الكورد السوريون ..بين الاستقواء بهم والمساومة عليهم

م.

رشيد  

 28-05 -2013 

    بعد هبوب رياح التغيير، واندلاع ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة الشمولية القائمة على الفساد والاستبداد ومنها النظام السوري، فقد طفت على السطح أهمية القضية الكوردية فيها، وأخذت أبعاداً أقليمية ودولية، وفرضت على طاولة صناع القرار في العالم، وأصبحت بادية للعيان المساومات والصفقات التي كانت ومازالت تحصل بشأنها بين الاطراف المتنازعة، لأنها فعلاً الورقة الرابحة بل الراجحة في المعادلات المحلية والاقليمية حاضراً ومستقبلاً.

     

     تأتي أهميتها من كونها قضية كتلة بشرية مميزة بخصوصيتها القومية، ومنظمة سياسيا، ومعتبرة حجماً وثقلاً، تعيش على أرضها التاريخية، ممتدة تواجدها في سائر البلاد، ومؤثرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..، ثم أنها جزء من قضية أكبر وأعم (قضية الشعب الكوردي في أجزائه الأربعة) التي برزت أهميتها وخطورتها دولياً، والتي تستدعي الحل العاجل على انها قضية قومية ووطنية وانسانية( قضية العصر)، وتزيد من أهميتها موقعها الاستراتيجي على الخارطة الجيوسياسية.

    

  هذه العوامل وغيرها جعلتها محط اهتمام مختلف أطراف الصراع على سوريا، والتي تحاول استمالة الكورد إلى جانبهم واسغلالهم لصالح أجنداتهم وأهدافهم، فالنظام يسعى منذ بداية الأحداث تحييدهم وعدم انخراطهم  في الثورة، ونأي مناطقهم من المواجهات العسكرية، وإبقائها آمنة مستقرة لغايات وأهداف تتعلق بمستقبل سوريا.


    أما المعارضة بمختلف أطرها تحاول استقطاب الكورد لاكتساب الشرعية، وجعلهم حواضن ومعابر لخلاياها المسلحة، وغطاء لضرب مرتكزات النظام ورموزه.


    أما الدول الاقليمية وبخاصة المقتسمة لكوردستان، فتحاول احتضانهم واحتواءهم على أقل تقدير، ودعمهم وتسليحهم وبالتالي تجنيدهم من أجل اجهاض حراكهم ونسف مقوماتهم وعزلهم عن مراكز القوى والتأثير في العالم ومنعهم من نيل حقوقهم.

 
    فالجميع يشتركون في الهدف وهو تفريق الكورد وجرّهم إلى صراعات طائفية وقومية ودينية..، وابعادهم عن قضاياهم الأساسية، والهائهم بمعارك جانبية، وذلك لاضعافهم واخراجهم من الحسابات، وابقائهم مضطهدين مجردين من أي  كيان وارادة وحرية..


    وفي الأخير يأتي دور الدول العظمي أصحاب النفوذ فتلعب هي أيضاً بالورقة الكوردية لتحقق التوازنات على الأرض  بين الأطراف المتناحرة من منطلق تحقيق الاستقرار والأمان في المنطقة لكي تحمي مصالحها الاقتصادية والأمنية فيها.

 
   تمارس معظم الجهات أساليب التهديد حينا والترغيب حينا آخر، وتطلق الوعود وتمارس الضغوط على المكون الكوردي كل حسب موقعها وموقفها، وتحاول تشتيت صفوفه وسرقة أرتاله وضمها إلى أطرها وائتلافاتها لتجميل صورتها وتأمين الشرعية لها، وبالتالي تسويق نفسها وبرامجها دولياً ، وتنفيذ أجنداتها على حساب قضايا الكورد وحقوقهم العادلة والمشروعة.

 
    لعل القوى الشوفينة المعادية للكورد وتطلعاتهم هي الأكثر تحمساً واصراراً على تفتيت البيت الكوردي وبث الخلافات والتناقضات فيه، وكيل الاتهامات لهم، وذلك لكسر ارادتهم واضعاف قوتهم الكائنة في وحدتهم، واخضاعهم لمشيئتها ومنعهم من اثبات حضورهم في الميادين بشكل فاعل وحقيقي حتى لا يتمكنوا من بلوغ أهدافهم وتحقيق طموحاتهم المتمثلة  في العيش بسلام وأمان وحرية على أرضهم (ضمن اطارسورية الموحدة، يحكمها نظام ديمقرطي تعددي برلماني يؤمن العدل والمساواة في الحقوق والواجبات  لكل المكونات بمختلف قومياتها وأديانها ومذاهبها) والتي تتلخص حالياً بالاعتراف الدستوري بالكورد كمكون رئيسي في الوطن، وبحقوقهم وبخصوصيتهم القومية وفق ما تقره العهود والمواثيق الدولية، والغاء كافة المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية المطبقة بحقهم وفي مناطقهم، وإزالة جميع آثارها والتعويض للمتضررين نتيجة لتطبيقها.

 
    لهذا على  الكورد أخذ الحيطة من المؤامرات والمكائد التي تنصب لهم، والتحلي باليقظة والحكمة في التعامل مع الأحداث والمبادرات المطروحة، وفي اتخاذ المواقف واحتلال المواقع استناداً على التجارب السابقة مع النظام والمعارضة، حيث لم يبد أحداً التزاماً جدياً  واضحا ً وصريحاً بمطاليب الكورد من المعارضة الداخلية والخارجية ومن النظام أيضاً، بل يحاولون دائماً التهرب منها، والسعي فقط لكسب الكورد واستخدامهم وقوداً في معاركهم التناحرية ذات الصبغة الطائفية – السلطوية،  لذلك كان وحدة الصف والخطاب  الكورديين خيار لا بديل عنه، وبذات الوقت ضرورة وحاجة  نضالية لا غنى عنها لا سيما في المرحلة التاريخية المفصلية الراهنة.

 
    وعلى الصعيد العملي كان تأسيس المجلس الوطني الكوردي في سوريا، ومن ثم تشكيل الهيئة الكوردية العليا خطوة استراتيجية صحيحة وهامة لتثبيت الرؤية والارادة  الكورديتين على الساحات المحلية والاقليمية والدولية، ولمنع هدر الطاقات والامكانات والحد من الانزلاقات والانحرافات لصالح هذه الجهة أو تلك دون ضمانات وعهود ، والاعتبار للكورد كمكون أساسي من النسيج الوطني والتاريخي لسوريا، الاعتراف بهم كشركاء حقيقيين في الوطن.

 
    فبالرغم من وجود المجلسين الكورديين تحت سقف الهيئة الكوردية العليا، والتي تعتبر الممثل الشرعي الأكبر للكورد في سوريا، مازالت هناك شخصيات واحزاب وتنسيقيات كوردية تغرد خارج السرب الكوردي، وبسبب الأنانيات الحزبية والمصالح الشخصية والتوجهات الخارجية والخصومات التراكمية والاصطفافات وفق المحاور الكوردستانية والاقليمية تجدها موزعة على هيئات وتكتلات مختلفة، سعياً منها لاثبات وجودها وانتزاع شرعيتها وتأمين مصادر لدعمها.

 
     إلا أن القضية التي تأسست وتبلورت بخصائصها وثبوتياتها رداً على الاضطهاد والظلم والقمع المطبق بحق الشعب الكوردي ومناطقه، اكبر واسمى من كل الغايات والمصالح الشخصية والحزبية، وهذا ما يتطلب من الجميع المنضوين تحت الأطر غير الكوردية، الانسحاب منها، وبخاصة تلك التي لا تعترف بحقوق الكورد ولا تثبتها في برامجها ومواثيقها، والعودة إلى الحاضنة الكوردية الأوسع والأشمل (الهيئة الكوردية العليا) والالتزام بمقرراتها، والمساهمة في تقويتها و تفعيل دورها لتكون ممثلاً شرعياً وحيداً للكورد يعبر عن إرادتهم وطموحاتهم في جميع المحافل والمؤتمرات وبخاصة مؤتمر جنيف 2 (الذي يسعى لعقده كل من روسيا وأمريكا وأوربا لايجاد حل سياسي للأزمة السورية ووضع خارطة طريق لبناء سوريا جديدة،  ووضع الملامح الرئيسية لها، لاعادة الاستقرار والاعمارإلى ربوعها بعد وقف القتل والتدمير وسفك الدماء)، الذي يعتبر محطة هامة ومفصلية في تاريخ سوريا، لذلك ينبغي حضور الكورد فيه موحدين صفاً وخطاباً (ككتلة كوردية موحدة ومستقلة) ، متجاوزين خلافاتهم وتناقضاتهم لأجل المشاركة الحقيقية والفعلية في جلساته والمساهمة الجدية في أعماله وصياغة قراراته.

 

————–  انتهت   ————–

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…