محاضرة حول تاريخ الشعوب في المنطقة للدكتور فاروق عباس

  سلمان بارودو

في إطار التعاون المشترك بين منظمة حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا “يكيتي” في مدينة القامشلي وبين عدد من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالشأن الوطني العام.
ألقى الدكتور فاروق عباس (الأستاذ في جامعة حلب) في أوائل شهر نيسان 2006 محاضرة قيمة وأكاديمية تحت عناوين التالية: ( مصادر كتابة التاريخ القديم – التاريخ السياسي والتاريخ الحضاري – مسميات ومصطلحات – عصر فجر السلالات – تبلور المفهوم الجغرافي ” سوبرتو” – شعوب الجبال “اللولوبيون، الكوتيون” – الحوريون ومملكة أوركيش – الميتانيون – الكاشيون – الميديون ).في البداية تم الترحيب بالحضور وبالمحاضر الدكتور فاروق عباس من قبل (bavê Helbest) مسؤول اللجنة الثقافية المنظمة لهذه المحاضرة, وبدوره رحب  الدكتور فاروق باللجنة المنظمة وبالحضور،حيث حضر هذه المحاضرة عدد من المثقفين والمهتمين بشأن التاريخ والأدب الكرديين.
هنا، لا بد من التأكيد، إن الحديث عن التاريخ يجب إعطاء اهتماماً خاصاً بالكتب والمصادر والمكتشفات التاريخية والوثائق المدونة بهذا الخصوص، فالوثيقة، الكلمة التي هي مادة المؤرخ تعني القول بان للتاريخ ركنين : مادة تقدمها الوثيقة, وذهن مؤرخ يتناول هذه المادة ويعالجها بوسائله وفق خطة يشيد عليها البناء.
ومن الوثائق أيضاً تلك المعالم الأثرية وتلك المباني التي واراها تراب الزمن ومنها كذلك الأحفورة وكل أثر خلفته الطبيعة في البيئة ومنها بطبيعة الحال كل ما تناقلته الالسنة وحفظته صدور الرجال كابراً عن كابر.
فالوثيقة إذاً هي كل أثر ورثناه عن الماضي يعين على كتابة التاريخ .

ولكن يبقى أن نقول إن الوثيقة لن تكون جديرة بأن تحمل هذه الصفة أو أن يلصق بها هذا الاسم وإنها لن تصبح فاعلة في صناعة التاريخ ما لم يعتمدها المؤرخ بعقله وحسه ودرايته , فالنقد الذي يمارسه المؤرخ على كل وثيقة خارجياً أو داخلياً سلباً أم إيجاباً هو الفيصل بين الوثيقة واللاوثيقة.
كما يجب أن لا ننسى الذاكرة، فإنها تشكل نوعاً من المعرفة التاريخية لم يعترف بها المؤرخون إلا منذ وقت قريب، بعد أن تطور ما يعرف اليوم بالتاريخ الشفهي الذي يقوم على تدوين وتسجيل ما يحفظه أشخاص يعبّرون عن ذاكرة الجماعة التي ينتمون إليها أو يحفظون وقائع شاهدوها أو توارثوها.
والواقع إن ذاكرة الفرد ليست شيئاً بالقياس إلى تاريخ الشعوب، لهذا فان الذاكرة الجماعية ليست ما يحفظه الفرد من أحداث شهدها أو سمعها عن آبائه وأجداده، إنما تتجسد في الطقوس والعادات والممارسات وأنواع المعاش التي تختزن طبقات متراكمة عبر العصور.

لهذا فان البحث في الذاكرة يبقى على علاقة محددة بعلم التاريخ، إذ إن دراسة الجماعات وعاداتها وحكاياتها تنتمي إلى مجال علمي آخر هو الانتروبولوجيا أو الأناسة.
وتبين من خلال محاضرته القيمة والأكاديمية بامتياز قد أولى الدكتور فاروق اهتماماً ملفتاً للنظر بالاعتماد على المصادر التاريخية والوثائق المدونة من قبل أخصائيين ومكتشفات أثرية ومخطوطات علمية.
إذ قال الدكتور: ( … حصلت تطورات تاريخية وسياسية مهمة في جنوب بلاد الرافدين ووسطها، إذ بدأ وجود الشعوب السامية يأخذ أبعاداً واضحة، وتجسد في قيام المملكة الأكدية ، على أنقاض الدويلات السومرية….

وفي سوريا كانت مملكة ماري، تسيطر على مناطق الفرات، ومملكة ايبلا، تمتد في مناطق الشمالية…..

في عهد نرام سين حفيد سرجون “شركين”، 2254 – 2218 ق.م، بدأت المدونات الأكدية، تتحدث عن الحوريين في بلاد سوبرتو، التي صارت ذات دلالة جغرافية أوسع حيث شملت – إضافة إلى “سوبرتو” الأصلية – مناطق دجلة العليا ( تركيا )، والجزيرة السورية، حتى الفرات، بل حتى غابة الأرز ( جبل الامانوس ) ، حيث ظهرت مملكة الحوريين في تل موزان القريبة من بلدة عامودا منذ بداية نشأتها وخاصة في الفترة الأخيرة، حيث يشكلون احدى القوى السياسية القوية في المنطقة….

تفيد وثائق عصر سلالة “أور” الثالثة 2112 – 2004 ق.م، بأن مناطق اقليم كردستان، كانت آنذاك مأهولة بسكان يتحدثون اللغة الحورية، وكان معظم حكام المدن هناك حوريين…..

من أقدم القبائل في كردستان العراق هي قبائل “لولو”.… أقدم نوتة موسيقية أكتشف في أوغاريت، عبارة عن “نشيد” هو ابتهال مكتوب بالكتابة المسمارية وبلغة حورية وهو عبارة عن ابتهال لامرأة لأنها لا تنجب).
لقد بذل الدكتور فاروق عباس في بحثه هذا، علماً أنه من صلب اختصاصه والذي عرف عنه اهتمامه الكبير بالوثائق واستعمالاتها جهدًا كبيراً ومثابرة تنم عن فهم كامل وتام لأهمية المصادر التاريخية والكتابات والوثائق المدونة بشكل صحيح وسليم خال من أي تشويه أو تحريف ومكانتها مما يدل على خبرته الواسعة في هذا المجال الذي يعمل فيه ومعرفته المنهجية التي تجعل من أبحاثه مرجعاً مهما لكل باحث في تاريخ المنطقة بشكل خاص.
حيث أغنى العديد من الحاضرين هذه المحاضرة بمداخلاتهم واستفساراتهم فيما يتعلق بمضمون المحاضرة، وكانت المحاضرة محط قبول وارتياح الحاضرين جميعاً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…

شكري بكر لا يزال موقف حزب العمال الكوردستاني غير واضح تماما من فحوى نداء أوجلان في تسليم السلاح وحل نفسه. هنا سؤال يطرح نفسه: هل رسالة أوجلان وجهها لحزب الاتحاد الديمقراطي في تسليم السلاح وحل نفسه؟الصفقات التي يقوم بها الـ PYD مع الشرع هنا وهناك دلالة للسير بهذا الاتجاه.أعتقد أن الـ PYD سيسلم سلاحه وحل نفسه عبر الإقدام على عقد…

صلاح بدرالدين   زكي الارسوزي من مواليد – اللاذقية – انتقل الى الاسكندرون لفترة طويلة ، ثم عاد يمتهن التدريس في دير الزور وحلب وغيرهما ، وله الدور الأبرز في انبثاق حزب البعث ، ومعلم الرواد الأوائل في هذا الحزب ، وقد طبع كتابه الموسوم ( الجمهورية المثلى ) في دار اليقظة العربية عام ١٩٦٥ ، وتضمن آراء ، وأفكار…