هل جاء الدور على غوّار بعد البوطي على مذبح الفداء ؟

زاغروس آمدي ـ فيينا

ما يحز في نفسي ويحيرها كثيراً، عندما اشاهد فناناً كبيراً مثل دريد لحام وهو الفنان الرمز الذي احبه السوريون كثيرا وكذلك غير السوريين من شعوب العالم العربي، وطبعا لا تحتاج هذه القامة الكبيرة لشهادة أحد، وأعترف أني إلى الآن لا استطيع أن اصدق أنه يقف بجانب المجرم بشار الأسد ويسانده رغم الدعاية التي يقوم بها هذا الفنان وخاصة عبر اللقاءات التلفزيونية.

 وتساءلت كثيرا بصراحة وما أزال ـ سواء بالنسبة للفنان المذكور أو غيره من الفنانين الكبارـ أتساءل، كيف ولماذا يؤيد فنان حاول أن يفهمنا المبادئ السامية والوطنية، وأن العدالة شيئ جميل وأن الظلم والفساد من أبشع الأشياء،
 طاغية مثل بشار الأسد؟ يقصف شعبه بالصوريخ والقنابل العنقودية وبالسلاح الكيميائي وهو أقذر سلاح في التاريخ، ويرتكب المجازر الفظيعة والأليمة التي لم يكن ليتصورها سوري واحد أن تحدث يوما ما، كيف لفنان مرهف الحس، قوي الإدراك، شديد الملاحظة، متعدد المواهب، لايرغب المشاهد له أن تنتهي مسرحيته او فيلمه أو حديثه التلفزيوني يقف إلى جانب رجل يذبح شعبه؟

في الحقيقة، اعتقد أني تابعت معظم أحاديثه التلفزيونية إن لم يكن كلها، لأني بمجرد رؤيتي له على الشاشة أتوقف عن البحث في الأقنية التلقزيونية إلى أن ينتهي حديثه.

 لا أدري لماذا ينتابني شعور أن هذا الرجل ليس مع النظام السوراني (السوري ـ إيراني)  ولا مع رئيسه بشار على الأقل كلياً، ليس بسبب  عثراته ـ أقصد بها كلمة أو كلمتين تفضح حديثه المزورـ  التي يقع فيها أحياناً أثناء الحديث، وخاصة عندما تغلبه العفوية، لكنه سرعان ما يحولها إلى سياق حديثه بشكل فائق الذكاء، والتي تشعر المشاهد المتفحص أنه ينطق بما لايوافق رأيه، وأن حديثه كله حديث مصطنع ومهيأ ومكرر غالباً، وإنما بسبب إحساس لاأستطيع نفيه أو تأكيده.
والرجل انتقد ومايزال ينتقد النظام أكثر من أي شخص آخر من داخل النظام،وأشار مرارا وتكرارا أن الفساد هو أس المشكلة والمشاكل في سورية، ويضيف دائما ـ خاصة في بدايات الثورة ـ أنه لووووو حلت مشاكل أطفال درعا بحكمة، لما حدث ماحدث.
 لاشك أنه لايوفر مصطلحاً من مصطلحات النظام السوراني إلا ويردده في إنتقاد الثورة والثوار السوريين، لكنه لا يشعرك أن الكلام من قلبه، حتى أنه أحياناً يحاول أن يصطنع الإنفعال لكنه لا ينجح في ذلك، وأحيانا تراه يبالغ في الهجوم بحيث يترك لدى المشاهد إنطباعاً وكأنه يريد أن يوحي إليه بأنه يقصد عكس ذلك، أو يريد أن تفهم منه أن كلامه مجرد تمثيل، مثال على ذلك وردا على سؤال عن دور الجيش في تأمين السلم الأهلى ـ قبل نزول الجيش في الشوارع ـ قال متماهيا المذيعة السائلة: طبعا لازم ينزل الجيش في جميع أحياء سوريا شارع شارع، حتى يقضي على الإرهابيين.(وهو هنا يعلم أنه لاوجود للإرهابين على الأقل قبل بدء القتال المتبادل).

هل سينتهي دور دريد لحام في خدمة النظام السوراني مثلما إنتهى دور رجل الدين المعروف سعيد رمضان البوطي؟ وهل يضحي به النظام مثلما ضحى بالبوطي؟
 سؤال مشروع، فالنظام السوراني اللاأخلاقي ليس عنده محرمات أبداً، والضحايا الأولى لبعض الضباط في فترة التظاهرات السلمية والتي كانت مختومة بطابع شبيحة النظام،شكلت الملامح اللاأخلاقية الأولى والوحشية للنظام السوراني تجاه المتظاهرين.
فدريد لحام قد جاوز الثمانين كالبوطي، وأحاديثه التلفزيونية التي تعيد وتكرر نفس الكلام لم تعد ذات فائدة تذكر، خاصة وأنه لم يعد يجيد التمثيل ببراعة كما يريد النظام، أي أنه أصبح ورقة محروقة، وأعتقد بأن النظام لن يتردد بالتضحية به في أول فرصة مناسبة ولذلك سيقوم بتقديم موعد أجله قليلاً، ليقوم بآخر خدمة ممكنة للنظام، ففي أوقات الحروب يحلل اللاأخلاقيون كالنظام السوراني كل شيئ لأنفسهم.
لذا أنصح الفنان بالإقامة خارج سوريا وخارج لبنان (إن استطاع إلى ذلك سبيلا) كأن يذهب مثلاً للإقامة في أمريكا ويقضي أيام عمره الأخيرة مع ابنه هناك،إذا كان مايزال في أمريكا، قبل أن يدفع به النظام إلى مذبح الفداء.

لايوجد مزح أيها الفنانون مع النظام أبداً، واسألوا أهل الذكر (أرواح: البوطي السالف الذكر،الفنان الكبير خالد تاجا، الممثل ياسين بقوش،المخرج باسل شحادة، على سبيل المثال وليس الحصر طبعا) إن كنتم لا تصدقون.

على فكرة، ثمة العديد من الشخصيات الفنية وغير الفنية على قائمة مذبح الفداء هذا، والشاطر أو المحظوظ هو الذي (يُخلِّص حاله) قبل أن يجر إلى مذبح الفداء في غفلة من الزمان.

ملاحظتان:
طبعاً، أنا لا اريد هنا أن أجعله بريئا من دم الشعب السوري، وإنما أحاول فقط أن أشير بأن الرجل لو كان حرا لكانت مواقفه اختلفت عن المصرح بها.

ولا اريد الزعم أن الأعمال بالنيات، وأن نية الرجل على غير مايبدو عليه، بل بالعكس الأعمال والأقوال تُقيّم بنتائجها وتأثيراتها.

فليس ينفع لقاتل مثلا الزعم أن نيته في القتل كانت نية صادقة للعفو عنه، ولا يعاقب قاتل بالنية لمجرد أنه نوى قتل زيد من الناس، إلا إذا قام بترجمة النية تلك على أرض الواقع.


كما أنني هنا لست بصدد دراسة تحليليلة للأسباب والدوافع التي دفعت الفنانين كغيرهم من السوريين لإتخاذ مواقف متباينة من الثورة السورية، لآن ذلك موضوع يطول شرحه، وإنما أردت فقط التعبير عن لمحة تراءت لي لا أكثر ولا أقل.

بالنسبة للمصطلح (السوراني) والتي قصدت به أن النظام السوري لم يعد نظاما مستقلا بل صار نظاما يديره الإيرانيون، او على أقل تقدير، يشارك فيه الإيرانيون.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…