افتتاحية جريدة المستقبل
مضى عام 2006 كغيره من السنوات ، والمشهد السوري لا يزال على حاله على صعيد النظام والمعارضة، وخاصة فيما يتعلق بتغييب الحريات العامة و حقوق الإنسان ، من خلال تعطيل المواد المتعلقة بها في الدستور السوري ، بسبب العمل بقانون الطوارئ الذي امتد لعقود طويلة تحت شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) وازدياد جيش الفقراء، والعاطلين عن العمل ، الذين لا يجدون شيئاً يسدون به رمق جوعهم وبؤسهم المدقع ، وتفشي ظاهرة الفساد ، والرشوة والمحسوبية في كافة مؤسسات ودوائر الدولة ، التي باتت تنخر في جسد المجتمع السوري ، وبنيته الأساسية ، كالنار في الهشيم في ظل احتقان داخلي وأزمات متعددة ، باتت تهدد المجتمع بأكمله ،دون أن تعير السلطة أذانا صاغية لتلك الدعوات التي تنادي بالإصلاح ، والتغيير ، ومعالجة المشكلات قبل وقوع الكارثة .
فالمشكلات اليومية ، بدأت تضغط على كاهل المواطن السوري ، المنهك أصلا ، جراء عقود من النهب المنظم ، لكل موارد الدولة والمجتمع ، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية ، وضعف الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمجتمع ، واقتصرت هذه الخدمات على مناطق محددة ، وفئات استأثرت بقرار الدولة الاقتصادي ، والسياسي ، مما أدى إلى ازدياد الهوة بين الناس ، وانقسم المجتمع إلى قطبين متنافرين ، وازداد الشرخ الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد ، مما خلق مشاعر الكره والعداء والضغينة ، وأصبح المجتمع مجتمعين ، القلة التي لا تزيد نسبتها عن 5% من المجتمع تتحكم بكل شيء ، وتستحوذ على القسم الأعظم من الموارد ، والأكثرية الشعبية وسواد الناس وتقدر ب 95% لا تجد شيئاً يسد رمقها ، ويحقق لها أدنى مستويا ت المعيشة ، في ظل انحسار وتقلص أبناء الطبقة الوسطى ، وانحدارها إلى القاع من خلال حجم الضغوطات الاقتصادية التي باتت تمارس عليها ، والتي من المفترض أن تتحرك الدولة سريعاً ، من اجل حمايتها وتحسين وضعها لمنعها من الانهيار ، لأنها صمام أمان لاستقرار المجتمعات .
أما وتيرة القمع فحدث ولا حرج ، فقد ازدادت بشكل ملحوظ ، وهذا ما ظهر في البيانات المنددة باعتقال بعض أفراد الطبقة السياسية وخاصة القيادات ، و ناشطي المجتمع المدني ، وصدور أحكام سياسية مجحفة بحق البعض منهم ، من خلال تقديمهم إلى محاكم عادية صورية .
هذا على صعيد الداخل السوري بشكل عام ، أما كردياً فقد ازدادت وتيرة القمع ، والاعتقال ،والاستدعاءات الأمنية بحق أبناء الشعب الكوردي ، ناهيك عن ازدياد البطالة بين أبنائه ، بعد سد وإغلاق كافة فرص العمل والتوظيف في مؤسسات الدولة ، أمام الشباب الكوردي ، بسب قرار سياسي اتخذته الجهات النافذة ، بعد انتفاضة 12 آذار ، التي اندلعت في مدينة قامشلو ، وامتدت لتعم كافة المدن والقصبات الكردية بما فيها الشتات والخارج .
خارجياً تصر السلطة السياسية على تعميق تحالفها مع نظام الملالي في إيران ، بقيادة احمدي نجاد ليكون أداة طيعة بيد السياسة الإيرانية الهادفة إلى التوسع ، والسيطرة في المنطقة ، مديراً الظهر لتحالفاته العربية ، وخاصة مع مصر ، والمملكة العربية السعودية ، داعياً إلى الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وإسرائيل ، من خلال الرسائل التي أطلقها رأس النظام في أكثر من مناسبة ، بشأن الحوار المباشر والغير مشروط مع إسرائيل ، وكذلك التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية وليد المعلم ، بشأن الموقف والحوار مع الولايات المتحدة ، واستعداد بلاده لذلك دون أية شروط مسبقة ، محاولاً الخروج من عنق الزجاجة ، لفك عزلة بلاده ، الدولية ، والعربية و التي أوقع النظام نفسه فيها .
في لبنان لا يزال المشهد اللبناني على حاله ، حيث تمسكت كافة الأطراف بمواقفها السابقة دون تقدم يذكر باتجاه الحل من خلال القبول بمبادرة إقليمية أو دولية ، بعد فشل السيد عمرو موسى في التوفيق بين حزب الله وحكومة السنيورة .
أما في العراق فقد شكل إعدام الدكتاتور صدام حسين نهاية لحقبة ، وبداية لمرحلة جديدة في تاريخ العراق الحديث ، يمكن أن تفتح أفقا لمستقبل واعد ، يتطلع إليه العراقيون ، بعد القضاء على العنف الطائفي وتحقيق الاستقرار، من خلال تغيير الإستراتيجية الأمريكية في العراق ، علماً أن بعض بنود هذه الإستراتيجية ، استندت إلى تقرير بيكر- هاملتون السيئ الصيت ، والذي همش الكورد في هذه الإستراتيجية ، دون أي اعتبار لموقع كوردستان الاستراتيجي – من حيث تأمين الاستقرار في المنطقة وخاصة عند قيام الشرق الأوسط الجديد ، لأنه بدون الكورد لا يمكن تحقيق ذلك – وغناها بالنفط والثروات الاقتصادية والمياه كما لم يتطرق التقرير إلى أية إشارة تتعلق بالكورد ، بالرغم من حجم التضحيات التي قدمها الشعب الكوردي في كوردستان العراق، والغبن الذي لحق بهم هناك ، وخاصة في عهد صدام حسين ، والموقف الايجابي الذي اتخذته القيادة الكوردية في الإقليم من الوجود الأمريكي ، ودوره في تأمين الاستقرار، داعياً التقرير إلى الحوار مع سوريا وإيران بشأن العراق – علما إن هاتين الدولتين تعملان على تغذية العنف والطائفية في العراق ، من اجل إلحاق الهزيمة بالمشروع الأمريكي في العراق- على حساب دماء ودموع الشعب الكردي في هاتين الدولتين .
إن هذا التهميش للكورد في تقرير بيكر- هاملتون يعود بالدرجة الأولى ، إلى موقف قيادة الإقليم السلبي من الوجود الكوردي في الأجزاء الثلاثة الأخرى من كردستان ، بسبب إقامة علاقات تكتيكية مع مضطهدي الشعب الكردي وجلاديه ، وعدم وجود سياسة واضحة ومحددة تجاه الأقاليم الثلاثة الأخرى، يفقد كوردستان العراق عمقاً استراتيجياً ، وأوراق مهمة ، وضاغطة ، يمكنها للعب دور إقليمي رئيسي وأساسي ، يكون الكورد حجر الزاوية فيه ، وهذا العمق يزيد من أهمية الإقليم ودوره ويجعله شريكا في أية عملية تغييريه قد تحدث في المستقبل ،خاصة أن المنطقة قادمة على تغيرات دراماتيكية في القريب العاجل ، وإذا لم تستطع قيادة الإقليم الاستفادة من البعد الاستراتجي الجغرافي والبشري الكوردستاني ، فإنها تحكم على نفسها وعلى الكورد بالانتحار .وتضييع فرصة تاريخية نظن أنها لن تتكرر في القريب العاجل .
أما على الصعيد الكوردي الداخلي ، لا زال الخطاب الكوردي يراوح في مكانه منذ أكثر من عام ، وخاصة فيما يتعلق بالمرجعية الكوردية ، والمجلس الوطني ، ونقول لأولئك الذين يدعون إلى الإجماع، والمرجعية ، ولا يرون من الألوان إلا الأبيض أو الأسود لأنهم مصابون بداء عمى الألوان إن الإجماع المطلق هو اقرب إلى المستحيل ، لان المعارضة والمخالفة هي من محركات الحياة ومحرضات التقدم ، لان الحقيقة نسبية ، وعلى حد قول نيتشه لا توجد حقيقة يمكن الوصول إليها لأنها متبدلة ، ومتغيرة دائما ، لذلك فالديمقراطية السياسية هي نتاج للنسبية المعرفية ، ولاستحالة الإجماع ، وهي حل عملي لمشكلة الاختلاف والتعددية .
من هنا نرى في الإجماع على المرجعية ، شعاراً للتعبئة والاستقطاب يخفي عجز الفعل ، و مضيعة للوقت وتحايلاً على الشعب ، وتشويهاً متعمداً لوعيه ، من اجل حرف المجتمع عن العمل على المهمة المركزية ، التي ينبغي التركيز عليها في هذه المرحلة ، وهي الانخراط في نضالات يومية وأساسية لتعميق مأزق النظام وتفكيك بنيته القمعية ، والاستبدادية ، وتحرير الدولة وإعادة تأهيلها، من خلال العمل بالقانون ، وتحقيق توزيع عادل للسلطة والثروة ، ورد الحقوق إلى أصحابها ، وإلغاء صفة العروبة عن اسم الدولة ، لتعكس كافة مكونات المجتمع السوري القومية والاثنية ، والاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي ، كقومية رئيسة لها من الحقوق والواجبات ، ما تتمتع به القومية العربية كون الكورد جزء أساسي ، وحامل فعلي للتغيير القادم ، بحكم الممارسات الخاصة والغبن والتهميش المتعمد والممنهج الذي طبق بحقهم ، وبالتالي فهم القوة الوحيدة القادرة على استنهاض المجتمع ، من حالة الركود والخنوع ، وكسر حاجز الخوف الذي فرضه الاستبداد منذ أكثر من أربعين سنة ، على المجتمع السوري بكافة فئاته ، إلى حالة الفعل والاشتباك والممانعة من اجل غد مشرق لأطفال سوريا ، دون خوف أو جوع أو تمييز بسبب العرق او الدين .
من هنا نرى في الإجماع على المرجعية ، شعاراً للتعبئة والاستقطاب يخفي عجز الفعل ، و مضيعة للوقت وتحايلاً على الشعب ، وتشويهاً متعمداً لوعيه ، من اجل حرف المجتمع عن العمل على المهمة المركزية ، التي ينبغي التركيز عليها في هذه المرحلة ، وهي الانخراط في نضالات يومية وأساسية لتعميق مأزق النظام وتفكيك بنيته القمعية ، والاستبدادية ، وتحرير الدولة وإعادة تأهيلها، من خلال العمل بالقانون ، وتحقيق توزيع عادل للسلطة والثروة ، ورد الحقوق إلى أصحابها ، وإلغاء صفة العروبة عن اسم الدولة ، لتعكس كافة مكونات المجتمع السوري القومية والاثنية ، والاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي ، كقومية رئيسة لها من الحقوق والواجبات ، ما تتمتع به القومية العربية كون الكورد جزء أساسي ، وحامل فعلي للتغيير القادم ، بحكم الممارسات الخاصة والغبن والتهميش المتعمد والممنهج الذي طبق بحقهم ، وبالتالي فهم القوة الوحيدة القادرة على استنهاض المجتمع ، من حالة الركود والخنوع ، وكسر حاجز الخوف الذي فرضه الاستبداد منذ أكثر من أربعين سنة ، على المجتمع السوري بكافة فئاته ، إلى حالة الفعل والاشتباك والممانعة من اجل غد مشرق لأطفال سوريا ، دون خوف أو جوع أو تمييز بسبب العرق او الدين .
_____________
افتتاحية العدد 9 لجريدة المستقبل التي يصدرها تيار المستقبل الكردي في سورية