الوضع الكرديّ الرّاهن, بقاء أم فناء؟

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

المتتبّع لمجريات الأحداثِ في منطقة الشّرق الأوسط والعالم العربيّ يقفُ حائراً أمامَ ما سيكونُ عليه حال مجتمعاتِهما وشعوبهما في الغدِ وبعد الغدِ, ولكنّ الحيرة تزدادُ إيقاعاً وطنيناً حين يتعلّقُ الأمرُ بواقع الشّعبِ الكرديّ وما ستؤولُ إليه حاله خلال الأيّام القادمة, وعشرات الأسئلةِ والاستفسارات تتزاحمُ في الفكر والوجدان حول الكردِ ونضالهم ومكتسباتهم في هذه الظّروف التّاريخيّة الحسّاسةِ التي قد تتكرّر بعد عشرات الأعوام أو التي قد لا تتكرّر:
-هل استطاع الكردُ الاستفادة من الدّروس والعِبَرِ التي رست على شواطئِ هذه الأحداث؟

-هل بقي لديهم المزيد من الوقتِ للمّ صفوفهم ومراجعةِ ذاتهم, والتّغلّب على وساوس أنانيّتهم التي غالباً ما تكون قاتلة
-هل بقي لديهم المزيد من الوقتِ والجهدِ لتطبيق مقولةِ “الإنسان المناسب في المكان المناسبِ”؟ وهل سيختارون  مَنْ يقودونهم الآن ومَنْ سيقودونهم غداً, ويقفون على محطةِ حياتهم بمراحلها المختلفة, ويسبرون أغوار فكرهم وعواطفهم ليتمّ الاختيار بشفافيةٍ وصدق بعيداً عن لغةِ المصلحةِ والأنانيّةِ وذوي القربى اعتماداً علىمقولة “الأقربون أولى بالمعروف” وعلى المعارفِ والأصحابِ وأولادِ الحارةِ والبلدةِ والقرية؟

– إلى متى سنكرّرُ أخطاءنا ذاتها, ونغلّبَ أنانا “الأنا” الكامنة فينا على مصلحةِ الشّعبِ والمجتمع والوطنِ, ثمّ نقول بكلّ فخر:
“نحن الكرد شعب مغلوب على أمره, يلزمنا المزيد لنتعلّم ونعتادَ على أساليب الّلباقة والّلياقةِ للشّعوبِ والمجتمعاتِ الأخرى”؟
أو نقول: “هذه المرحلة جديدة علينا ونحن حديثو العهدِ بالإمساكِ بزمامِ الأمورِ فيها”.
– متى…؟ وأين…؟ وكيف…؟ أسئلة واستفسارات من وحي الغموض, فهل ستهتدي إلى نور الحقيقةِ والصّراحة؟؟!! 
كلّ الشّعوبِ والأممِ تحاولُ اقتناص الفرص التي تُتاحُ لها إثْرَ الأحداث المرحليّة الهامّةِ والقويّةِ التي تعيشها وتتعايشُ معها, بعضها تتمكّنُ من تحقيق مآربها-كلّها- أو العديد منها باستحقاقٍ وجدارةٍ, والبعضُ يستخلصُ منها العِبَرَ والمواعظَ التي تؤهّلها للسّيرِ في دروبِ النّجاح وتحقيقِ الأهدافِ, أمّا البعض الثّالثِ فيهدرُ وقته وفكره في أمورٍ غير هامّةٍ وغير ملحّةٍ, ويتهافتون على مصارعةِ طواحين الهواءِ التي يعلّقون عليها أهدافهم وطموحاتهم, فيمرُ الوقتُ, ومعها تمرّ الأحداثُ والمتغيّراتُ, وتتالى قوافلُ الشّعوبِ والملل نحو عالمها الذي تسعى إلى العيشِ فيه, ويظلّ هذا البعضُ يصارعُ الطّواحين, ويصارعَ الذّات والآخر, وحين يجدون محيطهم فارغاً إلا من صراعهم وهوسهم يسارعون إلى البكاءِ والعويل والّلطم على الخدودِ والأقدام.
الشّعبُ الكرديّ إلى أيّ البعضِ يُصنّف؟ وأيّ الأهدافِ تدغدغُ مكمنَ نخوته؟ وأيّة أرضيّةٍ تثبتُ خطواته؟
لا شكّ أنّ الكردَ عاشوا واقع البعضِ الثّالثِ طويلاً, وتفاعلوا معه, واستنشقوا هواءَ الطّواحين حتّى الثّمالة, كما أنّهم الآن يحاولون أن يعايشوا البعضَ الثّاني, لتكون خطواتهم ثابتة, واثقة نحو الدّروب التي رُسمت أمامهم, والتي عليهم اختيار الأفضل والأصحّ منها, ولكنّ الغالبية العظمى من الكردِ يريدون ويتمنّون الانتقالَ مباشرة إلى عالم البعضِ الأوّل بغية اختصارِ الوقتِ والجهدِ, وبغية اقتناصِ هذه الفرصةِ الماسيّةِ التي قد لا تتكرّر إلا بعدَ دهورٍ من الزّمن, ولمَ لا؟ والكردُ يمتلكون كلّ مقوّماتِ الشّعبِ والأمّةِ التي تؤهّلهم إلى تحقيقِ الأهداف وإنجازِ العالم الذي يليقُ بهم في هذا العالم الذي حقّقت فيه أقليّات وملل صغيرة مقوّمات دولٍ وأقاليمَ وإمارات.
نعم, يستطيع الكردُ فعلَ كلّ شيء, وتحقيقَ المزيدِ والمزيدِ إذا التفتَ مَنْ بيدهم زمام الأمرِ والنّهي من الكردِ إلى أمورٍ كانوا يرونها ثانويّة أو غير هامّة ولكنّها تشكّلُ صلبَ الموضوعِ وجوهرَ المضمون:
– يجب مراجعة الذّاتِ واكتشاف مكامن الخطأ والعطب وتجاوزها وتلافيها, بتغليبِ لغة العامّ على الخاص, ولغة الكلّ على الأنا, لأنّ مصلحة الأنا تتحقّقُ بتوفير مصالح الآخر أو الآخرين, وبهم ومعهم تسيرُ عجلاتُ الحياةِ على خطوطٍ مستقيمةٍ, سليمةٍ لا أخاديدَ فيها ولا عثرات.
– يتمّ ذلك من خلالِ تطبيق مبدأ “الشّخص المناسب في المكان الذي يناسبه” أيّاً كان هذا الشّخص, رجلاً كان أم امرأة, غريباً كان أم قريباً, غنيّاً كان أم فقيراً, لأنّ المجتمع الذي  يبتغي بلوغ درجاتِ الوعي والحضارةِ والرّقيّ ينظرُ مليّاً في حالِ أفراده ومواطنيه, ويمنحُ كلّ شخصٍ منهم المكان الذي يستطيعُ فيه ممارسة طقوسِ عطائه وفنون إبداعه وخلقه.
– نعم, نحن الكردَ نُعتَبَر من الشّعوبِ المغلوبةِ على أمرها ولكنّنا نمتلكُ أساليبَ ووسائلَ الّلباقةِ والّلياقةِ التي تجعلنا معها أثرياء الفكرِ والضّمير, ومعها وبها نستطيعُ تجاوز كلّ المراحل الزّمنيّة, واستغلالَ مختلف الظّروفِ والأحداثِ لصالح قضيّتنا ووجودنا وبقائنا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…