إزالة اللِّثام عن جوهر الخِصام (في موضوع تمثيل الكرد في مؤسسات المعارضة السورية)

خالد جميل محمد

يُـشاعُ أنّ عدمَ انضمام الكرد السوريين إلى المعارضة يعود إلى أسباب كثيرةٍ، يتقدّمُها تَـهَـرّبُ هذه المعارضة من الإقرار بوجودِ الشعب الكردي في سوريا بصفته شريكاً حقيقياً مع المكونات الأخرى، وتنصُّلُها من الإقرار بأن يكون تمثيلُ الكرد في مؤسسات المعارضة وفق نسبة الكرد التي يقال إنها تبلغ 15% من مجموع سكان سوريا، بحسب الإحصاءات التقديرية والتقريبية التي  لم تقم بها الدولة الاستبدادية كما لم تكلف الحركة السياسية الكردية نفسَها إنجازَها أو العملَ على إنجازها أو التفكير في ذلك أيضاً.

وفي هذا المنحى من أوجُهِ الاستناد إلى حُججٍ بَـيّـنة يصعب فرز حقائقها وأبعادها وخلفياتها بمقالةٍ تلتزم حدودَها وتحافظ على سلامة صاحبها وتوازنها في عالم تختلط فيه المعايير وزمنٍ يَسوده حوارُ الطرشان وحركةٍ يقودها من لا علاقة لأغلبهم بأي ضربٍ من ضروب القيادة السياسية لمجتمع يمضي بلا راعٍ حقيقي وأمينٍ يصون مصالحه.
موقفٌ سليمٌ في ظاهره وقويٌّ في حجته وصائبٌ في مسوّغات اتخاذه من قِبل قيادات الحركة الكردية برفضها الانضمام إلى مؤسسات المعارضة السورية، لكنه في جوهره يُــبَــيّـت مكنونات بعيدة عن نُــبْل الحقوق الكردية ولا علاقة لها سوى بِنوايا ودوافع وخلافات شخصية وفئوية غالباً وحزبية أحياناً دون أن تكون القضية القومية أو الوطنية هي عُمدة الاختلافات، الخلافات، المشاحنات، المشاكسات والمعاندات التي لم تُـغْـنِ الكردَ إلا بـتشتت زائدٍ واضطرابٍ طافحٍ تَـبْـني عليه القياداتُ (أغلبُها) أمجاداً وهمية بإخفاقات متكررة ومكاسبَ شخصيةٍ حقيقةٍ لا تكترث فيها لتضحيات الأوفياء ولا تهتم بمعاناة الأبرياء كما لا تُنصت لسُخط الرفاق في قواعد التنظيم ولا تَـشعُر بتأفّـفِ الحريصين الناقمين على سلوكاتٍ ما عاد بالإمكان الدفاع عنها أو تبريرها إلا في إطار الذرائع الواهية والتّرّهات التي انعكست على القضية سَـلْـباً دون أن تجد الحلول للمشكلات التي عجزت القيادات الواثقة من كفاءاتها عن معالجتها بما هو مفيد وناجع.
أمّا تفسيرُ وَجهَي سلامة الموقف وسُقْمِه إزاء عدم انضمام ممثلي الحركة الكردية إلى مؤسسات المعارضة السورية حتى الآن فإنه لا يتعلق بموضوع ما يشاع فعلاً، بل يتلخّص بصورة رئيسة (لا وحيدة) في عدم توافق قيادات هذه الحركة فيما بينها على الشخص الذي يمكن أن يمثلهم في الأماكن الشاغرة المخصصة للكرد السوريين في تلك المؤسسات، حيث اختلفت قيادات الأطراف المتـنافرة فيما بينها نتيجة تأكُّـد كلٍّ منها من أن الطرف الآخر لا يتراجع عن موقفه في أحقّيته باحتلال منصبٍ قد يجعل من صاحبه ذا شأنٍ يُذكَر في التاريخ ذات يوم! وهو نفسُه السبب الذي أدّى بالتنظيمات الكردية إلى هذه الحالة من التشتت والانقسام بسبب تعنت بعض الشخصيات التي تظلّ تهدد بإحداث شرخ في جسد التنظيم أو الحركة إن لم تمضِ الأمور على النحو الذي يناسبها ويخدمها في حالة مَـرَضية تعانيها الحركة الكردية قبل أن يكون للمعارضة السورية الحالية وجود كهذا الوجود.
إن تسجية موضوع الخلاف مع المعارضة بخصوص إغلاق الأبواب أمام تمثيل الكرد بربط الإخفاق فيه بالموقف السلبي لهذه المعارضة ليست إلا آلية من آليات قيادات الحركة الكردية لإخفاء السبب الرئيس (لا الوحيد) وراء ذلك من حيثُ عدمُ توافقِها على الشخص الجدير بملْء ذلك المنصب الذي لا تريد معظم هذه القيادات أن تكرّسه لخدمة شعبها ووطنها بقدر ما تفكر في تكريسه من أجل مكاسب شخصية أو فئوية أو تكتلية لا علاقة لها بأي قيمة قومية أو وطنية أو نضالية، وهذا ما قُصِد به من إزالة اللثام عن جوهر الخصام في موضوع تمثيل الكرد في مؤسسات المعارضة السورية التي لا يمكن تبرئتها أيضاً من المساهمة الكبيرة في تعطيل الدور الكردي ضمن صفوفها وتـثـبـيط عمل الكرد السوريين في بناء تلك المؤسسات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نبذة عن الكتاب: يسعدني أن أقدم لكم العمل البارز لصديقي العزيز، ريبرهبون، مؤلف كتاب ” نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً)”. هذا الكتاب هو استكشاف عميق للمشهد السياسي الكردي، يقدم نقداً ورؤية للمستقبل. إنه رحلة فكرية تمزج بين التحليل التاريخي والواقع الحالي، وتبحث في الحلول للتحديات التي يواجهها الشعب الكردي، خاصة في غربي كوردستان (روجافا). يقدم المؤلف تأملات صادقة في…

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…