عندما كنا نلهو على درجات السلالم الخشبية ونحن صغار ، لم نكن نمتلك قوة التمييز والقدرة على التقصي والتمحيص إلا حينما كنا نطرح أرضاً .
بعدها ، وعند كل لعبة عليها كنا نتفحصها ، لنتأكد من جودة الدرجات ، ولكن ما إن كانت تحملنا مرة أو اثنان كنا ننسى عملية الفحص إلا عند الوقعة الثانية..
وفي كل مرة كان يستيقظ فينا شعورٌ بالنشوة ..
وهكذا ، الوقوع ..
الفحص ..
النسيان ثم الوقوع ، مع كل هذا كنا نكبر ..
وكبرنا ، حتى ودعنا تلك اللعبة وامتهنا لعبة أخرى ومن نوع جديد وبنكهة جديدة ، إلا أننا لم نودع الأسلوب / النشوة / – الفحص الذي يأتي عقب الوقوع ونسيانه– بل أضحى جزءاً من الممارسة الحياتية في تعاملنا ، جعلنا من ذواتنا حقلاً لتجارب وتجارب دون أن نعود إلى سابقاتها ، لأنها أخذت فينا منحى اللهو بل حبذنا تلك النشوة وذاك الأسلوب .
ويبدو أننا في صدد البرهان على صحة المقولة ” من شب على شيء ، شاب عليه ” لأنه ومع هذا الكم الهائل من التطورات وفي شتى المجالات لم نزل نلهو على تلك الطريقة، ومعنا غيرنا ، لأنه وكي لا نظلم الآخرين فالمقولة جزء من ميراثهم وتراثهم .
لقد تعلمنا من مناهجنا التربوية أن نمجد البطولات ونقدس التضحيات – وهذا واجب وطني وقومي – ، لكننا طورنا ذواتنا وتحت شتى أنواع الممارسات أن نكون أكثر ولاءً لأولياء أمرنا ، بل وضعناهم في مصاف القديسين ، سواءً رغبةً منا أو تزلفاً ، سواءً بطلب من الآخرين أو تحت ضغط الحاجة والموجة الدارجة..
هكذا نحن ، وهكذا نلعب ونلهو ولا يهمنا النتائج ، لأن تقاليد اللعبة لا تضمنها ، ونحن لا يهمنا الضمان ، بل كل همنا أن نجد ما نلهو به ، ولهذا نكثر من القرارات ، ونرتجل الكلمات ، ونطعن في الآخرين ..
هو اللهو ..
وهكذا نحن ..
بالأمس أراد ” المنذر ” أن يلهو مع ” العيد ” لعدوىً أصابه من التراث ، فأصاب صاحبه ” الشعيبي ” الذي حاول اللهو مع قضية شعبٍ بأكمله ، متناسياً قامته وجدار القضية الذي حاول اللعب عليها ، لأنه كما قلنا ..
في مثل هذا اللهو لا تهمهم النتائج ، سواءً كسرت أعناقهم أو مسخت وجوههم .
إنما المهم في الأمر هو أن يلهو ، بإرادة منه أم بطلبٍ من غيره .