلة للتحليل العلمي ، كونها خارج سياق منظومة قوانين ديالكتيك التطور التاريخي ، وهي مغلوطة بحيث لا يمكنها الانتماء إلى أية اعتبارات علمية لأنها باتت من المسلمات والحقائق الخاصة بالبيئة العروبية الفاشية ،وعندما نرى باروت يخلط بين مفهومي الدولة والوطن ، هذا لأنه ببساطة نشأ في ظروف سياسية غاب عنه الوطن عاش في دولة لم يطرح فيها مشروعا وطنياً يجمع مكونات هذه الدولة ويكون القاسم المشترك للمشروع الوطني ، مع كل الأنظمة التي تعاقبت على دست الحكم في سوريا وبأحزابها القومية والاسلامية والشيوعية ، ومع كل ذلك يعتبر سوريا الدولة بحدودها الجغرافية الحالية وطناً للعرب ولا يجد في هوية سوريا العربية تعارضاً مع حقائق الجغرافيا كما يقول ، لأنه حقيقة يجهل معنى الجغرافيا ومعنى الوطن ووفق فهمه هذا يعتبر الكورد مهاجرين طارئين على وطنه العربي هذا وعليهم ان يقبلوا بالحقوق الثقافية الجماعية كطريق لما يسمى بالمسألة الكردية حسب زعمه ، والأغرب في الموضوع أنه ذكر الأعوام 1925 – 1970 فترة الهجرات الكوردية ، ولا أدري لأي سبب ومن أين ولماذا جاء على ذكر عام 1970 فهو أراد إقحام هذا التاريخ ؟! إذ ليس لهذا التاريخ أي مدلول أو قيمة تاريخية ولا سياسية ولا اجتماعية ولا حتى قبل 1937 ، بل ربما على العكس من ذلك كانت بداية هجرة الشباب الكورد إلى بلدان أوربا الغربية قد بدأت من منتصف الستينات بسبب الظروف السياسية الصعبة والظروف المعيشية القاسية ، على أية حال فكل الأرقام لا معنى لها لديه ، لذلك ينسى المسافة الزمنية التي ولدت فيها سوريا الدولة ، ولا قيمة لديه للدول والامارات الكردية التي قامت على هذه الأرض بما فيها سوريا الحالية التي لا يزيد عمرها عن بضع عشرات من السنين رسمت حدودها وفق معاهدة استعمارية اسمها سايكس بيكو وألحقت جزءاً من غرب الوطن الكوردي كوردستان بهذه الدولة مع شعبها ، ونذكر بأن هناك العشرات بل المئات من الدول التي عاشت مئات السنين ومئات القرون وآلت إلى الزوال ولم نعد نذكر لها إسماً حتى ، وسوريا الدولة لن يهمنا أمرها كثيراً إلا بقدر ما نتمثل فيها أرضاً وشعباً ولن تكون وطناً إلا بقدر أن يتمثل فيها كيانات الأوطان التاريخية المنعزلة ، وما زلنا بصدد الأوطــــــان نذكر بأن مدينة ســـــــري كانييه المعربة إلى رأس العين ما زالت تحتفظ باســـــمها الكوردي الميتاني القديم ( واشو كاني ) والتي كانت عاصمة أسلافنا الميتانيين منذ أكثر من 3500 عاماً ، هل يستطيع باروت أو غيره أن يذكر لنا مدينة قديمة واحدة حتى من داخل سوريا يكون لها اسماً بجذور عربية ؟ بينما هناك العشرات المدن من السورية سميت بأسماء كوردية لأن قاطنو ومؤسسو هذه المدن هم من سموها بأسمائها.
……………………………………………………………..