قرون الكرد الوسطى.. عن أحداث شيخان

جان دوست
أن يقوم مير محمد رواندوزي أو من اشتهر باسم ميره كوره في التاريخ الكردي القريب, بإبادة أبناء الديانة الإيزيدية أمر مفهوم في سياقه حيث التعصب الأعمى الذي كان قد تجذر لدى المسلمين الكرد  بتشجيع من الملالي المدعومين من قبل السلطات العثمانية و هو و إن كان مفهوماً كما أسلفنا مدان كذلك.
فقد قام ذلك الأمير الظالم بإعدام كبير الإيزيدية و هو علي بك في الوادي الذي ما يزال يحمل اسم شهيد الإيزيدية ذاك و كانت الفتوى قد صدرت من ملا يحيى المزوري و هو من أكابر علماء عصره بهدر دم علي بك و باعتقادي لم يكن ذلك الأمير بحاجة لفتوى المزوري التي كانت تحصيل حاصل بل إن ما قام به كان من قبيل حرب الوكالة عن العثمانيين الذين استهلكتهم حروبهم ضد أعدائهم الكبار.

أقول ذلك لا لأبرر الجرائم و المذابح التي ارتكبها ذلك الباشا استناداً إلى مرجعية إسلامية أسسها الملالي المتعصبون من الكرد المسلمين , لكن لأقول إننا نفهم ذلك كحدث وقع في زمن معين و لا يجوز لنا قراءته بأعين معاصرة.

و ليكن في علمنا أن ظلم ذلك الباشا شمل الكرد الداسنيين و المسلمين على حد سواء و كان همه توسيع رقعة إمارته التي لم تتوسع إلا بعد أن ضيق الآفاق أمام آلاف الأبرياء من أبناء شعبه الكرد.

اليوم و بعد أن تقدم الكرد خطوات إلى الأمام و صارت لهم “حكومة جامعة” تحكم بأمر القانون, يتكرر الحدث بغطاء اجتماعي صرف.

فالقصة المعروفة للجميع أن فتاة هربت أو خطفها شباب “و هذا أمر عادي في المجتمعات الكردية و الشرقية عموماً” ثم التجأوا إلى مكان ظنوه أميناً يحمي حبهم أو جنايتهم   و ربما ترسخ في لاوعي أولئك الرهط من الشباب أن الماضي هو ماض و أن التاريخ لا يعيد نفسه و أنهم يعيشون في ظل “حكومة كردية مسؤولة عن دماء الناس” و أن الأمر لا يعدو كونه عملية خطف على خلفية  قصة حب مما يتكرر كثيراً.

فوجئنا جميعاُ بأن الحدث أخذ أبعاداً طائفية و بدا و كأن الأمر صراع بين الكرد السلمين و بين الكرد الإيزيديين و المؤسف في الموضوع  أن الملالي المعتصبين و الأميين الجهلة قد استنفروا قواهم الظلامية  للدفاع عن “الشرف الكردي المسلم المثلوم” .

كان الأمر سيكون عادياً جداً و طبعاً في سياقه الاجتماعي المستند إلى الأعراف و التقاليد و ليس إلى القانون و العقل المنفتح كان سيبدو عادياً لو أن أهل الفتاة ذهبوا و قتلوا الفتاة و الشباب الخاطفين و غسلوا عارهم و استعادوا “شرفهم المهدور” وعادوا إلى بيوتهم “سالمين غانمين”.

اما أن يتم تجييش الرعاع و الغوغاء باسم الدين الإسلامي و تهاجم دور العبادة و ممتلكات الإيزيديين و مؤسساتهم و منزل زعيمهم الروحي فهذا كله دليل على انحطاط وغوغائية لا بد من البحث في جذورها لاقتلاعها و تأسيس مجتمع مدني مبني على القانون و ليس على النعرات الدينية و المذهبية و العشائرية.

إن الحكومة الإقليمية مسؤولة لا عن إطفاء نيران الفتنة فحسب, بل هي مدعوة لإفناء المواد القابلة للاشتعال في المجتمع الكردستاني و ترسيخ قيم السلم و الديمقراطية و التسامح و احترام الغير و مبادئ الغير و معتقداته  بل و تطوير المناهج الدراسية و تحديثها سواء في المدارس الرسمية أو الحجرات الدينية الإسلامية “و التي هي الحاضنة الدافئة لبيضة التطرف” و تغيير النظرة الدينية المتعصبة إلى الديانة الإيزيدية و أبنائها الذين هم العلامة الفارقة في المجتمع الكردي.

إن التعصب الإسلامي الأعمى قد أوصل العرب  إلى حافة “الإرهاب” بما يحويه الإسلام  بذاته و ليس بتأويلاته من مفاهيم تحرض على العنف و تلغي الآخر و تجعل من القتل حلاً لكثير من المشاكل و منها الزنا و اللواط  و اعتناق دين آخر  إلخ…….و الإسلام بذاته “و بالرغم من قيم التسامح الموجودة فيه” يحتضن كثيراً من مبادئ استعمال العنف و تبريره ضد الآخر و يعتبر نفسه محتكر الحقيقة المطلقة مما يدفع بالأصوليين كرداً وعرباً و أفغان إلى نصب أنفسهم سدنة لتلك الحقيقة الغائبة.

 

لنعترف الآن قبل الغد أن مجتمعنا الكردي ليس بمنأى عن الانفجار, ففيه من البارود ما فيه, و دلت الأحداث الأخيرة في الشيخان على أن المجتمع ما زال غائصاً في وحول القرون الوسطى و أنه مهيأ للشحن الديني الخطير سواء من داخل هذا المجتمع أو من خارجه من قبل المستفيدين من خلخلة الوضع الأمني و الاجتماعي المستقر و المتربصين شراً بالتجربة الكردية.

و على حكومة الإقليم تدارك هذا الأمر و أخذ عبرة منه و السعي الحثيث إلى عدم تكراره.

و في الضفة الأخرى مطلوب من المثقف الإيزيدي أن يبدأ بتنوير أبناء دينه و إخراجهم من الحلقة الضيقة و إبعادهم عن دائرة الأصولية التي تلتقي من حيث المنهج مع الأصولية الإسلامية المتطرفة.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ/تطوان باقة ورد مهداة من بساتين تطوان ، إلى عراقية كردية ملهمة كل فنان ، مُلحِّناً ما يطرب على نهج زرياب قلب كل مخلص لتخليص ما يترقب تخليصه من تطاول أي شيطان ، على أرض الخير العميم وزرع نَضِر على الدوام وجنس لطيف من أشرف حسان ، بنظرة حلال تداوى أرواحا من داء وحدة كل عاشق للحياة العائلية المتماسكة…

خالد حسو لم تُكتب الحقوق يومًا على أوراق الهبات، ولا وُزّعت بعدلٍ على موائد الأقوياء. الحقوقُ لا تُوهب، بل تُنتزع. تُنتزع بالصوت، بالكلمة، بالفعل، وبالإيمان الذي لا يلين. نحنُ الكُرد، أبناء الجبال والريح، لم نكن يومًا طارئين على هذه الأرض، ولا عابرين في ليلِ الخرائط. نحن الأصل، نحن الجذر، نحن الذين إذا تحدّثوا عن النكبات كان لحنُها لغتنا،…

صلاح عمر   في كل مرة تلوح فيها تباشير الأمل في أفق القضية الكردية في كردستانسوريا، تظهر إلى العلن أصوات مأزومة، تأبى إلا أن تُعيدنا إلى الوراء، أصوات لا تُتقن سوى صناعة الضجيج في وجه أي محاولة صادقة للمّ شمل البيت الكردي الممزق. الحقد، يا سادة، ليس موقفًا سياسيًا، بل مرض نفسي. الحقود هو إنسان معتقل من الداخل، سجين قفصه…

اكرم حسين في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ، يقضي برفع…