«المعارضات» المتهافتة عندما تغدر بالثورة

صلاح بدرالدين

الثورة السورية سبقت ” المعارضات ” وفاجأتها وأحرجتها وأجبرتها على الانتقال من حالات الذهول بقيامها والتشكيك في وجودها وشعاراتها وأهدافها واتهامها بكل مافي قواميس اللغة من نعوت ثم مزاحمة قياداتها الشابة وعرقلة مدها الكاسح في الشارع الوطني والجنوح نحو الالتفاف عليها تسلطا وتسللا وأخيرا الغدر بها ومحاولة بيعها بأبخث الأثمان .

الثورة السورية وليست ” المعارضات ” هي من غيرت موازين القوى على الأرض وأجبرت العدو على التنازل ودفعت بالمجتمع الدولي الى التعامل معها ورؤية الواقع السوري : نظام متهالك قيد السقوط وثورة شعبية فريدة من نوعها في تصاعد .
الثورة بتضحياتها الجسام وصمودها الرائع وتمسكها بالثوابت (اسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه وتفكيك سلطته واعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية) هي وحدها  من يحق لها وليست ” المعارضات ”  تقرير مصيرها في مسائل الحرب والسلام والتفاوض والمواجهة .
    الثورة تنطلق من حقائق الميدان وتستمد العزيمة من دماء الشهداء وآهات الجرحى والمعاقين وصمود المعتقلين ومعاناة النازحين والمشردين ومن ارادة الملايين ومن الواقع المستجد في المشهد السوري منذ أكثر من عامين وحتى الآن وهي من تملي على العالم رغبات شعبها وطموحاته المشروعة وليس العكس هي من تحدد شروط اللعبة الدبلوماسية على ضوء متطلبات الارادة الوطنية وتراعى مصالح الآخرين ان شاءت ولاتلتحق بركب الأخرين ولا تقدم تضحياتها على طبق من ذهب في خدمة مصالحهم : قوى عظمى كانت أو أطرافا اقليميين أو (من لمن لم تتلوث أياديهم !!) في دمشق  .
 الثورة هي المؤتمنة  وليست ” المعارضات ” على ارادة وأهداف وتطلعات السوريين وهي المنوطة بالدعوة الى لقاءات واجتماعات ومشاورات أنصارها ومؤيديها داخل الوطن وخارجه اذا دعت الحاجة الى ذلك واذا اقتضت مصالح الشعب والقضية من أجل المزيد من التعبئة ضد الاستبداد وحشد القوى لنصرة الثورة وليس من أجل التسابق على من يحاور نظام الاستبداد من وراء ظهر الثوار ويقدم التنازلات أكثر طمعا في موقع ومصالح ونفوذ .

  نقول ذلك على ضوء مايحصل الآن ومنذ أن تم الاعلان عن قرب عقد صفقة أمريكية – روسية حول سوريا من تهافت وتزاحم وتنافس بين ” معارضات ” معروفة الأصل والفصل والمنشأ تنادت في توقيت واحد وتحركت بتغطية مالية من مجاميع خفية من الأخطبوط الرأسمالي الكومبرادوري المرتبط بصلة الرحم بكارتيلات – رامي مخلوف – بهدف مزدوج : قطع الطريق على الثوار الذين يمثلون ارادة السوريين في الداخل وتوجيه تهم الارهاب والتطهير الطائفي وحتى استخدام السلاح الكيمياوي ضدهم وانقاذ نظام الاستبداد من السقوط  برأسه أو بدونه لافرق حتى لاتأخذ ثورتنا الوطنية مداها وتسير على طريق انجاز مهامها في تفكيك سلطة الاستبداد واعادة بناء الدولة الديموقراطية .
  نقول ذلك بناء على معطيات مستجدة بالغة الخطورة ومؤشرات تدل على مخططات قيد التنفيذ لايخطئها البصر والبصيرة : هيئة التنسيق تؤيد الصفقة الدولية قبل ابرامها ولاتمانع بقاء النظام ورأسه واجتماع القاهرة باسم ” القطب الديموقراطي ” يجمع موالين للنظام من درجات مختلفة من أتباع الشرع وبثينة شعبان ومن هيئة التنسيق والمجلسين الكرديين اللذين لايخفيان التعاون مع النظام او الوقوف على الحياد و” تيار بناء الدولة ” المعروف بصلاته مع مراجع أمنية يدعو الى مؤتمر في اسبانيا لاعلان الولاء للحوار والمجلس السوري ووليده المشوه الائتلاف لايرفضان الحوار وينتظران تعليمات بعض العواصم الاقليمية المعنية بحسب بيان الأخير وهناك مجموعة من الذين جمدوا عضويتهم مشاركة في لقاء القاهرة ومجموعة برعاية رياض سيف مع الحوار وبقية الائتلاف على وشك اعلان التاييد .
وهكذا فان غالبية مسميات – المعارضات – تتنافس على نيل شرف ! اعلان مبايعة الحوار مع النظام هؤلاء جميعا لايمثلون ثورة الداخل ولم يخولهم احد من الثوار للنطق باسمه ولايتمتعون باية شرعية وطنية او ثورية .
  وفي هذا السياق يزعم أحد ” الأقطاب الديموقراطيين ” من منظري الحوار : ”  أن إسقاط النظام يمر عبر مرحلتين, الأولى هي القيادة, الثانية هي النظام,مؤكدا أن مجيء قيادة ديمقراطية (يقصد الحكومة الائتلافية بزعامة من لم تتلوث أياديهم !! من أركان النظام) هي بداية سقوط النظام, أما النظام سيتغير تدريجيا وسيسقط برموزه, لكن من الصعب إسقاط أركانه إلا بعد فترة من الزمن , وليس كما يقول البعض بأن النظام سيقسط برموزه وأركانه بدفعة واحد” .
  وهنا علينا أن لانتفاجأ عندما تمارس” المعارضات ” التقليدية وظائفها وتعود الى أصولها الحقيقية وتكشف عن وجوهها الكالحة التي طال ما نبهنا من شرورها ولاشك أن مهام الثوار بجميع قواهم وتشكيلاتهم  تتعاظم اليوم أكثر من اي وقت مضى وماعليهم الا اعادة تعزيز وتنظيم وتوحيد قواهم وخاصة العسكرية والادارية منها ورفع الغطاء الشرعي الثوري عن من تاجروا بدماء الشهداء باسم ” المعارضة ” وانتاج رديف سياسي مصغر يعبر عن طموحاتهم ومواقفهم أمام المحافل الوطنية والاقليمية والدولية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…