حتى لا تنكسر الآمال من جديد

روني علي

   قد يكون التقرب أو الاقتراب من مسارات ذاكرتنا المنسية أو المهمشة، حيال ما هو مترسخ في أطرنا الحزبية، والنبش فيها أو الوقوف عندها، هي المجازفة بعينها، خاصةً لو تعلق الأمر بنموذج وشكل بناء الهيكل، وكذلك آلية التفاعل داخل البيت الحزبي، وفيه مساس بأهل البيت، وتلك القامات التي نشاركها الموقف والرأي، ونعمل سوية تحت سقف ما ندعيه من برامج ومشاريع، إما رغبة منا أو رغماً عنا، لأن استحضار ذاكرتنا الخجولة بصدد الإجابة على ما يطرحه العقل الباطن فينا، حول كيفية الخروج من عنق الزجاجة، وطي صفحات التشرذم والحزيبات المتفقسة هنا وهناك، يضعنا وجهاً لوجه، أمام خيارات لا يمكن تجاهلها أو القفز من فوقها، وإلا سنكون مرةً أخرى أسيري الإرادة والإدارة المسلوبتين، بحكم ما هو ثابت في آليات العمل الحزبي من توازنات وحدود وخطوط حمر، تتصل بشكل أو بآخر بالمركز وركائزها، من أقطاب؛ واستقطاب حول شخصنة الحزب والموقف والقرار، بدءً من البناء / الانشقاق / وانتهاءً بالمشروع أو الهدف الذي نرنوا إليه ..

 والأكثر إيلاماً بالنسبة لنا، نحن الذين نحمل سلاح المعرفة عبر الكلمة، ونحاول بها أن نلامس المنطق في كل ما نرصده، أو نحاول توظيفه ضمن سياقاته الطبيعية، هي تلك التهم المسبقة الصنع، وتلك التأويلات التي قد تدغدغ طموحات أولئك المتعربشين على سلالم المواقع القيادية، بهدف تحييدنا عن دورنا، أو القيام بأداء رسالتنا تجاه قضية شعبنا ووطننا، كون الثقافة السائدة في الوسط الحزبي، ما تزال تحتفظ في آلياتها بمواقع متقدمة للمتصوفين، وتلفظ في الوقت نفسه الرأي المخالف، خاصةً إذا كان فيه مساس بالمراكز، أو كان فيه صياغة جديدة لمفاهيم المشيخات الحزبية، ومحاولة على طريق تعميم الحزب، وإخراجه من دائرة الاحتواء والاستلاب، دون أن نرتكن إلى المنطق نفسه، ونبحث عن الدافع والمصلحة في هذا الخيار الذي نسير باتجاهه، ودون أن نجتهد في عملية البحث والمقاربة بين هذه الأطر المتناثرة والقضية التي نحمل لوائها ..
   فالقضية الكردية بما هي قضية شعب لها مرتكزاتها، هي ليست حكراً على طرف دون آخر، وهي كذلك لا تتوقف في صيرورتها على وجود حزب أو عدمه، وإن كان الحزب ينبغي أن يشكل الأداة النضالية المنظمة، يهدف الارتقاء بآليات النضال من أجل هذه القضية، أما وان يكون الواقع الحزبي على ما هو عليه من تناحر وتشتت وفوضى في القرار والتقرير، أعتقد انه يشكل أداة عرقلة ولجم أمام تطلعات الشارع الكردي نحو التعبير عن إرادته، ومن هنا كان لا بد من إعادة النظر في هذا الواقع، وكان لا بد من مواجهة الحقائق بشيء من الجرأة والجسارة، لأن الإبقاء على الوضع القائم كما هو عليه، فيه هدر للطاقات، وفيه انكسار للآمال والطموحات..


   وإذا كان لنا أن نبحث عن الحقيقة، فلا حاجة لنا في تتبع افتتاحيات الجرائد الحزبية حول دعواتها التي تؤكد مراراً وتكراراً على ضرورة التغيير، ولا حاجة لنا في أن نستخلص من تجربة الحركة الحزبية الكردية من إفرازات وانكسارات، كما لا حاجة لنا في أن نطلق العنان لصوتنا المبحوح، ونقول مع ما يردده البعض – وهو محق– على أن الحركة الحزبية الكردية قد أفرزت نموذجين من الرؤية السياسية تجاه ما يجري وما هو مطلوب، بقدر حاجتنا إلى الوقوف والتوقف أمام ما هو مفروض علينا من أسئلة قد لا تنتهي، وقد تبدأ أولها بـ أين نحن من كل ما ندعيه من تغيير داخل الجسم الحزبي، كون الشكل هو هو، ومراكز القرار والتوازنات هي هي، ولا تغيير أو تغيير ..؟.

وإن شكلت بعض المبادرات الوحدوية بصيصاً من الأمل لدى قطاعات في الشارع الكردي، لكنها سرعان ما تحولت، كما هي واقع الحزيبات الكردية بمجموعها، إلى حالة إضافية من التوازنات والاصطفافات واقتسام الغنائم، وبالتالي ألقت بنتائجها على المقربين منها، من حيث البقاء في حالة اللااستقرار، والاستمرار ضمن دوامة القلق على المصير ..


   وحتى لا تؤَل المفردات بعيداً عن حقيقتها، وحتى لا نتلقى الكثير من التأويلا والتفسيرات، سأقول وأنا أحمل تداعيات القدر على كفي، مستنداً في ذلك على ما بقي في زوايا الضمير من بعض الروح وبعض النبضات، كفانا المزيد من الانكسار ونحن نكابد الفرقة من محطة إلى أخرى، ونعاني الانقسام والتشظي من وحدة إلى متناثرات، كما هو الحال عليه بالنسبة إلى من يطلقون على أنفسهم بالتيار القومي الكردي، هذا التيار الذي لم يخرج بعض من أجندة بعض المتنفذين والمستولين على الحزب والقرار..

وهم في ذلك يعيشون أوهام التاريخ، ويشاركون كل المركز الحزبي الكردي من الشمال إلى الجنوب، بمدلوله الفكري، الأنا المتضخمة ضمن دائرة المشيخة الحزبية، ولو أدى ذلك بالحزب كله إلى الهاوية، كما تظهر أولى ملامحها عند البعض من الذين نكن لهم كل الود والتقدير ..
  فالخروج من المأزق، على ما يبدو، لم يزل بعيد المنال، كون الذين يتبوءون القرار يدركون جيداً بأن تخليهم عن الموقع سيحلهم إلى تقاعد صامت، كونهم لم يتمكنوا من تحديد هوياتهم عبر بعد سياسي معرفي، وإنما كان الالتصاق بينهم وبين الموقع كما هو حال الجنين بالنسبة إلى المشيمة، إضافةً إلى إدراكهم بأنهم – ودائماً – يشكلون الأقلية في الحزب، وإن كانوا في مواقع متقدمة، وذلك بحكم التوازنات الضيقة، لأن القيادة الحزبية هي أقلية بالنسبة إلى الجسم الحزبي، لكنها مشروعة في الوجود بحكم إضفاء الشرعية عليها من قبل المحطات الحزبية، لكن الذين يقررون مصير الحزب ويتحكمون به، هم أقلية إضافية ضمن الأقلية في الهرم القيادي ..
 ومع كل الاحترام لما قدمتها هذه الفئة من تضحيات، وما ساهمت بها عبر مراحل مختلفة، أعتقد أنهم الآن يشكلون حالة معرقلة أمام تطور الحركة الكردية، بحكم سياسة التوازنات المتبعة في الجسم الحزبي من جهة، وما تطرأ على مفردات ثقافة المرحلة من خيارات مفتوحة تأبى الولاءات أو الاحتماء بعباءات معينة من جهة أخرى، وإذا ما امتلكوا بعضاً من الجرأة، فما عليهم سوى سلوك الفعل النضالي بالتنحي عن الموقع، ويقدموا بذلك دورساً في النبل والرجولة، وذلك حتى لا نكون مرةً أخرى أمام حالة جديدة من انكسار الآمال، وإلا فما على الذين يهدفون التغيير ويعملون من أجله، الدخول في إضراب مفتوح أمام الرأي العام، وخاصةً الكردي منه، مطالبين من خلاله أقطاب التوازنات والسلطة في الأحزاب التي هي موقع الرهان لدى الشارع الكردي إلى التنحي، عله يشكل بوابة إضافية على طريق التغيير في مفاهيم الشخصنة الحزبية .

   

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…