نهاية الحزب الكردي التقليدي – 2

عدنان بدرالدين

كشفت فترة الأشهر الثلاثة التي تفصل هذه الكتابة عن جزئها الأول ، وببالغ الأسف ، عن صحة ماكنا ذهبنا إليه من أن الحزب الكردي التقليدي ، بمختلف توجهاته السياسية والعقائدية وأطره التنظيمية ، قد إستنفذ تماما مبررات إحتكاره للساحة السياسية الكردية في سورية.

لقد بات هذا الحزب ، أكثر من أي وقت مضى،  بنتيجة الأزمة الشاملة التي تعصف به من كافة الجوانب فكرا وتنظيما وقيادة ، وأيضا لواقع إفتقاره التام لأي برنامج واقعي يلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب الكردي في سورية وخاصه شرائحه الشابة المشبعة بالمعرفة العصرية وروح التحدي والمقاومة ،
 نقول أن هذا البناء الكردي المترهل بات يعيش في عزلة شبه تامة عن بيئته الحاضنة المفترضة، وأصبح بفعل عجزه المطلق عن تلبية متطلبات الحراك الثوري العام في البلاد ، وتردده المخجل بين الثورة ونظام القتل، وإتكاليته المطلقة على الخارج الكردستاني والدولي عبئا على الشعب الكردي، وإنقلب لذلك من أداة مفترضة لتحقيق حرية الشعب الكردي إلى عائق أمام طموحاته وأماله.

مجلس وطني كردي مشلول:
 كنا قد أشرنا منذ شهور عديدة إلى عدم فعالية مايسمى بالمجلس الوطني الكردي في سورية الذي يحمل منذ اليوم الأول لتأسيسه مبررات فشله.

فالأحزاب المؤلفة لهذا التحالف الإشكالي الذي يعد نسخة غير معدلة عن “مجموع الأحزاب الكردية” الذي ظهر في أوج إنتفاضة الشعب الكردي الباسلة في آذار من عام 2004 ضد سلطة الإستبداد الأسدية المقيتة ولعب دورا أساسيا في إخماد أهم وأعظم تحرك ثوري في كردستان الغربية..هذه الأحزاب لم يكن يجمعها في الواقع أي شيئ سوى فزعها من تداعيات الثورة السورية على موازيين القوى في المجتمع الكردي لصالح قوى جديدة أكثر جذرية وحيوية وديناميكية متمثلة  بالشباب الكردي ذو الثقافة العولمية المنفتحة على القيم البشرية الشاملة كالحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية رأت هذه الأحزاب فيها خطرا على سلطتها الوهمية.

لقد جعل المجلس الوطني الكردي ، بأغلبية تياراته المؤلفة إلا من رحم ربي ، نصب عينيه ، ومنذ الأيام الأولى للثورة السورية،  مناهضة الحراك الثوري الكردي تحت حجج وذرائع واهية ، وتمكن سواء عبر التسلل إلى صفوف هذا الحراك بهدف تخريبه من الداخل، أو من خلال تقديم الإغراءات المادية لبعض ضعاف النفوس فيه من إضعافه إلى حد كبير ، كما أن عمليات التصفية الجسدية الغامضة لبعض من أهم رموز الثورة في كردستان من أمثال الشهداء مشعل تمو ونصرالدين برهك وجوان قطنة ومحمود والي أصابت هذا الحراك الثوري المندفع في مقتل.

 ورغم أن هناك جدلا واسعا لايزال محتدما حول من يقف وراء هذه الجرائم البشعة، فإن الحركة السياسية الكردية التقليدية تتحمل بسلوكها المهادن عن عمد أو عن قلة حيلة بقسط لايستهان به من المسؤولية سواء عن هذه الجرائم أو عما سوى ذلك من أعمال بلطجة وتشبيح في كردستان الغربية.

 مفارقة الهيئة الكردية العليا:

لاأعتقد أن هناك عاقلا إنطلت عليه حيلة الهيئة الكردية العليا.

فهذه الهيئة الإشكالية طبخت على عجل في كردستان العراق بناء على إتفاق توصلت إليه قوى المركز الكردستاني متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني ، وهو إتفاق راعى بدقة مصالح قوى المركز هذه لكن دون أية مراعاة تذكر لمصالح الشعب الكردي في سورية أو الثورة السورية.

وكان من الواضح، ولايزال، أن هذا الإتفاق هو إجراء مرحلي بالنظر إلى أن الأطراف المشاركة في صياغته تختلف في تقييمها للأوضاع السياسية في المنطقة والعالم ، وخصوصا في تقييمها للثورة السورية ضد نظام الأسد الإبن.

الحزب الديمقراطي الكردستاني يؤيد بوضوح هذه الثورة ولايخفي إنحيازه إلى الشعب في ثورته ضد نظامه المستبد، في حين يتخذ الإتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني مواقف مشككة بالثورة وأكثر إنحيازا إلى النظام وحلفائه في إيران وروسيا بالفعل ، ولو أنهما يحاولان قولا تسويق خطاب إعلامي مغاير.

ويتجلى هذا الأمر في عمل الهيئة الكردية العليا إذ أن هناك تحالفا واضحا بين ممثلي مجلس غرب كردستان التابع لحزب العمال الكردستاني و ممثلي القوى والتيارات المحسوبة على الإتحاد الوطني الكردستاني داخل الهيئه الكردية العليا التي يتحكم فيها بصورة فعلية أنصار السيد عبدالله أوجلان في سورية مع تهميش شبه كامل للتيار المحسوب على رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني.

والواقع أن هذه الهيئة تحولت بفعل سياسة الهيمنة التي تمارسها المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني إلى مجرد أداة تقنين لسلطة الأمر الواقع القائمة على ممارسة القوة ضد الآخر المختلف، ومصادرة الحريات، وتكميم االأفواه، عبر إنتهاج سياسات الإختطاف والإعتقال التعسفي بحق نشطاء الثورة ، لابل الهجوم على القرى وقتل المواطنين الأبرياء كما حصل مؤخرا في قريتي برج عبدالو وباسوطة في عفرين، وكل هذه الأعمال بطبيعة الحال مدانة جملة وتفصيلا، لكن الغريب هو هذا التمسك اللامعقول بهذه الهيئة التي لم تقدم للشعب الكردي في سورية حتى تاريخه أي شيئ إيجابي على الإطلاق.

الإتحاد السياسي الكردي..أداء محبط للآمال:

جاء تأسيس الإتحاد السياسي الكردي المقرب من رئيس إقليم كردستان العرا ق السيد مسعود بارزاني قبل عدة أشهر لينعش الآمال بإمكانية تحريك المياه الراكدة في بحيرة السياسة الكردية.

فالأحزاب المشكلة لهذا التحالف السياسي كانت في الواقع تملك ، على الأقل آنذاك ،  الكثير من أوراق القوة التي كان من شأنها تغيير المشهد السياسي الكردي الراهن الذي تميزه السطوة الكاملة للجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني مدعومة فعليا من الجناح الموالي للإتحاد الوطني الكردستاني ، وقد كان الدعم الشعبي لهذه الأخيرة كانت قد تراجع كثيرا بسبب السياسات القمعية التي إنخرطت فيها قوات الحماية الشعبية الأوجلانية ضد جماهير شعبها الثائرة على نظام الإستبداد، علاوة على أن الشعب الكردي في سورية عموما يختزن ذكريات أليمة عن تاريخ أنصار السيد عبدالله أوجلان في سورية وتحالفهم المعروف مع نظام الأسد الإب في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم ومانتج عن ذلك من أزمه ثقة عميقة، وحذر شعبي شديد من مقاربة الحزب الكردستاني للوضع السوري .

الإتحاد السياسي كان أيضا بحكم موقعه وتوجهاته السياسية مؤهلا للعب دور دبلوماسي هام للغاية في تعريف القضية الكردية بالعالم الخارجي وهو أمر لايمكن للتيار الآخر فعله لإعتبارات تتعلق برؤية معظم دول العالم السلبي ، على الأقل الغربي منه ، للحركة الأوجلانية ، بما فيها تلك التي ثنشط في سورية ، وأخيرا وليس آخرا كان بإمكانه إحداث إنعطافة حقيقية ، ولو متأخرة ، في مسار الحركة الكردية في سورية من خلال الإنضمام الفعلي إلى ركب الثورة السورية وأطارها السياسي الأوسع الذي يحظى بإعتراف دولي واسع ، ونقصد به الإئتلاف الوطني السوري ، رغم مآخذنا الكثيرة عليه ، وذلك لأن الكرد لايمكن ولايجوز أن يستمروا في لعب دور المتفرج في الصراع الدموي الذي يدور رحاه بين الشعب السوري بأغلبيته الساحقة وبين نظام قمعي دموي إستبدادي ، عانوا منه هم بالذات أكثر من أي مكون سوري آخر ، ماعانوا من ظلم وإضطهاد مقيتين ، ومن حيث أنه ليس هناك ، من حيث المبدأ ، أي مجال للحياد عندما يدور الحديث عن الثورة وجلادييها ، علاوة على أن عدم وجود الكرد في أطر المعارضة السورية الحقيقية وعدم وجود تحرك كردي مستقل في المحافل الدولية المهمة يلحق أبلغ الضرر بقضيتنا.
لقد كان أمام الإتحاد السياسي الكردي ، ولايزال ، مهمة إنقاذ الشعب الكردي من سياسة كارثية باتت تشكل خطرا فعليا على مستقبله في سورية مابعد الأسد ، وهي قادمة طال الوقت أم قصر ، رغم أن بعض الكرد راهنوا ، ومازالوا يراهنون على أن بإمكان حلفاء النظام في روسيا وإيران إنقاذه بشكل ما من عملية السقوط الحتمي ، وهو وهم خطير سيدفع شعبنا ثمنه غاليا.

فلم يعد خافيا أن معظم فصائل المعارضة السورية الحقيقية ، والأخطر من ذلك ، شرائح مهمة من العرب السوريين ، باتت تصنف الكرد في خانة “أصدقاء النظام” ، وهو ما قد يفضي لاحقا إلى صراع كردي – عربي سيخسر فيه الطرفان ولن يستفيد منه سوى أعداء الكرد والعرب والديمقراطية على حد سواء.

لكن الواقع ، وبصراحة شديدة ، أن أداء الإتحاد السياسي حتى الآن هو أداء ضعيف ومحبط للآمال ، فهو بحكم تركيبته السياسية التقليدية غير قادر على إتخاذ قرارت حاسمة في الوقت المناسب ، ناهيك عن سيطرة العقلية الحزبية الضيقة على أداء معظم أطرافه ، بالإضافة إلى إنتهاجه لخطاب سياسي متناقض ، فهو من جهة يطرح نفسه ، وإن مواربة ، كبديل عن الخط الحالي السائد في الحركة السياسيه الكردية ، لكنه يراهن في الوقت ذاته على إنتمائة ، لابل تمسكه ، بالعمل في صفوف كل من المجلس الوطني الكردي والهيئة الكردية العليا اللتان تقفان في الواقع في أساس الأزمة القائمة.

على الإتحاد السياسي الكردي ، إن كان يريد فعلا ، أن يقوم بدوره التاريخي المنتظر ، ويفند طرحنا في موت الحزب التقليدي الكردي ، أو في أحسن الأحوال وجوده في حالة الموت السريري ، أن يبادر فورا إلى الإنسحاب من كل من المجلس الوطني الكردي والهيئة الكردية العليا وأن يكف عن محاولة بث الحياة في إتفاقية هولير التي ولدت ميتة أساسا ، مع إحترامنا الشديد لجهود الرئيس مسعود بارزاني في هذا المجال ، وأن يطرح بوضوح وشفافية تصوره للحالة الراهنة وللمستقبل ، وأن يتجاوز حالة المحاصصة الحزبية إلى الإنفتاح الحقيقي على الشعب الكردي بأوسع شرائحه وخاصة الشباب والنساء والمثقفين ، وأن يباشر في تأسيس قوات حماية كردية حقيقية تدين بولاءها أولا وأخير للشعب الكردي في سورية وللثورة السورية المجيدة وتعمل بتنسيق وتعاون مع الجيش السوري الحر على أن تكون مسؤوليتها الرئيسية حماية المناطق الكردية كجزء من سورية الوطن الذي يفتح ذراعيه للجميع ، وحينذاك فقط ستكون هناك إمكانية لتأسيس وحدة كردية حقيقة قائمة على توازن قوى حقيقي ، فكردستان الغربية تتسع للجميع إذا خلصت النوايا ، وإتحاد سياسي كردي قوي لايجب ولا يجوز طبعا أن يدخل في صراع مع القوى الأخرى الموجودة على الساحة مثل مجلس غرب كردستان مثلا  بل يجب أن يكون منافسا لها في تقديم مايراه الأفضل لخدمة الشعب الكردي وترك المجال للشعب في إختيار مايراه هو الأفضل والأجدر لتحمل وزر مسؤولية تمثليه في إنتخابات ديمقراطية شفافه ونزيهة ، أما الإستمرار في سياسة شراء الوقت وإنتظار حصول معجزة سماوية ما تقلب الرياح على ما تشتهي السفن فهو رهان خاسر ، ويثبت بشكل لامراء فيه على أن الحزب الكردي التقليدي أصبح فعلا في عداد الموتى ، ولن تقوم له قائمة بعد اليوم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…