إلى أين تتجه الأوضاع في غرب كوردستان؟

  علي جعفر 

 مع دخول الثورة السورية عامها الثالث، وتوغل النظام في شن حربه الهجمية والدموية ضد الشعب، يزداد المشهد السوري أكثر تعقيداً وسوداوية يوماً بعد آخر، مع انسداد الأفق لأي حل قريب يخرج البلاد والعباد من هذه الأزمة.

 ولما كان كورد غرب كوردستان مكوناً من مكونات هذا الشعب، وجزءاً من حراكه الثوري، لا بل الحقيقة تقول بأن الكورد سبقوا باقي مكونات الشعب السوري في حركهم الثوري؛ عندما انتفضوا في وجه النظام آذار 2004.

نقول بأنهم تأثروا ويتأثرون سلباً وايجاباً لما يجري على الساحة السورية، على الرغم من محاولة النظام تحييد الكورد والمكونات الأخرى من غير العرب السنة من هذا الصراع.
 إذا أن الساحة الكردية (السورية) لا زالت لتاريخه بمنأى عن بطش النظام وقنابل طائراته وصواريخه البعيدة المدى، وتنعم بهدوء نسبي، بعد أن سلم النظام بعض مقرات أجهزته الأمنية والإدارية المعروفة إلى أنصار (حليفهم) القديم – الجديد حزب العمال الكردستاني وجناحهم الكردي السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي بدوره يحاول القيام بمهمتين: الأولى: الوقوف في وجه الحراك الكردي الشبابي والجماهيري الموجه ضد نظام الاستبداد وعائلة آل الأسد.

فكم من مرة اعتدت المليشيات الملثمة، وغير الملثمة العائدة لهذا الحزب على جموع المتظاهرين الكورد في مناطق عفرين وغيرها.

والثانية: تكرار ما عجز عن تحقيقه في جنوب كوردستان ربيع عام 1992؛ عندما حاول يائساً استغلال الفراغ الحاصل هناك نتيجة انسحاب المؤسسات المدنية والإدارية والعسكرية للنظام العراقي آنذاك في كوردستان، وكان من نتيجة خطوته الغير مدروسة وتهوره أن وقع اقتتال كردي – كردي راحت ضحيته المئات من القتلى، وجرى في النهاية أزيال الهزيمة، لأن الأطراف المتواجدة على ساحة جنوب كوردستان، ونعني هنا حزبا الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، تمتلك خبرة وقوة عسكرية منذ عشرات السنين، وقدمت عشرات الألوف من الشهداء على مدى العقود الماضية، وبالتالي ليس من المعقول والمنطقي أن يأتي طرف – وان كان كردياً – من خارج الساحة ويحاول السطو على ثمرة تضحياتهم الجسام.

إن الطامة الكبرى في سلوك ونهج هذا الحزب منذ تأسيسه هي محاولاته المتكررة السيطرة والاستفراد بالساحة الكردستانية.

فشن حرباً كردية – كردية في شمال كوردستان منذ الأيام الأولى من تأسيسه ضد الفصائل الكردستانية هناك (KOK, DDQD, RIZGARÎ,…) ونجح في شرزمتها.

ثم اتبع نفس السلوك والسياسة في غرب كوردستان أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، فاغتال العديد من مناضلي وكوادر الحركة التحررية الكوردية، واعتدى بالضرب المبرح على العشرات الآخرين.

وفي النهاية رضخت لهم الحركة بحكم ضعفها وتشرزمها، وأنها لم تكن مؤمنة ومهيأة أصلاً بحمل السلاح، فهي ترى في النضال السلمي السياسي السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق الكوردية.

ثم ذهب هذا الحزب (الكردستاني) إلى جنوب كوردستان وحاول، إلا أنه فشل هناك كما أشرنا في البداية.

وبعده اعتقل زعيمه عبد الله أوجلان، فهدأت الساحة الكوردستانية قليلاً من أعمالهم وممارساتهم المشبوهة.
  اليوم، بعد بضعة أعوام تعود الحليمة الكردية إلى عادتها القديمة في غرب كوردستان، فيتهمون كل طرف وشخصية يخالفهم الرأي، ويقف في وجه ديكتاتوريتهم، بالخيانة وبالارتباط بالعدو والأردوغانية، – تماماً كما فعل ويفعل البعث في اتهام كل وطني سوري بالخيانة والارتباط بالخارج -.

ففي الوقت الذي دعى فيه زعيم الحزب عبد الله أوجلان في كلمته اليوم بأن: ((هذه مرحلة جديدة يجب أن تتراجع فيها البنادق وتتقدم فيها السياسة…)) نراهم يشهرون ويُصوبون أفواه بنادقهم في غرب كوردستان باتجاه صدور أبناء جلدتهم سعياً لنشر الرعب والخوف.

وفي الوقت الذي يجري هذا الحزب لقاءات وحوارات سرية وعلنية منذ فترة ليست بقريبة مع النظام والميت التركي.

وفي الوقت الذي يقيم فيه حواجز، ودوريات مشتركة مع الجيش السوري الحر وجبهة النصرة في منطقة رأس العين والدرباسية وغيرها من المناطق الكردية ويبرم معها الاتفاقات، بينما لا يسمح لبعض الفصائل الكردية بحمل السلاح لحماية أهالي المنطقة.

ليس هذا فحسب، بل أصبحت الاعتداءات وعمليات الخطف والتهديد والقتل؛ كما جرى مؤخراً الاعتداء على الكاتب والسياسي بير رستم في ناحية جنديرس، وخطف أحد شيوخ المناضلين في عفرين، المناضل المعروف جميل ايحو سيدو من قرية چقلمة – Çeqilme بناحية راجو منطقة عفرين (نزيل سجن ” قصر النهاية ” عام 1970 في العراق والآن سجون PYD-PKK “الكردستاني”) الذي يتجاوز عمره 80 عاماً، وأبنائه الدكتور لقمان، واستشهاد أحد أفراد عائلته على يد مليشياتهم، (كمثال من بين عشرات الأمثلة) مسلسلاً يومياً، وسياسة ممنهجة بات الكورد يستفيقون عليه، فيفتحون صفحات النت التي تتصدرها مثل هذه الأخبار، ولسان حالهم يقول: تُرى مَنْ هو المستهدف الجديد من ممارسات مليشيا هذا الحزب.

مما حدا ببعض الوطنيين الكورد اللجؤء إلى جنوب كوردستان هرباً منهم، وكنت قد التقيت ببعض هؤلاء في هولير في زيارتي الأخيرة إلى هناك.

وليت الأمر يقف هنا بل إن هذه المليشيات تقوم بدور حماية وحراسة عصابات الأجهزة الأمنية السورية التي اعتدت على كرامة وشرف الكورد لعقود طوال في بعض المدن والقرى الكردية.

وآخر ما ابتكرته هذه المليشيات هو الطلب من الشعب الكردي بضرورة الحصول على رخصة منها تسمح لهم القيام بأي نشاط أو حراك يُوَدون القيام به، بما في ذلك رخصة الاحتفال بالعيد القومي نوروز في سعي منهم لفرض سلطتهم الاستبدادية كأمر واقع.

  
 للأسف رغم زوال عصر الحزب الواحد والقائد الواحد، بدءأً من انهيار الأنظمة الشيوعية الشمولية الواحد وراء الآخر في أواخر القرن الماضي.

وحركة (الربيع العربي) وسقوط الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية الواحد وراء الآخر في منطقتنا، بدءاً من تونس، ومروراً بليبيا ومصر واليمن ووصولاً إلى سوريا، وبعد غد إلى….

نقول رغم كل هذه التغييرات الكبيرة لا زال قادة هذا الحزب يسعون بقوة السلاح الذي يملكونه من مخازن الأنظمة الغاصبة لكوردستان، ممارسة الارهاب لفرض نفسهم كبديل وحيد عن جميع فصائل حركة التحرر الكردية.

ربى سائل هنا يقول: إذا كان صحيحاً ما تذهب إليه، فما الذي يجبر هذا الحزب إلى الدخول في تحالف مع فصائل (المجلس الوطني الكردي) والهيئة المسماة بـ: (الهيئة الكردية العليا)؟.

جواباً عليهم أقول: لو لم يشعر هذا الحزب بأنه غير مرغوب به على الساحة الديبلوماسية الدولية لما دخل في هذا التحالف.

وأعتقد بأنه لولا المساعي الحميدة والمشكورة للكاك مسعود البارزاني رئيس جنوب كوردستان لانفجر منذ مدة اقتتال كردي – كردي في غرب كورستان.

والسؤال هنا إلى أين تتجه الأوضاع في غرب كوردستان؟ أنحن على أبواب اقتتال كردي – كردي (سوري) هذه المرة؟
 يقيناً إن الساحة الكردية تتحمل الجميع، وعلى مَنْ يدعي امتلاك قوة الحق، والحرص على المصلحة الكردية العليا أن لا يلجأ إلى استعمال العنف لفرض سياسته ومحاولة الغاء واقصاء الآخرين، بل إن هذه الثقافة هي لغة الضعفاء والمستبدين شئنا أم أبينا.

ومَنْ يدعي بأنه يمثل طموحات أوسع شرائح المجتمع الكردي وإرادتهم لا يلجأ بتاتاً لممارسة مثل هذه الأساليب التي أصبحت جزءاً من الماضي.

بل يلجأ إلى لغة العقل والاحتكام للحوار، لأن لا خاسر ولا منتصر في اقتتال الاخوة، بل الكل خاسر، وفي مقدمتهم الكورد وقضيتهم العادلة.

ولتكن التجارب المريرة لحروب الاقتتال الكردي – الكردي الماضية والتي شارك في بعضها هذا الحزب عبرة ودرساً لمن أراد العبر.

فالنظام السوري سيزول آجلاً أو عاجلاً، وستجرى الانتخابات، فمن سيفوز على الجميع احترام إرادة أغلبية الشعب.
 وهنا، ورغم أن (ب.

ك.

ك – ب.

ي.

د) يتحمل الجزء الأكبر مما وصلنا إليه، إلا أننا لا نبرئ قيادات الأطراف الكردية الأخرى، فهي بدورها تتحمل جزءاً من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في غرب كوردستان، خاصة الهاؤها في خلافاتها وصراعاتها، وحصر جل نشاطاتها باصدار البيانات الخلوية وعقد الاجتماعات هنا وهناك، وكذلك في محاولات جلب الجيش السوري الحر إلى مناطق غرب كوردستان، التي برأينا يجب (أي كوردستان) أن تبقى بمنأى عن وجود أية قوة من خارج أبناء منطقتها، وأن تكون حمايتها بيد قوات كردية مشكلة من أبنائها الغيارى على المصلحة الكردية العليا.


 وفي هذا السياق فإن صمت، لا بل الأصح تبرير (الهيئة الكردية العليا) وفصائل عدة في (المجلس الوطني الكردي) والكثير من (مستقليهما) لممارسات وجرائم (PYD) بحق مخالفيه من الكورد تحت حجج واهية، من قبيل؛ الحفاظ على السلم الأهلي، وعدم الانجرار والتمهيد لاقتتال كردي – كردي يسعى إليه النظام تبعث على الريبة والتساؤل عن جدوى وجود هذين الاطارين، والأهداف الحقيقية من وراء تشكيلهما!.

  
21/3/2013
* xani60@hotmail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…