نحو بديل سياسي رديف للثورة

صلاح بدرالدين

  كما يبدو فان كل ماأصاب ” المعارضات ” السياسية الخارجية والداخلية من تفكك وفشل وتراجع وعجز لايكفي القيمين عليها لاعادة النظر بموضوعية والاعتراف بتفاقم الأزمة وعدم القدرة على معالجتها وممارسة النقد الذاتي مصحوبا بتقديم الاعتذار للشعب السوري والاعلان الصريح عن حل البقية الباقية من أطلالها (هيئة التنسيق والمجلس والائتلاف وكل مايدور في أفلاكها) والتنحي جانبا بعد تسليم مابذمتهم من أموال الى قوى الثورة بالداخل والكشف عن ما تم صرفه خلال قرابة عامين ” في الحل والترحال ” مع تحديد المصادر والجهات المانحة .
  معظم قوى الداخل الثوري والكثير من الوطنيين الحريصين على حاضر ومستقبل القضية الوطنية السورية توصلوا منذ أمد الى قناعة راسخة أن ” السكوت – على رجس المعارضات – لم يعد ممكنا ” وأن سياسة التجاهل والتكابر والتحايل من جانبها لم تعد تجدي نفعا وأن وعود الاصلاح واعادة الهيكلة والترقيع فاقمت الأزمة أكثر وقضت على البقية الباقية من الصدقية الى درجة أن – المعارضات – أصبحت في واد أقرب الى الثورة المضادة وأكثر عرضة للانحرافات ولكل مايسيء الى القضية أما ثورة الشعب ففي واد آخر تواجه التحديات وتدافع عن السوريين وتقدم التضحيات الجسام وتضرب كل يوم أمثلة الشجاعة والصمود رغم الخلل الكبير في موازين القوى العسكرية من سلاح وعتاد .

  واذا كانت معالم الافتراق السياسي والميداني بين الجانبين : الثورة من جهة وطلائع الثورة المضادة المتجسدة بالمعارضات من الجهة الأخرى تلوح في الأفق فمن المصلحة الوطنية وأمام خطر نظام الاستبداد الأكبر أن يتم ذلك عبر عملية الطلاق الديموقراطي وبأسرع وقت ممكن حتى لايقدم النظام على استغلال الفجوة ويلحق الأذى بمسيرة الثورة أو يتخذها المجتمع الدولي ذريعة للنأي بالنفس عن تقديم الدعم الانساني والسياسي والعسكري والجهة المخولة بالمبادرة والحسم واعادة الترميم هي قوى الثورة بالداخل كمصدر للشرعيتين الثورية والوطنية خاصة بعد أن توصلت كماذكرنا الى جملة من القناعات الراسخة والحقائق الموضوعية ومن أهمها :
 أولا – أن هذه المعارضات – التقليدية المدجنة – ظهرت على هامش الثورة ولم يكن لها دور مباشر في الحراك الاحتجاجي وصولا الى التظاهرات السلمية وانتهاء بالانتفاضة والثورة المقاومة فكل الهيئات والمجالس والتيارات والمنابر والمجموعات بمختلف منابعها الثقافية والقومية والدينية والمذهبية والمناطقية لم تحظ بشرف المساهمة المباشرة في اشعال فتيل الحراك السلمي والانتفاضة الثورية بل ظهرت لتتسلق على أكتاف الثوار وتحل محل سلطة الاستبداد بعد سقوط النظام على غرار ماحصل في ليبيا تحديدا وقد كان – للاخوان – طموحات أوسع باستلهام تجربة تسلل وتسلط أقرانهم في كل من تونس ومصر لذلك فان تنحيها عن المشهد لن يؤثر سلبا على قانون سيرورة الثورة ولايغير شيئا من معادلة الصراع مع نظام الاستبداد بل قد يعزز فرص الانتصار بأقل الخسائر .
 ثانيا – لم تنطلق هذه – المعارضات – بمختلف مسمياتها من رحم الثورة الشعبية ولم تظهر تركيبتها التنظيمية من عملية ديموقراطية أو تخويل شعبي بل أن الأكثر حظوة اقليمية من بينها (المجلس والائتلاف) تم اقامته من جانب جماعات الاسلام السياسي وتحديدا الاخوان المسلمون ورعايته من جانب دول اقليمية مؤثرة حيث تلاقت المصالح واجتمعت على مشروع – أخونة – المنطقة وهو طموح وواسع يجمع تحت جناحيه تيارات قومية عربية وقابل للتحالف الأوسع مع طيف الاسلام السياسي الشيعي كما نشهد ملامحه الآن في تعاون نظام الاخوان المصري مع النظام الايراني وبوادر استيعاب ايران تنظيمات القاعدة في المنطقة .
 ثالثا – هذه – المعارضات – التي تحصد الفشل تلو الآخر هي المسؤولة عن تفكك جبهة القوى المناصرة للثورة في الخارج وحرمان العمل السياسي المعارض من خيرة المناضلين المجربين لأنها اعتمدت على اللون الواحد (قوميا ودينيا ومذهبيا) على غرار نظام الاستبداد الأحادي الشمولي وتتحمل المسؤولية الكاملة في عدم اكتمال شروط وحدة الثوار بالداخل تحت ظل قيادة عسكرية واحدة بسبب سلوكها الملتوي الحزبوي- الآيديولوجي  في التعامل وتوزيع وايصال المساعدات .
 رابعا – هي المسؤولة عن تسلل جماعات موسومة بالارهاب الى الداخل السوري وما ترك ذلك من أثر سلبي على مواقف أصدقاء الشعب السوري ومن مادة دسمة الى اعلام النظام ودعاياته المناهضة للثورة .
 خامسا – لها نصيب من المسؤولية في تفكيك الجبهة المعارضة الداخلية وعزل واستبعاد المكونات غير العربية وغير المسلمة السنية وتركها لقمة سائغة للاستثمار والاستغلال من جانب أجهزة النظام وهي تشكل حوالي 50% من تعداد الشعب السوري لأنه بمجرد سيطرة جماعات الاسلام السياسي على مقاليد – المعارضات – يعني استفزاز النصف الآخر من المجتمع السوري بالجملة وعزلهم وتحييدهم .


 سادسا – ان فضائح – المعارضات – وسلوك متزعميها وخطبهم السياسية والثقافية والاهتزازات التنظيمية التي تصيبها بين الحين والآخر وتبعيتهم لسياسات أنظمة الدول الاقليمية لم ولن تشكل النموذج الحسن والقدوة المثالية للثورة وقادتها وكوادرها ولكل الجيل الشاب الذي أشعل الثورة وواكبها وتفانى من أجلها .

  لكل تلك الأسباب وغيرها بات أمر البحث عن بديل سياسي لهذه – المعارضات – رديف للثورة وفي خدمة أهدافها من أولويات مهام النضال الوطني السوري في المرحلة الراهنة ومن شروط ومتطلبات حماية الثورة وتطويرها وتعزيز صفوفها وصولا الى انتصارها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…