ربيع الثورات العربي.. والشأن الكوردي.!

دهام حسن

بداية ينبغي أن نعبر عن إيماننا بدوام التغيير والتحول على الصعيد الاجتماعي والسياسي، وأن كل شيء لا يبقى على حال واحدة فهو في تحول دائم وصيرورة، وأن النهضة الفكرية والتقدم العلمي والتكنولوجيا تساعد وتسارع في عملية التحول هذه، وأن أي تغيير أو تحول لا يأتي عرضا أو مصادفة بل هو نتيجة مخاض عسير هذا ما ينبئ به الواقع العربي اليوم في ربيع الثورات، فالثورات لم تأت مصادفة، بل هي القوى المحركة للتاريخ، هي قاطرة التاريخ كما يقول ماركس، لابد أن يسبقها أو يرافقها وعي اجتماعي سياسي يتشكل، أو فلنقل وعي ثوري عام يفضي في النهاية إلى ميلاد طبقة ثورية تقوم وتقود الثورة،
 فعندما يتمادى النظام أي نظام في سياسة القمع والتنكيل ضد الشعب لعقود، ويقود ضدهم ثورة عادة توسم بالثورة المضادة، عندها يكون للشعب كامل الحق أن يرد على ذلك بالثورة المتطلعة أبدا للتغيير والتحول والديمقراطية وبالنتيجة تنفتح طريق التطور التقدمي للجميع..

سبق أن جرى ما نشهده اليوم من ثورات الربيع العربي في أوربا فتحقق ما شهدناه ونشهده اليوم على الصعيد الأوربي من تقدم اجتماعي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وهذا لم يتحقق إلا بعد أن التهبت الساحة الأوربية بالثورات في بريطانيا نشبت ثورة في عام 1774، وفي الولايات المتحدة عام1776 في فرنسا عام 1789ثم كانت ثورة 1848 التي غطت سائر أصقاع أوربا الغربية ثم جاء الختام بكومونة باريس في عام 1871لتنتقل الثورات بعد ذلكأي في القرن العشرين إلى روسيافي ثورة 1905-1907البرجوازية واعتبرت تلك الثورة مقدمة لثورة أكتوبر1917 ثم كانت الثورة في الصين فأيران وهكذا..

هذا ما يؤكد مقولة ماركس من أن الثورات محل ولادتها في كل مكان كما تبين التجارب، فالثورات في أوربا انتهت بالقضاء على عهود الإقطاع وإنهاء السيادة الروحية للكنيسة لتتسيد الأنظمة البرجوازية وكانت هذه خطوة جبارة في طريق التقدم الاجتماعي، لهذا لا يمكن لنا أن ننفي هذا المآل من التحول في ثورات الربيع العربي في مطالع القرن الحادي والعشرين ونعتبرها شيئا عارضا.؟ فعندما تنتفي إرادة الإصلاح الحقيقي والجدي فلا بديل عنها غير الثورات..
إذا انتقلنا إلى الواقع الكوردي واستعرضنا الحالة السياسية عند شعبنا وبدأنا بواقع الأحزاب أولا- سوف يصدمك الواقع الحزبي بمرارة المشهد لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، فقد انبثقت سائر الأحزاب من واقع مجتمعي عشائري متخلف مع افتقارها لكوادر جديرة تنقصها كفاءة ووعي فضلا عن بعدها عن الثقافة الضرورية في هكذا حالات، ومما زاد الطين بلة انشطار تلك الأحزاب وتشرذمها في فصائل ومجموعات حزبية ضيقة، لم ترق تلك الأحزاب إلى مستوى التعامل مع الأحزاب غير الكوردية ونقل قضية شعبهم من حيزه الكوردي الضيق إلى الواقع السوري الفسيح وبالتالي توثيق العلاقات مع الجماعات العربية والمسيحية في سائر مناطق سوريا باعتبار القضية الكوردية قضية وطنية، رغم أن محاولات كهذه جرت لكنها جاءت متأخرة وخجولة كان المفاوض الكوردي فيها ضعيفا وغير جدير بالمهمة فلم يحسن التعامل مع الطرف المحاور..
جاء توالد الأحزاب بعدد كبير ومريب ودارت حول بعضها الشبهات والاختراق الأمني وفرض أحزاب مشبوهة على الساحة الكوردية لا أحد بقادر نفي هذه التهمة وجاءت استجابة غالبية الأحزاب بل قل رضوخها ثم ترحيبها بهذا التواجد والتوالد المشبوه والتلاقي بها في مكون متورم باسم المجلس الوطني الكوردي لتتخذها دريئة عند اللزوم وجواز سفر عند المرور، فأي حزب في المجلس إذا ما أراد التنصل من أي استحقاق يتذرع بأن هذا التوجه أو ذاك لم يحظ بمواقفة أحزاب المجلس مجتمعة فهنا يصبح من السهل التهرب والتنصل من أي تطلب نضالي..
حكومة الإقليم في العراق لم تتعامل مع الواقع الكوردي السوري بعقلانية بل غلب عليه الجانب العاطفي واستغلت بعض الأحزاب الحليفة المحسوبة على الحزبين  الرئيسيين البارتي الديمقراطي والاتحاد العراقيين هذا الجانب فما زالت بعض الأحزاب المحلية تعود بنسبها إلى ذينك الحزبين وبعد هذا فلا يهمهم هذا التشتت والتشرذم طالما ولي الأمر يربت على كتفه كعلامة الرضا وينعم عليه (فلا شأن لي بالآخرين)..كنا نتمنى أن يكون تعامل الأشقاء الأجلاء العراقيين مع الواقع السياسي الكوردي نابع من التعامل بعقلية الحكيم لا بعاطفة الشقيق، وألا يستقبل من هم دون مستوى حزب وإن تم اللقاء يكون بغرض الاستئناس برأيهم ليس إلا، لأن أول من يسيء لتلك العلاقة هي الأحزاب السورية، ونتمنى من هؤلاء الأشقاء أن ينصحوا بل فلنقل أن ينهروا المخالف لا أن يربتوا على كتفه ويسترضوه، وأن لا تأخذهم نشوة هذا التلاقي وهذا التراكم الكمي والعددي بين فصائل الحركة لرعاية هذا المكون المسمى بـ(المجلس الوطني الكوري) من أحزاب عديدة أقول هذه (الكركبة) لم تعط الكورد أي قوة ولا أية منعة فهو لا يتعدى كونه جمع أصفار ليس إلا لأن هذا الجمع يتم بين الأضداد وبالتالي يتم طمس دينامية المتناقضات لتؤول إلى الخمول والخمود..

فليس من الحكمة أن نقول :قد تآخينا هلالا وصليبا بل نقول الثائر أخو الثائر..!
نحن لا نشكّ في النوايا الصادقة من الأخوة في الإقليم، لكننا نعلم جيدا أن بعض هؤلاء هنا عندنا لا يتورعون في تزوير الحقائق وتحريف ما يحملونه من الإقليم بغية قلب الحقائق والإساءة إلى القيادة التاريخية..


لفيف من الكتاب والمثقفين أبدوا رغبتهم للذهاب إلى الإقليم ونقل الواقع والرؤية بموضوعية وما يرونه من معالجة لكن المساعي جميعها لم تثمر رغم جهود البعض مخلصين بذلوا ما أمكنهم من جهد لكي تتم هذه الزيارة لكن جميع هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح..
من الإرث الثقيل على الواقع السياسي الكوردي تجلى في الفكر القومي العربي الذي اصطبغ بطابع عنصري أرخى بسدوله على الواقع الاجتماعي والسياسي حتى اليسار العربي عموما لم يفلت من هذا الإسار فقد ظلّ أسير العقلية القومية ولم يستطع التحرر من تلك العقلية في معالجاته الفكرية رغم ارتدائه ثوب اليسار، أما الفكر الديمقراطي الحر فلم يتغلغل في التربة العربية، ولا دروس من الواقع العربي يمكن استلهامها والاستفادة منها..


من جانب آخر..

لم يول أي حزب الاهتمام الكافي بالجانب الفكري الثقافي فولدت تلك الأحزاب ضعيفة مهيضة الجناح واستمرت في هذا الضعف، ومن المعلوم أن العقل لا يستطيع أن ينتج فكرا إذا لم يجد غذاءه الكافي من المعرفة في الحقول الثقافية العديدة والمتنوعة، أيضا ينبغي التخلص من العقل المذعن لإيماءة المسؤول ونثني هنا على العقل المتسائل الباحث في حقول المعرفة، بالتالي فعلى المثقف أن ينصرف قليلا عن النضال السياسي المباشر ويركز على النضال الفكري بعيدا عن هذا الشكل التقليدي من العمل السياسي اليومي..


ما العمل ترى؟..

العمل يكون أو فلنقل المعالجة لا تكون ولا تتم وتنجز إلا على أيدي العناصر المخلصة والكفاءات الثقافية صاحبة الرؤية النقدية والقراءة السليمة للواقع الحزبي والسياسي، يمكن الاستفادة من تجربة “يكيتي” لا نسخها في تداول منصب السكرتير الأول، لكن قبل أي معالجة لابد من الانتهاء من هذا التوالد الحزبي غير الشرعي، لنشهد حالات من الضم والتلاقي، على الأصدقاء بداية أن ينصحوا ويعملوا بالتالي لعملية الضم للأحزاب المتقاربة والمتشابهة وكفي هذا التشتت والتشرذم، أنا أتعاطف مع الاتحاد السياسي وأنصح بالتنسيق فيما بين الأفرقاء لا التسارع إلى الدمج والضم ليأتي خطوة الضم فيما بعد….

ويسعدني في آخر المقال أن أنشد للأخوة المتابعين هذا المقطع أو هذه الوصلة من نص شعري لي ناقد وساخر بعنوان “صحوة الخمرة” مع الأسف والاعتذار من هذا الانحدار..
ساسة الكورد أيا أولي الأمــرْ
سوف أزجي ما ببالي قد خطرْ
عن رجال همّهم سوق البشرْ
ليتهم ساقوا قطيعا من بقـرْ
مزقوا الإرث إلى (بضع عشرْ)
حملتهم للعلا كفّ القدرْ
فثوى البوم على هام الشجرْ
فإذا هشّ له وجه القدرْ
جاءه ظرف بكم معتبرْ
(كلكٌ) جاء به عبر النهرْ
فانحنى الهام احتراما للدّلرْ
كلّ حزب برياء يدثرْ
فتراه بين مد وجزرْ
يستوي حينا وحينا ينحسرْ
عجبي من نفـر دون أثرْ
لم يرد في ذكرهم غير الصفرْ
فإذا سيدهم زورا نبـرْ
خدم عنده زيد وعمـر
صفقوا بالعشر ما أحلى الدررْ
فهو تيمور وهم جند التترْ
سقط الدن حياء وانكسرْ

==============

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…