من مآسي أحزاب غرب كردستان – 2

د.

محمود عباس 
 

   ماض مريض مؤلم
 
  شاركت الأحزاب الكردية مجبرة في عملية التغيير السكاني في غرب كردستان، صمتوا أمام بناء المستوطنات، وخلقوا النزاعات الفكرية حولها وحول الكيان الكردي الديموغرافي والإقتصادي في المنطقة، غيروا وشوهوا متطلبات الإنسان الكردي السياسية منذ نشوء الحزب إلى المراحل المتأخرة حاضراً، وعلى مدى عقود من الزمن لم يقووا على إثارة قضية الهجرتين الداخلية والخارجية في أي من المؤسسات الداخلية أو المحافل العالمية، 
ولم يتمكنوا من معالجة القضية، كانوا ولا يزالون في حقيقتهم أضعف من الضجة المثارة حولهم في الساحة الكردية، والتي يحيطون بها ذاتهم، لكنهم في كثيره أجبروا على القيام بأعمال هم دونها، وبحكم المساندة المشروطة نفذوا ما كان مخططاً، مما أدى إلى إلتهائهم بصراعاتهم الحزبية، وهذا نتيجة طبيعية  في ظل السلطة الشمولية، وعدى عن التغيير الديموغرافي رضخوا أيضاً للضغوطات الإقتصادية على مضض، فلم يقدموا دراسة عن الهجرة الذاتية لمجموعات من الكرد إلى ذات أخرى والتي أدت إلى ضياعهم مع قسم من جغرافية كردستانية.
استمرت عمليات التغيير الديمغرافي للمنطقة الكردية على مرأى من الجميع، وبنيت المستوطنات أمام صمت معظم الحركة الكردية، إلى حين ظهور التوازن الإثني في المنطقة وربما رجحان سلبي للنسبة الكردية، برروها بالظروف السياسية السيئة، واستبدادية السلطة الشمولية التي كانت مخترقة لجميع القوى، لكن الظروف تغيرت منذ بداية الثورة السورية، فظهرت موازيين أخرى، وبرزت قضية التوازن السكاني – القومي  بقوة أوسع، وبدأ الخلل يظهر في كفتي الميزان، فالهجرة الكردية تفاقمت إلى خارج جغرافية المنطقة ونسبتهم بلغت حداً كارثياً، وبالمقابل هجرة عربية معاكسة تملئ المنطقة التي تفرغ من ذاتها، فهي منطقة هادئة آمنة بالنسبة للداخل السوري، وكارثية بالنسبة لسكانها الأصليين، فمقارنتها بالماضي، تضاعفت المستوطنات التي بناها البعث، وهي مؤيدة للسلطة الأسدية بكليتها، ومدعومة من العنصر القومي، العاملة على ألغاء الصفة الديموغرافية –  الجغرافية الكردية عن المنطقة.
عمليات القضاء على الأغلبية الديمغرافية الكردية ضمن منطقته الجغرافية استمرت على مدى عقود من الزمن، والغاية المنظورة تجاوزت النسبة الإثنية والرجحان القومي، فقد كان تدمير الوجود الجغرافي التاريخي المثبت بأكثرية ديموغرافية زمنية غاية السلطة السورية الأسدية، وقبلها منظروا البعث، تناولوا العملية من كل اوجهها، فاقموا في الضغوطات الأمنية والاقتصادية لخلق هجرة جماعية أو نوعية، ولم يكن يهمهم إن كانت الهجرة داخلية أو خارجية، بل القضية موجهة لإنقاص ديمغرافية الكرد من المنطقة، رافقت العملية توطين العنصر العربي في المنطقة وبدراسة منظمة لخلق التوازن المطلوب، مع تكثيف الضغط الإقتصادي، ولا شك الخطط اثمرت بالنسبة للسلطة العنصرية العديد من الأهداف المرجوة، واليوم تعيش المنطقة الكردية صراعاً إثنياً  على المدن و الأرياف، والتوازن موجود، بل وكثيرا ما تكون القوى غير متناسقة وهي لصالح المستوطن العربي.
الهجرة بذاتها في الواقع الكردي السوري مؤلمة، فقد ضاعت مجموعات عديدة من السكان، على خلفية الهجرة من الذات القومية إلى ذات مقتبسة، وحدث النسيان المطلق لديمغرافية لا يستهان بها من الكلية الكردية، ومعهم تكاد أن تمحى قسم واسع من الجغرافية الكردستانية، بزوالهم من الكلية الكردية ضمن المدن الكبرى السورية ، مثلما حدثت لمنطقة جبل الكرد والتي لم تعد  تعرف ذاتها إلا إنتماءً شكلياً، فقسم خيم عليهم النسيان والإنتماء بكليته، وهذه من الهجرات المدمرة ذاتا وموضوعاً، يهجرون القومية والإنتماء الوطني و يأخذون معهم جغرافيتهم نحو الإنتماء العربي على الأغلب في الواقع السوري.
 يتبع …
.د.

محمود عباس
 الولايات المتحدة الأميري كية 
 mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…