مشاهد لا تفارق الذاكرة .. (3)

روني علي


ثمة أقدار أو فرص أو توازنات أو شطارات أو مراكز قوة أو مستلزمات التطور أو طفرات، وذلك بحسب المعتقدات، تساهم في بلورة حالة معينة أو خلق كيان ما أو تهيئة مناخ معين، تقفز بالمرء إلى حيث لا يتوقع، أو إلى حيث يطمح إليه وفق النزعة الوصولية المتوارثة، التي لا تحتاج إلى ملاكات، بقدر حاجتها إلى شيء من التملق والتزلف، والخروج من الصراط المستقيم، إلى صراط الذين ينعمون عليه بالأنعام والألقاب وتزييف الحقائق في ذاته، ليخرجه متخماً ومتضخماً بما يخدم المشروع الذي أريد له أن يكون حامله ومسنده عند منعطفات اللف والدوران على الآخر ..

 

   فهناك مقولة بمثابة قناعة تشكلت لدينا بحكم الممارسة، بأنه لكل دوره في النضال، ولكل أسلوبه في إدارة الفعل النضالي، ولكل طريقته في ممارسة العملية النضالية، وهذا صحيح ولا مجال للاختلاف عليه، شريطة أن يكون واعياً لما يقدم عليه، وممتلكاً لمقومات الفعل النضالي، وإن اختلفت الطاقات والقدرات، أو كان يحمل بالفطرة بذور النضال من أجل الإنسان والإنسانية، دون أن يكون لديه أيقونات معينة، أو تماثيل يقدم لها الطاعة والولاء، ودون أن يكون له من المساحة التي يشتغل فيها في مجال الفكر والمعرفة، وإن كان من الضرورة البحث عنها في صراعه مع التكلس والخواء ..
فذات مرة ونحن نتبادل أطراف الحديث حول آليات تفعيل الحراك السياسي الكردي عموماً والحزبي على وجه الخصوص، قال أحد الموسومين بالعدمية؛ بأن حركتنا الحزبية لا يمكن لها أن تتطور إذا ما سارت وفق عقليتها ونمطيتها، وذلك لأنها بعيدة كل البعد عن أدوات التغيير وآفاق التطور ..
فالحزب الكردي يدعي التغيير، ويرفع راية الشفافية، ويدعو النخب المتنورة والمثقفة إلى الانخراط في آلياتها وهياكلها، وهذا طبيعي وموضوعي من حيث التفكير والتدبير، ولكن الحقيقة التي اكتشفتها، أن كل هذه الدعوات متوقفة على أن يكون كل شيء تحت السيطرة، ولا يخرج عن إرادة أولي الأمر ومراكز التوازنات..

فكل من يدعي إخراج الحالة من سكونيتها، وكل من يحاول أن يخترق جدار الصمت في الحزب، وكل من لديه القدرة في أن يلامس مواطن الخلل وبواطن الأمور، عليه إما أن يكون في مركز القرار، وبالتالي يشكل جزءً من توازنات الحزب، ويأخذ موقعه في مواجهة المواجهة، وإما أن لا يكون، بمعنى؛ أن الذي يمتلك أدنى درجات الثقافة ولديه القدرة في أن يعبر عن ذاته بأدوات معرفية، سوف لا يمتلك الحظ في أن يستمر إذا لم يسانده من يمتلكون نفس الإرادة أو الرؤية، وذلك بحكم أن صناعة الحزب هي من موروثات أقطابها، وكل وافد جديد، عليه أن يصطبغ بصبغة من صنع الحزب، وينضم إلى القافلة التي تلطم وجهها في المؤتمرات الحزبية، وينهمر في النواح، إذا ما أشار صانع الحزب على أنه سيكف عن ترشيح نفسه لزمام كل الحزب، أو إلى أولئك الذين يشعرون باليتم حين يلوح في الأفق بأن ساعة القائد قد اقترب من الرحيل، وذلك بحكم القناعة التي تجسد في الهيكل منذ أن وجد الهيكل وتم صناعته، بان الأم الكردية لا تنجب القادة والعظماء إلا مرةً واحدة، بينما كل الأمهات تأتي دورهن في إنجاب المصفقين والمطبلين والمهللين لإنجازات القائد وانتصاراته..
نعم؛ ومازال القول لصديقي؛ إن الحركة الحزبية ومهما تكدس في القواعد من طاقات وخامات، لا يمكنها أن تنحو صوب الحقيقة، أو تضع قدمها على طريق التغيير، وذلك لأن الذين يتبوأون الصدارة هم الذين خلقوا لها ومن أجلها، وحتى إن تم اختراق المركز ووفد إليه عنصر غريب، فإنه لا يسعه إلا أن يعود أدراجه من حيث أتى، لأن المسافة بينه وبين الموقع ما زالت مفروشة بالأشواك ومليئة بالمطبات ..
فإذا كان لا بد أن نحاور القدر، ونجاري ما هو مفروض علينا، فليس لنا سوى أن نشتغل في المواقع المخصصة لنا، وهي لا تتجاوز القاعدة فعلاً وممارسةً، علنا نمتلك القدرة في أن نغير وجه التاريخ في صناعة الحزب الكردي، وندفع بالأم الكردية أن تكف عن إنجاب المطبلين والمهللين، وهذا هو مصدر تفاءلنا ومنبع عزيمتنا …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…