حسين جلبي
الجريمة ضد الإنسانية هي تلك التي يرتكبها أفرادٌ من دولةٍ ما ضد أفرادٍ مدنيين من دولتهم أو من غيرها، و ذلك بشكلٍ منهجي وضمن خُطَّةٍ، بسبب وجود إختلاف بين الطرفين من حيث الانتماء الفكري أو السياسي أو الإجتماعي أو الديني أو العِرْقي أو الوطني أو لأية أسبابٍ أخرى.
وغالبًا ما تُرتكب هذه الأفعال ضمن تعليماتٍ يصدرها القائمون على السلطة في الدولة أو في جماعةٍ ما و ينفذُها أفرادٌ آخرون، إلا أنهُ يشترك في المسؤولية عن تلك الجرائم كلُ من يُصدرها، و من يقوم بإقترافها، و كذلك من يُحرض عليها أو من يسكُت عنها على الرغم من علمه بخطورتها.
وغالبًا ما تُرتكب هذه الأفعال ضمن تعليماتٍ يصدرها القائمون على السلطة في الدولة أو في جماعةٍ ما و ينفذُها أفرادٌ آخرون، إلا أنهُ يشترك في المسؤولية عن تلك الجرائم كلُ من يُصدرها، و من يقوم بإقترافها، و كذلك من يُحرض عليها أو من يسكُت عنها على الرغم من علمه بخطورتها.
و ينبغي الإشارة إلى أنه يكفي، و حسب نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، أن يرتكب المرء إعتداءً واحداً أو إثنين من الجرائم ضد الإنسانية لكي يعتبر مذنباً، أي يكفي أن يكون هو أو من يشترك معهُ بالفعل على صلةٍ بإعتداءٍ على قلة من المدنيين و ليس على عدد كبير منهم لكي توجه لهُ الإتهامات و من ثم يُقدم للمُحاكمة، طالما أن ذلك الإعتداء قد جرى ضمن نمطٍ مُحدد يتوافر فيه سوء النية، و من جهةٍ أُخرى فإنه يكفي أن ينطوي السلوك على إرتكاب أعمال عنف وأعمال لا إنسانية دون أن يكون للنزاع طابع عسكري أو يتصف به.
تُعتبر جرائماَ ضد الإنسانية حسب المادة السابعة ـ الفقرة الأولى ـ من قانون عمل محكمة الجزاء الدولية، و ضمن الظروف المذكورة أعلاه، كلٌ من القتل أو التصفية الجسدية، الخطف، السجن و الحرمان من التمتع بالحريات الأساسية، التعذيب، الإعتداء على أي فرد أو فئة لأسباب سياسية، عرقية وطنية، أخلاقية، ثقافية، دينية، جنسية، النقل و التهجير الإلزامي للسكان، الجرائم الجنسية، الإستعباد، مُخالفة القواعد الأساسية للقانون الدولي، و أي فعل آخر غير إنساني يتسبب في معاناة كبيرة أو أضراراً فادحة للصحة و السلامة الجسدية و العقلية.
و قد دخلت المنطقة الكُردية السورية بعد حوالي نصف عام من بدء الثورة في دوامة كبيرة، فقد كان إغتيال القائد مشعل تمو إيذاناً ببدء مرحلة جديدة لم يعرف كُرد سوريا لها مثيلاً من قبل حتى عندما كان النظام في أوج قوته و لم تكُ هناك ثورةً بعد، فلقد إغتيل بعدها عددٌ كبير من النشطاء و يتم منذُ ذلك الوقت خطف آخرين لا زالت آثار بعضهم مفقودة، كما يتم الهجوم المسلح على مُظاهرات سلمية ينجم عنها قتلى و جرحى، و كانت هناك هجمات على عدة عائلات نتج عنها شبه إبادة لأفرادها، إضافةً إلى هجمات مُنسقة على مدنيين في قرى آمنة، كما تم تهجير قسم كبير من المواطنين الكُرد أحياناً على خلفية شائعات أطلقتها جهة مُحددة، و أحياناً أُخرى بعد التضييق عليهم و فتح أبواب الهجرة عبر منطقة محددة لإبتزازهم و فرض مزيد من الأتاوات عليهم، و كل ذلك لأسباب مُختلفة منها تطهير المنطقة من المخالفين و فرض اللون الواحد عليها، و لم يكُن تجنيد القاصرين، و خاصةً الطلاب بعد إغلاق المدارس، و إستخدامهم في معظم تلك العمليات و غيرها يقل خطورةً.
و يبدو أن كل تلك الجرائم تتم ضمن سياسة ممنهجة، حيث أن المعتدين في جميع الحالات ينتمون إلى إتجاه فكري و سياسي و آيديولجي و عسكري واحد في حين أن الضحايا و بالمُقابل هم من الواقفين على الضفة الأُخرى المُخالفة أو من الواقفين في المنتصف.
من خلال إستعرض كل ما جرى على الأرض نلاحظ أن هناك خيطاً رفيعاً يربط بين جميع الحوادث، فرغم أن الفاعلون قد حاولوا في البداية إخفاء هوياتهم، إلا أنهم أصبحوا حريصين على إرتكاب أفعالهم علانيةً و نسبتها لأنفسهم و ذلك لإدخال مزيدٍ من الرعب في قلوب الضحايا بغية إرهاب المُجتمع و إسكاتهُ، و لكن في حالاتٍ أُخرى لم يعد بإستطاعتهم إخفائها، و نلاحظ هُنا:
ـ إن جميع الذين تم إغتيالهم و خطفهم و تهديدهم و الإعتداء عليهم في المنطقة الكُردية السورية هم من أكفأ الناشطين الواقفين في الجهة المعادية للنظام، و هم كذلك لهذا السبب أو لغيره على خلاف مع جهة كُردية مُحددة.
ـ إن الإتهامات التي كانت توجه لهؤلاء هي ذاتها في جميع الأحوال، و لعل من أبرزها تهم الخيانة و العمالة لتركيا و قبض الدولارات من أردوغان، و تهم التواصل مع الجيش الحُر أو الجماعات الإرهابية المُسلحة، و من المعروف من يقف خلف مثل هذه الإتهامات، و منها رفع راية محاربة تركيا في المنطقة الكُردية.
ـ نلاحظ بأن الجهة الكُردية نفسها كانت تقوم بتشويه سُمعة الضحايا لتبرير الإعتداء عليهم أو التمهيد لذلك فيما يشبه الإغتيال المعنوي، و قد إستمرت في ذلك في بعض الحالات حتى بعد وقوع الإعتداء، كما هو الحال بالنسبة للسيد بهزاد دورسن و غيره، الذي تم تشويه سمعته قبل خطفه و بعده أيضاً.
ـ تشابه أسلوب إرتكاب معظم الجرائم و هذا مؤشر إلى أن الجهة التي تقف خلفها هي واحدة، و كذلك الجهة المُنفذة.
رغم أن جميع تلك الجرائم و بسبب محلية عناصرها، من فاعلين و ضحايا و مكان، هي من إختصاص القضاء السوري، بموجب القانون السوري الساري المفعول حتى الآن في المنطقة، نظرياً على الأقل، إلا أن ذلك لا يمنع من كونها من إختصاص القضاء العالمي أيضاً، و يجد ذلك لنفسه مرجعاً في المبدأ الذي يقضي بأنه من مصلحة كل دولة أن تحيل إلى العدالة مرتكبي جرائم معينة تهم المجتمع الدولي بأسره، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، وبغض النظر عن جنسية مرتكبيها أو جنسية ضحاياها، عملاً بمبدأ أن كُلنا بشر، و هكذا يُمكن لضحايا هذه الجرائم و أقربائهم التقدم بدعاوى ضد الفاعلين أمام الكثير من السلطات القضائية في العالم، و توجد بالمناسبة دولتين على الأقل هما بلجيكا و فرنسا تقبلان بمحاكمة من يرتكب جريمة ضد الإنسانية في الخارج، كما إن بلدان أُخرى مثل النرويج والسويد تعتبر الجرائم المرتكبة في الخارج مُعاقبة عليها بموجب قوانينها، لكن الخطوة الأولى في هذا الشأن هي جمع الأدلة، إذ ينبغي هنا توثيق الإعتداءات و الخروقات، و كما ذُكر أعلاه ليس من الضروري معرفة الفاعل المُباشر بل يكفي معرفة المسؤول عنهُ لمحاكمته.
للأسف الشديد أعتدنا في العالم الثالث على التعامل مع الجرائم ضد الإنسانية بطريقة بعيدة عن إحترام الروح البشرية من خلال عدم العمل على إعادة الإعتبار لصاحبها بتقديم المعتدين عليه إلى العدالة، و في المنطقة الكُردية ثمة (فولكلور) يقوم على إستنكار الجريمة و الإبتعاد عن تسمية الفاعل تجنباً كما يُزعم لإغضاب الفاعل الذي سيستتبعه إقدامه على مزيدٍ من الإجرام و بالتالي حدوث ردود أفعال تؤدي إلى إشعال إقتتال أخوي يتصور البعض أن الصمت هو خير وسيلة لإطفائه في مهده، و من ثم يتم القيام كل عام بإقامة سنوية الراحل، في حين أن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، إذ يجب جلب الفاعل أمام العدالة ليصبح عبرةً لغيره، ذلك أن التذكير بمصير الضحايا كل مرة مع تجنب الإقتراب من الفاعل يُصبح مع الوقت مصدراً لتخويف الآخرين و إسكاتهم، صحيح أن الناس لم يعودوا يعتبرون الضحية عدواً للمجتمع كما كان عليه الأمر في سالف الأزمان، لكن السكوت على مصيره لا يخرج عن هذا المعنى.
إن وضع ما يحدث في المنطقة الكُردية ضمن إطارهُ القانوني يُخفف من غلوائه و قد يُفضي إلى إنهائه، و لا بد من التذكير بنشوء الجيش الحُر رداً على تغول النظام، و قد إنضم إليه لذلك حتى الناس الأكثر مناداةً بسلميةً الثورة، فالكُرد الذين يقتلون أو يختطفون هم في النهاية بشرٌ، و لهم و لذويهم أو حتى لأحزابهم طاقة تحمل محددة مُعرضة للنفاذ، و لا نعلم إلى متى سينجح هؤلاء في البقاء بمنأى عن الإنفجار، و هذا ما قد يفتح أبواب الإنتقام على مصراعيها.
تُعتبر جرائماَ ضد الإنسانية حسب المادة السابعة ـ الفقرة الأولى ـ من قانون عمل محكمة الجزاء الدولية، و ضمن الظروف المذكورة أعلاه، كلٌ من القتل أو التصفية الجسدية، الخطف، السجن و الحرمان من التمتع بالحريات الأساسية، التعذيب، الإعتداء على أي فرد أو فئة لأسباب سياسية، عرقية وطنية، أخلاقية، ثقافية، دينية، جنسية، النقل و التهجير الإلزامي للسكان، الجرائم الجنسية، الإستعباد، مُخالفة القواعد الأساسية للقانون الدولي، و أي فعل آخر غير إنساني يتسبب في معاناة كبيرة أو أضراراً فادحة للصحة و السلامة الجسدية و العقلية.
و قد دخلت المنطقة الكُردية السورية بعد حوالي نصف عام من بدء الثورة في دوامة كبيرة، فقد كان إغتيال القائد مشعل تمو إيذاناً ببدء مرحلة جديدة لم يعرف كُرد سوريا لها مثيلاً من قبل حتى عندما كان النظام في أوج قوته و لم تكُ هناك ثورةً بعد، فلقد إغتيل بعدها عددٌ كبير من النشطاء و يتم منذُ ذلك الوقت خطف آخرين لا زالت آثار بعضهم مفقودة، كما يتم الهجوم المسلح على مُظاهرات سلمية ينجم عنها قتلى و جرحى، و كانت هناك هجمات على عدة عائلات نتج عنها شبه إبادة لأفرادها، إضافةً إلى هجمات مُنسقة على مدنيين في قرى آمنة، كما تم تهجير قسم كبير من المواطنين الكُرد أحياناً على خلفية شائعات أطلقتها جهة مُحددة، و أحياناً أُخرى بعد التضييق عليهم و فتح أبواب الهجرة عبر منطقة محددة لإبتزازهم و فرض مزيد من الأتاوات عليهم، و كل ذلك لأسباب مُختلفة منها تطهير المنطقة من المخالفين و فرض اللون الواحد عليها، و لم يكُن تجنيد القاصرين، و خاصةً الطلاب بعد إغلاق المدارس، و إستخدامهم في معظم تلك العمليات و غيرها يقل خطورةً.
و يبدو أن كل تلك الجرائم تتم ضمن سياسة ممنهجة، حيث أن المعتدين في جميع الحالات ينتمون إلى إتجاه فكري و سياسي و آيديولجي و عسكري واحد في حين أن الضحايا و بالمُقابل هم من الواقفين على الضفة الأُخرى المُخالفة أو من الواقفين في المنتصف.
من خلال إستعرض كل ما جرى على الأرض نلاحظ أن هناك خيطاً رفيعاً يربط بين جميع الحوادث، فرغم أن الفاعلون قد حاولوا في البداية إخفاء هوياتهم، إلا أنهم أصبحوا حريصين على إرتكاب أفعالهم علانيةً و نسبتها لأنفسهم و ذلك لإدخال مزيدٍ من الرعب في قلوب الضحايا بغية إرهاب المُجتمع و إسكاتهُ، و لكن في حالاتٍ أُخرى لم يعد بإستطاعتهم إخفائها، و نلاحظ هُنا:
ـ إن جميع الذين تم إغتيالهم و خطفهم و تهديدهم و الإعتداء عليهم في المنطقة الكُردية السورية هم من أكفأ الناشطين الواقفين في الجهة المعادية للنظام، و هم كذلك لهذا السبب أو لغيره على خلاف مع جهة كُردية مُحددة.
ـ إن الإتهامات التي كانت توجه لهؤلاء هي ذاتها في جميع الأحوال، و لعل من أبرزها تهم الخيانة و العمالة لتركيا و قبض الدولارات من أردوغان، و تهم التواصل مع الجيش الحُر أو الجماعات الإرهابية المُسلحة، و من المعروف من يقف خلف مثل هذه الإتهامات، و منها رفع راية محاربة تركيا في المنطقة الكُردية.
ـ نلاحظ بأن الجهة الكُردية نفسها كانت تقوم بتشويه سُمعة الضحايا لتبرير الإعتداء عليهم أو التمهيد لذلك فيما يشبه الإغتيال المعنوي، و قد إستمرت في ذلك في بعض الحالات حتى بعد وقوع الإعتداء، كما هو الحال بالنسبة للسيد بهزاد دورسن و غيره، الذي تم تشويه سمعته قبل خطفه و بعده أيضاً.
ـ تشابه أسلوب إرتكاب معظم الجرائم و هذا مؤشر إلى أن الجهة التي تقف خلفها هي واحدة، و كذلك الجهة المُنفذة.
رغم أن جميع تلك الجرائم و بسبب محلية عناصرها، من فاعلين و ضحايا و مكان، هي من إختصاص القضاء السوري، بموجب القانون السوري الساري المفعول حتى الآن في المنطقة، نظرياً على الأقل، إلا أن ذلك لا يمنع من كونها من إختصاص القضاء العالمي أيضاً، و يجد ذلك لنفسه مرجعاً في المبدأ الذي يقضي بأنه من مصلحة كل دولة أن تحيل إلى العدالة مرتكبي جرائم معينة تهم المجتمع الدولي بأسره، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، وبغض النظر عن جنسية مرتكبيها أو جنسية ضحاياها، عملاً بمبدأ أن كُلنا بشر، و هكذا يُمكن لضحايا هذه الجرائم و أقربائهم التقدم بدعاوى ضد الفاعلين أمام الكثير من السلطات القضائية في العالم، و توجد بالمناسبة دولتين على الأقل هما بلجيكا و فرنسا تقبلان بمحاكمة من يرتكب جريمة ضد الإنسانية في الخارج، كما إن بلدان أُخرى مثل النرويج والسويد تعتبر الجرائم المرتكبة في الخارج مُعاقبة عليها بموجب قوانينها، لكن الخطوة الأولى في هذا الشأن هي جمع الأدلة، إذ ينبغي هنا توثيق الإعتداءات و الخروقات، و كما ذُكر أعلاه ليس من الضروري معرفة الفاعل المُباشر بل يكفي معرفة المسؤول عنهُ لمحاكمته.
للأسف الشديد أعتدنا في العالم الثالث على التعامل مع الجرائم ضد الإنسانية بطريقة بعيدة عن إحترام الروح البشرية من خلال عدم العمل على إعادة الإعتبار لصاحبها بتقديم المعتدين عليه إلى العدالة، و في المنطقة الكُردية ثمة (فولكلور) يقوم على إستنكار الجريمة و الإبتعاد عن تسمية الفاعل تجنباً كما يُزعم لإغضاب الفاعل الذي سيستتبعه إقدامه على مزيدٍ من الإجرام و بالتالي حدوث ردود أفعال تؤدي إلى إشعال إقتتال أخوي يتصور البعض أن الصمت هو خير وسيلة لإطفائه في مهده، و من ثم يتم القيام كل عام بإقامة سنوية الراحل، في حين أن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، إذ يجب جلب الفاعل أمام العدالة ليصبح عبرةً لغيره، ذلك أن التذكير بمصير الضحايا كل مرة مع تجنب الإقتراب من الفاعل يُصبح مع الوقت مصدراً لتخويف الآخرين و إسكاتهم، صحيح أن الناس لم يعودوا يعتبرون الضحية عدواً للمجتمع كما كان عليه الأمر في سالف الأزمان، لكن السكوت على مصيره لا يخرج عن هذا المعنى.
إن وضع ما يحدث في المنطقة الكُردية ضمن إطارهُ القانوني يُخفف من غلوائه و قد يُفضي إلى إنهائه، و لا بد من التذكير بنشوء الجيش الحُر رداً على تغول النظام، و قد إنضم إليه لذلك حتى الناس الأكثر مناداةً بسلميةً الثورة، فالكُرد الذين يقتلون أو يختطفون هم في النهاية بشرٌ، و لهم و لذويهم أو حتى لأحزابهم طاقة تحمل محددة مُعرضة للنفاذ، و لا نعلم إلى متى سينجح هؤلاء في البقاء بمنأى عن الإنفجار، و هذا ما قد يفتح أبواب الإنتقام على مصراعيها.