الحماسة للقاء الرئاسة

خالد جميل محمد

رغبة اللقاء بالسيد مسعود بارزاني شعور مبرَّر لأي كردي لديه تقديرٌ لشخصية لا تزال تؤدي دوراً فاعلاً في ما يتعلق بالقضية الكردية في مختلف المجالات والأمكنة، إلا أن الإساءة إلى هذا اللقاء هي التي تعكِس سوء تلك الرغبة وأبعادها وعواقبها، عندما يتوقف الأمر على أنه لقاءٌ فَحسْبُ، لا على أنه بحث عن الحلول للمشكلات العالقة والمزمنة.

أما أصحاب تلك الرغبة فهم قيادات الصف الأول من الأحزاب والتنظيمات الكردية في غربي كردستان،
حيث أوضحَ المتحمسون منهم إلى هذا اللقاء أن هذه الحماسة ليست عـرَضية، بل هي، كما أوحت ملامحهم وتلميحاتهم، حميَّةٌ مشحونة بصدقٍ نادرٍ وحرارة فريدة لا تتوافران في مقامات أُخرى وفي حضرة شخصيات ليس لها مكانة الــ كاك مسعود بارزاني الذي أكّد في أكثر من مناسبة أنه ضد الوقوف إلى جانب طرف كردي في مواجهة طرف كردي آخر، استناداً إلى تجربةٍ مريرة عانوها كثيراً في جنوبي كردستان إبّان الاقتتال الأخوي الذي بات ذكرى مؤلمة للكرد جميعاً ويجب ألا تُكرَّر ثانيةً بأي ذريعة كانت.
اندفاع تلك القيادات للقاء رئاسة الإقليم ممثّلةً في شخص رئيس إقليم كردستان لم تترجمه تلك القياداتُ إلى سلوك عملي تحافظ فيه وبِه على (ماء الوجه) أمام المبادرات النبيلة والمتعددة التي تفضَّل بها جَـنابُه من مبدأ حرصه القومي والإنساني والوطني، وهو الذي أراد لهذه القيادات أن تمضي بتنظيماتها وشعبها في مسيرة النضال الفعلي القويم، كما أراد لها أن تكون شخصياتٍ ذات مكانة وتقدير بين مجتمعها، لا أن تكون (حاشاها) موضع استنقاص واستهزاء بسبب انشغالها غالباً بخلافاتٍ شخصية وسطحية تتسبّب في إخفاق جميع المبادرات التي تقدمت بها رئاسة إقليم كردستان، حتى تبيّن أن تلك الحماسة من جهة هذه القيادات (مع الاحترام الشديد لها) ليست إلا زعماً باطلاً وادِّعاءً مٌسَــجّى بشعارات طنّانةٍ ووعود رنّانةٍ لا تتحقق في الواقع ولا تُـثْـمِرُ سوى خلافاتٍ تزيد الهوّة بينها وتوسع الشرخ بين صفوف الحركة والمجتمع.

وفي هذا السياق لا تُسـتـثـنى منها تلك الأطراف الغائبة عن اللقاء الأخير، لأنها جزء من المشكلة أيضاً.

الحماسة في لقاء الرئاسة لم تتجسّد في الأفعال والأعمال، وامتدت لتُشغل رئاسة الإقليم بمشكلات إضافية وأحياناً (رخيصة القيمة) بات الحديث فيها مخجلاً، كما بات البحث عن الحلول لها عـبـثاً وعـبـئاً، حيث كان من واجب تلك القيادات أن تُبْديَ، إلى جانب ذلك، استعدادها ورغبتها في لقاء شخصيات مستقلة وفاعلة تمّ تهميشها طويلاً في غربي كردستان، وفي مقدمتها الشخصيات الأكاديمية والاختصاصية وذات التجربة العلمية والمعرفية والثقافية والنضالية التي من شأنها أن تتعاون مع تلك القيادات من أجل إيجاد السبل الكفيلة بإخراج الجميع من أزمة التحليل والتنظير والتخطيط والعمل، خاصة أن هذه القيادات أثبتت عجزها عن صناعة وتأهيل وإعداد وحماية شخصيات كارزمية تتمحور حولها قوى المجتمع وفئاته بحثاً عن آليات جديدة تـنـقـذ المجتمع والحركة السياسية الكردية وتسهم في بناء العقل الكردي الذي قوّضته الحماسة الخاوية من الفعال.

هذه الحماسة تحتاج إلى أرضية جديدة لا يكون للقيادات القديمة فيها سوى الشراكة في إبداء الآراء وصياغة القرارات وتقديم المقترحات، من مبدأ التشاور والتعاون بينها وبين الفئات والنخب التي أصابها غبن شديد وإقصاء وإنكار وتَـنـكّر على أيدي أصحاب الحماسة للقاء الرئاسة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…