الثورة السورية والهجرة إلى الله

محسن طاهر*

الثورة السورية بعظيم شأنها, دخلت مثخناً بجراحها عامها الثالث, وجسدها المدّمى تشكو جروحا غائرة بمدية الجزّار (بشار وأعوانه) بينما طول المدة راح يغيّر ديموغرافية الوطن, من بشر وشجر وحجر؛ فالمدن أمست ركام بلا تخوم, وبات الجلاد يتقدم الموت في حصاد الروح, بينما قوافل الشهداء تتزاحم الهجرة إلى الله والجلوس في حضرة الخالق مع النبيين والصديقين.

   

لقد بدأت ثورة الحرية في سوريا سلمية الطابع والأسلوب, نبيلة الأهداف والمقصد ولكن النظام أرادها عنفاً وإرهابا, عندما أفلت العنان لجلاوزته, في بداياتها, ليعيثوا قتلاً وتنكيلاً بالمتظاهرين السلميين,
عمل النظام ومنذ البداية وعبر أجهزته الأمنية, واستخبارات عالمية وإقليمية إلى إدخال المرتزقة المتنكرين بلبوس الدين من المتطرفين والجهاديين والسلفيين والتكفيريين (الدين منهم براء) من كل صوب وحدب, وإدخالهم إلى عمق الدولة, ومدّهم أسباب القوة لتمكينهم القيام بعمليات العنف المضاد, لإظهار الثوار بأنهم إرهابيون, وأنّ سوريا تتعرض لعمليات إرهابية شرسة, وذلك تبريراً لحربه الظالمة ضد الشعب السوري وثورته المباركة, ولجعله مسوغا قانونياً -بشهادة آلته الإعلامية المضللة- لعمليات القتل والاعتقال والتهجير والتدمير في طول البلاد وعرضه, وتالياً شرعنة أعماله الإجرامية المنافية لجميع القيم والأعراف؛ وظناً منه أنها الطريقة المثلى والسبيل الأنجع لوأد الثورة, لكن السحر انقلب على الساحر؛ فباتت هذه المجموعات اليوم, تقّض مضجع النظام, وراحت تشكل الخطر الداهم, تهدد وجوده.
لقد حان الوقت أن يدرك النظام المستبد, بأن أسلوب القتل والدمار والاعتقال والتهجير الذي مارسه لمدة عامين, قد أرجع البلاد عقوداً إلى الوراء, ولن يمكنه النيل من إرادة وصمود الشعب السوري بفئاته القومية والدينية والمذهبية, ولن يخرجه من المستنقع الذي أوقع نفسه فيه, لا بل سيزيد الشعب السوري بكرده وعربه إصراراً للمضي قدماً في حتف الاستبداد, وتحقيق أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية, في دولة تسودها قوة القانون, لا قانون القوة المتمثل بحكم بشار وزمرته, ولكن السؤال الذي حيّر العديد من المتابعين للشأن العام, وأدعه برسم الشعب الروسي هل ستقبلون الحوار والجلوس مع الرئيس بوتين إنْ دمر ثلث بلاده, وقتل واعتقل وهجّر مئات الآلاف من مواطنيه؟! ….

ولما يصرّ رئيسكم الموقر ودون العالمين, على بقاء الرئيس السوري في السلطة؟! وهل مصلحة روسيا الاتحادية تلتقي مع دكتاتور آيل للسقوط ؟….

أما مبادرات السلام المزعومة والجارية اليوم في أروقة الأمم المتحدة, وعواصم الدول ذات التأثير المباشر على القرار السياسي السوري (المعارضة, النظام) فإنها بأقل ما توصف بأنها مضيعة للوقت, ولا آفاق لنجاحها في ظل سلطة مستبدة, تقصف شعبها بالمدافع والصواريخ والطائرات, وستعطي النظام وقتاً مضافاً, ليمارس مزيداً من العنف والدمار, وليغرق العباد والبلاد في أوحال جرائمه أكثر فأكثر….

   
*عضو اللجنة السياسية لحزب آزادي الكوردي – سوريا
 قامشلو 1/3/203

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…