ملامح الحزب الكردي وهو يصعد إلى العلنية

  م.

عبد الله  كدو

انطلقت الحركة الكردية في سوريا وسط ظروف صعبة في عام 1957 ، وما لبث حتى انهارت بقايا الدولة البرلمانية في سوريا لصالح الدولة الشمولية ، دولة الحزب الواحد والأجهزة الأمنية المتحكمة في كل مفاصل الحياة في البلاد ، مما اضطر الحزبيون الكرد لممارسة النضال السري ، الأمر الذي انعكس على النظام الداخلي للحزب الكردي ، فكانت البنية الهرمية للحزب الكردي تعتمد الوحدات الصغيرة كي يتمكن الأعضاء من إنهاء اجتماعاتهم التي كانت تعقد غالبا تحت جنح الليل ، تلافيا لملاحقة أجهزة المخابرات واستطالاتها الواسعة في كل مكان،
 الأمر كان يتطلب السرعة في أثناء دخول أعضاء الهيئة الحزبية غرفة الاجتماع وخروجهم منها حتى بلوغ منازلهم، ما يستوجب الإقلال من عدد الأعضاء وعدم إحضار كتب ووثائق أو غيرها من مستلزمات الاجتماعات السياسية النموذجية، تحسبا للمساءلة والتفتيش ليأتي الحوار أو النقاش قصيرا وضيقا، قس على ذلك جميع  محافل الأحزاب الكردية بما فيه المؤتمر العام ، فقد كان المؤتمر عبارة عن تجمع حزبي يتم في مكان سري للغاية –  في حالة الأحزاب التي يعتبرها النظام سلبية –  لا يحضره أكثر من 5%  من عدد الأعضاء ، وكان المكان بالضرورة ضيقا لتحقيق شروط السرية ولا تتوفر فيه مستلزمات الراحة والتقاط الأنفاس في فترات الاستراحة التي كانت قصيرة بدورها خشية من اكتشاف المكان والمداهمة ، وعليه كانت النقاشات تتم باقتضاب شديد تتخللها إشارات القائمين على أمن المؤتمر ، الداعية إلى قطع الصوت  والحركة  بين فينة وأخرى .

كانت الرغبة في إنهاء أعمال المؤتمر بأسرع ما يمكن تحت ضغط الإجهاد الجسدي أولا و الإحساس بالخطر ثانيا تصل حد تفضيل الإجماع  على الاختلاف وتعدد الآراء الذين سيؤديان إلى إطالة البقاء في قاعة المؤتمر .
أما وقد أطاح الحراك الثوري بالخوف فقد انعكس الأمر مباشرة على الحياة الداخلية في الأحزاب الكردية ، و رغم حجب المواقع الالكترونية والصحف  المعارضة فإن حراكا سياسيا وثقافيا يستعر داخل الأحزاب الكردية ، سينعكس على وتيرة المنافسة الشريفة التي ستوفرها وتشجعها عملية الحوار الداخلي الذي بدأ الآن ، وخرجت المعلومات والمعطيات الحزبية  ولأول مرة إلى عالم  النور لتبدو الأشياء جلية كما هي بحجمها الطبيعي ، ولم تعد تجدي المحاولات التقليدية لاحتكار المعلومات في دائرة معينة واستخدام الدعاية الحزبية  لإضفاء هالة من العظمة حول البعض  ممن لا يمتلكونها فعليا.

العلنية التي  وصلت للتوّ ستضع الإنسان المناسب في مكانه ليستأصل شأفة المحسوبية  وغيرها من التجاوزات للانتقال بالحزب إلى حزب المؤسسات و بها ستصاغ إرادة الأعضاء عبر ممثليهم تحت الضوء بذاتهم و لذاتهم بعيدا عن الشخصنة وعتمة دهاليزها التي أوصلت الأحزاب إلى درجة تسميتها باسم الشخص (الزعيم) ، رغم كل ما تلوكه الألسن عن الأحزاب لا بد من القول بان الشارع الكردي و الشباب منه بشكل خاص ينتظر بفارغ الصبر لحظة تفضيل القومي على الحزبي وغيره من الانتماءات الضيقة ، فعلا وليس قولا ، ورفع راية الكردايتي  التي وحدها  وفقط وحدها قادرة على شحذ الهمم  وتعبئة الطاقات الكردية الخلاقة لاختصار المسافات التي تفصلنا عن الحرية والازدهار .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…