الخطاب الكوردي المبتور (1/2)

شفان ابراهيم

لم يشهد تاريخ الكورد وعلى وجه الخصوص في سوريا, أن اتفقت الأطراف السياسية الكوردية على خطاب موحد, سواء أكان من ناحية التعاطي مع الشأن الكوردي في اللوحة الوطنية السورية, أو من خلال التعامل مع البعد الإقليمي للقضية الكوردية ومدى الاستفادة من التجربة الفريدة من نوعها في كوردستان العراق, ولا حتى على الصعيد الدولي وآلية إيصال القضية الكوردية للمحافل الدولية…
الكورد وعقدة تفاقم الأنا الحزبية

لم يشهد تاريخ الحركة الكوردية انشقاق أو تشكيل أي حزب جديد على أسس منهجية وعلمية ووفق أساليب وأدوات مختلفة تكون مخرجات العملية السياسية فيها مختلفة عن غيرها سواء المنشقة عنها أو المتشكلة جديداً, بل كانت في جل الحالات انشقاقات نتيجة خلافات شخصية أو نتائج انتخابية لا ترضي طموحات بعض الأطراف التي لا تقبل بأقل من (كرسي فخامة السكرتير),
 والسؤال الأبرز الذي لن يجيب عليه أحداً منهم: كيف لهؤلاء أن يقتنعوا بضرورة تغيير النظام وهم أصلا غير مقتنعون بضرورة تجديد الحالة الحزبية, ومنها ينشق –على اعتبارنا نتحدث عن حالة الانشقاق- السؤال الأخر كيف لمن لا يؤمن بالديمقراطية أن يتقبل فكرة الديمقراطية التي يدعوا إليها الجيل الشاب, وكيف لمن لا يرضى بنتائج انتخابات الكونفرانسات والمؤتمرات الحزبية, أن يرضى بحالة صحية, سوية, ديمقراطية, تنتشر اليوم, ومن جهة أخرى فإن تضخم الأنا الحزبية إلى حد التهاب العقل الباطني لهؤلاء قد أوصل بالحالة الكوردية إلى أسوء حالاتها, فمنذ انطلاقة الثورة السورية – ولنكتفي بهذه الفترة كي لا ننشر الفترة السوداوية القديمة- وإلى هذه اللحظة والحركة الكوردية لم تتفق على أبسط المبادئ التي تحمي المنطقة الكوردية, وما مرد عدم الاتفاق هذا إلا إلى تفشي ظاهرة ” حزبي وأنا ومن بعدنا الطوفان”.

 إن مطالبة جميع الأحزاب بضرورة تواجد عناصرهم في جميع اللجان تعتبر من المعوقات الأكبر والأكثر فظاظة والأكثر إعاقة لعمل المجلس, والمصيبة الأكبر هي أن أغلب الأحزاب المتواجدة في المجلس لا تمتلك لا قواعد ولا أعضاء ولا شباب ولا عدداً مناسباً من المنتسبين… وبقية الرواية وآلية العمل أتركها للكوردي الذي زُرعت المسكنة في قلبه مكان الرجولة والبطولة.

هل يعقل أن يكون الشعب الكوري كله حاكماً ومحكوماً, أليست عملية التمثيل النيابي عبر الانتخابات خير وسيلة للخروج من المآزق والعراقيل التي توضع أمام عجلة تطوير وتفعيل المجلس,أم أن هؤلاء لا يرضون بنتائج الانتخابات ما لم تكن على مقاسهم….

الهيئة الكورية العليا ( 1و2)
تشكلت الهيئة الكوردية العليا من جمع خمسة أعضاء ممثلين عن حزب واحد هو ( ب ي د) وخمسة أعضاء عن (16) حزباً, قيل وقتها أنها تشكلت لتسيير أمور المنطقة الكوردية من ( حماية, خدمات, طبابة, إغاثة, عمل…) و لعلها كانت أشبه بحكومة مؤقتة غير معلنة, لكن هل أنجز شيء واحد منها..الجواب ” لا, كلا, مستحيل, أبداً فحتى المعونات التي أرسلت من جانب فخامة الرئيس مسعود البرزاني, وتحديداً في مدينة قامشلو, لا يعلم أحداً كيف وزعت هذه المعونات, ووصلت الأمور لدرجة اتهام حكومة الإقليم للأحزاب الكوردية بالاختلاس؟؟!! إضافة إلى أن هذه الهيئة هي محتكرة في يد مجلس غرب كوردستان وحده, أما بقية الأعضاء فأغلبهم موجودون للموافقة على أي اقتراح أو قرار يصدره ممثلي ال ب ي د في الهيئة, أو يبقى البعض الأخر لا يستطيع عمل أي شيء إبان هذا التكتل الواضح, أما الهيئة الكوردية العليا المخفية وهي التي يمكن تسميتها ب ( الهيئة رقم 2) فهي متكونة من مجموعة من الأحزاب المنضوية تحت المجلس الوطني الكوردي لكنها تتكلم وتدافع عن مجلس غرب كوردستان أكثر من دفاع المجلس المذكور عن نفسه, لدرجة أن أغلب المقترحات والمداخلات التي تمت ليست سوى مداخلات وأفكار ومقترحات ال ( ب ي د) وبذلك قد اجتمعت هذه الأحزاب لتشكل معاً “حلفاً” ضد المحور الكوردي الغربي… ولعل النكتة السمجة التي أطلقها سكرتير أحد الأحزاب الكوردية التي لا يتعدى عدد أعضاء حزبه سوى (30) شخص مع الزيادة, حين قال على الكورد أن ينضموا لقوات الحماية الشعبية, فإنها لم تكن سوى محاولة الهروب للأمام لافتقاره للعناصر العسكرية إن طُلبت منه في قادمات الأيام, ولعدم تمكنه من الخروج من عباءة ال( أين أنا وحزبي في هذا المكتب؟) وأيضاً كانت محاولة التقرب من ( ب ي د) أكثر.

الأحزاب الكوردية المدافعة عن ( ب ي د)
مهما اختلفت التنظيمات والمسميات من ( ypg, pyd, pkk,) وغيرها من المسميات, فهؤلاء الذين قضوا في أية معركة كانت, إنما استشهدوا في سبيل مبادئهم وقناعاتهم, ولم يقدموا حياتهم فداءً لتلك الأحزاب التي تروج نفسها على حساب دماء هؤلاء الشباب الذين /كتلة المعطلين لأي قرار كوردي داخل المجلس الوطني الكوردي ما هي سوى نسخة معدلة عن المعارضة التي يتهمونها, وهذه الكتلة هي نفسها التي تتهم المعارضة وتقصي الكورد عن المشاركة في حوارات المعارضة عبر تعطيل أي قرار من شأنه الدخول مع المعارضة في جسد واحد

أزمة الخطاب الكوردي
لم يصدف أن يطالب شعب في كل أرجاء المعمورة بتوحد أطرافها السياسية إلا في المناطق الكوردية, وما مرد هذا إلا إلى العسف السياسي الذي تمارسه بعض الأحزاب الكورية علينا, ونتيجة الاستخفاف بعقول الشعب الكوردي, ومآل التشرذم الحاصل فينا, ولكن وبدلاً من تلبية رغبة الشارع الكوردي أصبحت اللوحة السياسية اليوم توضح أن الكورد باتوا مجلسين وهناك من ضمن المجلس الأول من هم يخضعن للمجلس الثاني, متماهين مع ذهنية الإنكار التي فرضت على الشعب الكوردي, لكن بنكه مختلفة, فنضال (50) عاماً –وهي الجمة التي تلطم فاه كل من يتكلم- سُخرت اليوم للنيل مِن مَن يفترض أنه الأخ والصديق والشريك والسند, وحتى هذه اللحظة لم تنجح الحركة الكوردية في إيصال مأساة الكورد كما يشتهي الكورد, أنما على الدوام دأبت على إيصال صوتنا إلى شريكنا, كما يشاء شريكنا, وما مرده سوى إلى الفوضى التي تعانيها الحالة السياسية الكوردية, ولو اجتهدت الأحزاب في المطالبة بالفدرالية كما تجتهد في محاربة بعضها البعض لما احتجنا أي وقت أخر للحصول على أي حق من حقوقنا.

واليوم وبعد دخولنا العام الثالث للثورة لا يزال الكورد مشتتين والفضل في ذلك إلى بعض رعاة الكورد في المجلس الكوردي, حتى هذه اللحظة لا ندري أن كنا في الثورة أو لا, أن كنا نناشد حقوقنا ولا نكترث بالآخر والشريك في الداخل السوري آم لا, لم يتحدد موقفنا بعد أن كنا ننظر للثورة عبر منظار الوضع الكوردي فقط, أم المنظار الوطني فقط, أم المنظار الكوردي والوطني والدولي معاً, حتى هذه اللحظة والهيئة الكوردية العليا لا تستطيع تنظيف شارع أضحى مرتعا لنقل الاوباء والأمراض وتفشي الصفار وغيرها, حتى هذه اللحظة والكورد لم يتفقوا ضمنيا على وحدة الخطاب والقرار والرغبات الكوردية, نحن ككورد سوريا ابتلانا الله بعقدة التغابي في السعي نحو المطالب الكوردية, وإن اختلفنا وان تناطحنا حتى هنا في قامشلو, لما ننقل غسيلنا المقرف إلى الخارج, لما لا نتعلم من تجربة كورد العراق في إقليم كوردستان العراق التحالف الكوردستاني والمعارضة غير متفقتين في حالة صحية, لكن في بغداد صوتهم واحد, إلا كورد سوريا ابتلاهم الله بشخصيات لا تجيد كتابة اسمها وأصبحت من قادة الحركة الكوردية وهم لا يمثلون حتى زوجاتهم, وما اجتماع باريس وتخبطهم في إيصال الصوت الكوردي الموحد إلا خير دليل على ذلك.
 أي قائد هو ذاك الذي لا يأتمر بكلمته أكثر من ( 3) أشخاص أن وجدا هذا العدد أصلا, من خلال مسيرة المجلس الوطني الكوردي لم يصد ف أن اتفق المجلس بجميع أعضائه على أي قرار كان وما أن يبدأ أحداً باللوم والعتاب على قد محبته كما يقال, حتى يبدأ الأيهمُ بسرد قصة الاجتماع على بلاطة واحدة وتحت سقف واحد في استخفاف متزايد بعقول الشباب الكوردي الطامح إلى العمل الجدي والابتعاد عن التلاعب بمصير البلد, وكأن اجتماعهم للعمل معاً يغدو منية علينا, أو كأن العشب الكوردي لا يعلم أن هناك من يتعمد تعطيل أي قرار من شأنه أن يجعل الكورد منخرطين مع المجتمع السوري.
للحديث تتمة…
Shivan46@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…