زمن صالح مُسلم…

حسين جلبي

التهم التي يقول صالح مُسلم أنها موجهة لحزب آزادي (التعاون مع أعداء الشعب الكُردي و إراقة الدماء الكُردية) هي تهم خطيرة جداً، فهي تُعتبر في الدول التي تحترم نفسها، أي تحترم دستورها و قوانينها و مواطنيها، من أخطر الجنايات، لذلك لا تتهاون في ملاحقة مُرتكبيها و جلبهم أمام العدالة و من ثم إيقاع أشد العقوبات عليهم، أما في حالات الفوضى و غياب القانون و ضعف السلطة، فإن هذه التهُم التي يطلقها طرف بحق آخر تُعتبر تحريضاً صريحاً على القتل، و يُعتبر من أطلقها بهذا المعنى مسؤولاً أو شريكاً في الأذى الذي يلحق بالضحايا.
 و لأنني لا أرغب في الدخول في توصيف الوضع في المناطق الكُردية في سوريا إلا أنني أقول أنني لم أطلع حقيقةً و حتى اللحظة على القانون الذي ينص على إنشاء (محكمة الشعب) و الذي ينظم عملها، و كذلك على الأصول و الإجراءات المتبعة أمامها، كما لم أطلع في (المكتبة القانونية العالمية) على قانون العقوبات الذي شرعهُ (بحر العلوم صالح مسلم) و يعمل بموجبه، و الذي من المُفترض أن يتضمن نصوصاً قانونية بالتهم أعلاه لكي يتجنب المواطنون إرتكابها، كما لم أسمع بأسم المواطن الذي تقدم ببلاغ ضد حزب آزادي، و لا بأسم قاضي التحقيق الذي أجرى تحقيقاته في الموضوع، و لا بإسم السيد وكيل النيابة الذي حرك الدعوى العامة ضد آزادي، و أجزم بأنهُ لا يوجد شخص حاصل على شهادة القانون،  يجرؤ أو يتنازل، في أن يكون جزءاً من هذه المحكمة،  قاضياً أو مُحامياً، لذلك أعتبر كلام صالح مسلم أعلاه، و بالمُحصلة، تحريضاً على القتل و قراراً قطعياً بالتصفية ضد كل من يختلف مع جماعته و منهم أعضاء حزب آزادي.

لكن يُمكن و رداً على قول صالح مسلم أن هناك دعوى قضائية أمام ما أسماها (محكمة الشعب) بحق حزب آزادي بالتهم المذكورة أعلاه، و لكون المحكمة المذكورة لا وجود لها لا في دستورٍ أو قانون، إذ ليس هناك قانون مكتوب يمكن أن يلجأ إليه الناس في المناطق الكُردية ينص على تلك التهم، يُمكن و رداً على الإتهامات الموجهة إليه، أن ينشأ حزب آزادي بدوره (محكمة شعب) خاصة به، و يوجه و عملاً بمبدأ المُعاملة بالمثل، التهم ذاتها و ربما أكثر منها إلى صالح مسلم و حزب الإتحاد الديمقراطي، و هو لن يعدم الأدلة، كما يُمكن لكل حزب أو شبه حزب و كل مواطن كُردي، و عملاً بمبدأ المساواة في الحقوق و الواجبات، إفتتاح (دكاكين شعب) خاصة بهم، و توجيه مثل هذه التهم إلى الأحزاب و المواطنين الكُرد الآخرين، فالمنطقة تشهد عصر التشريع الذهبي و التحرير العقلي الذي أحد أهم شعاراتهُ: لكل مواطن محكمة، و لكل مواطن تهمة، و كل حزب محكمة دستورية، و كل رئيس حزب مُشرع، و كل مواطن قاضي، و ما حدا على راسه ريشة، و ما حدا أحسن من حدا.
إنهُ زمن صالح مُسلم بإمتياز، إنهُ زمنهُ الثوري من الألف إلى الياء، فهو في اللحظة ذاتها نجم الموقف و عكسهُ، حبيب النظام و صديق المُعارضة، يقتل جنود النظام و يهزمهم في إعلامه و في اللحظة التالية يتبادل معهم أنخاب الشراكة على الأرض، يقتل جنود المُعارضة و في اللحظة التالية يقول بأنهُ يُقاتل معها، يُطالب بإسقاط النظام و يقتل من يتظاهر لأجل ذلك، يقتل الكُرد و يحميهم، يخطف الكُرد و يعفو عنهم، عدو النظام و يطير من مطاراتهُ، عدو المُعارضة و يحضر مؤتمراتها، إحدى يديه تُصافح أحدهم من تحت الطاولة و الأخرى تُصافح خصمهُ من فوقها، هو في الليل غيرهُ في النهار، أمام الستارة غير ما خلفها، أمام الناس غير من هو خلف ظهورهم، و يظنُ في كل هذه المُغامرة المُتعرجة بأن لا أحد يراه و يدون لهُ و لا أحد يتذكر، يشتري من الآخرين أكرادهُ مُقابل بيعهم عضلاتهُ، نقطة قوتهُ الوحيدة إضافةً إلى عضلاتهُ هي أنهُ لا يريد شيئاً لقومه، لا شئ سوى منحهُ صك ملكية بهم، و مع ذلك يجرؤ هو و دون غيرهِ على إخراج التهم، و التي من المفترض أن توجه لهُ، من أكمامه، و يلقيها عصا موسى في وجوه الآخرين لتبتلع ألسنتهم، فتظهر للجمهور و كأنها حباتُ مُلبس، يمضغونها، و يستمرون في الصمت.
حسين جلبي
jelebi@hotmail.de
فيسبوك
https://www.facebook.com/notes/hussein-jelebi/%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D9%85%D9%8F%D8%B3%D9%84%D9%85/614176731927034

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان تأجيل المُنتُظر لا يجُوز، ومِن المُنتَظر التأجيل بالواقع ممزوج، بالتمعن في الجملتين نصل لمدخل معرفة دول تائهة كتلك البلهاء لا تفكر إلا أن يحتَلَّها زوج وإن قارب أعمال يأجوج ومأجوج ، و تلك العالمة لما تقدِّمُه من معقول لكل مَخْرَج لها معه نِعْمَ مَخْرُوج ، المكشوفة رغم تستُّرها وراء سَدٍّ يقِي وجودها دون تقدير إن تردَّ…

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…