أجل يحتار الباحث المنصف عندما يطلب منه ذلك ، هل يصنف الدولة التركية مع الدول العلمانية أم يصنفها مع الدول الدينية ؟ هل يجعلها في عداد الدول الرأسمالية أم الاشتراكية ؟ هل يضعها في خانة دول الحداثة والمعاصرة ، أم في خانة الدول التقليدية المترهلة التي تجاوزها العصر ؟ هل هي دولة ديمقراطية كما يدعي ساستها وقادتها ؟ أم هي دولة إرهابية وبامتياز يمارس فيها الإرهاب المنظم من قبل القيمين على دفة الحكم فيها وفي مقدمتهم رئيس حكومتها السيد رجب طيب أردوغان ؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها علينا بإلحاح عندما نريد أن نصنف هذه الدولة ، وسوف لن نتوغل في التاريخ إلى الأعماق لنصل إلى قناعات معينة بهذا الصدد ، ويكفينا الملف الكردي المأساوي مع هذه الدولة التوتاليتارية وكيفية التعامل معه ، والانقلاب على الشعب الكردي دون مراعاة للاتفاقيات الموقعة شفهياً أو كتابياً ، والتنكر لكل القيم والمثل ولشركاء الأمس في الوطن التركي ، عندما استطاع الالتفافيون والمخادعون والمراوغون والمتنكرون للعهود والمواثيق المقطوعة لهذا الشعب الكردي الذي صدق وعودهم الزائفة .
لقد تصفحت بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتجولت بين مختلف القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت مختلف التسميات ، فلم أعثر حتى على إشارة ضمنية تسمح للسلطات التركية بقمع الاحتجاجات بهذا الشكل العنيف ، ومن ثم احتجاز جنازات الشهداء الكرد ، فكيف نصنف القائمين على شؤون هذه الدولة التي يحار المرء في تحديد هويتها .
لقد اعترف السيد اردوغان في وقت سابق من هذا العام ( بوجود مشكلة كردية في تركيا ، وتعهد بفتح صفحة أكثر ديمقراطية مع الكرد ، والمسألة الكردية في تركيا يمكن حلها بمزيد من الديمقراطية ) واستبشر شعبنا الكردي خيراً بهذه التصريحات ، وقيمها إيجابياً ، واعتبرها الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح سيما وأن السيد أردوغان يقود حزباً له خلفية إسلامية ( حزب العدالة والتنمية ) ولكن سرعان ما ظهرت الحقيقة جلية واضحة عندما تبين أن السيد اردوغان يحاول أن يصطف إلى جانب الدول العلمانية لكي يمرر لعبته المكشوفة للانضمام إلى نادي الدول المتحضرة في الاتحاد الأوربي ، ولكنه لم يستطع أن يتوارى أكثر من ذلك خلف هذه الشعارات المتهرئة ، والأجندات المصطنعة ، حيث ظهر على حقيقته وخلفيته التاريخية القائمة على قمع الشعب الكردي وبهذا الأسلوب الوحشي المتبع منذ عهد جده كمال أتاتورك ، عندما أطلق تصريحه الناري العنصري الذي تشتم منه رائحة البطش والتنكيل والدم ، فقد أباح لجيشه الجرار قتل النساء والأطفال والشيوخ بل قتل الجميع دون تمييز ( لا تميزوا بين طفل أو امرأة كردية ، أو شيخ اقتلوا الجميع ، ماذا يفعل الأطفال في التظاهرات ، مكانهم الحقيقي في منازلهم وليس في الشوارع والتظاهر ) .
كيف وأين نصنف من يحرض على قتل الأطفال والنساء ؟ ألم يتجاوز السيد أردوغان بهذا التصريح دهاقنة الإرهاب وعتاة الإرهابيين ؟ هل من حقه أن ينضم إلى الاتحاد الأوربي وهو صاحب هذه التصريحات العدوانية التي أظهرته على حقيقته ؟
فمازال هذا المتحضر ، العلماني ، المسلم ، الديمقراطي ، يحتجز جثث الضحايا من الأكراد ، ومازال يرفض النداءات الدولية التي وجهت له ، ومازال يتخبط في عنجهيته ويصر على المزيد من التحدي للمجتمع الدولي ، وقمع هذه الاحتجاجات والمظاهرات السلمية بالحديد والنار ، ضارباً عرض الحائط بقرار البرلمان التركي الأخير الذي دعا إلى الوحدة الوطنية .
ندعو السيد أردوغان المتشرنق خلف مرجعيات ومنطلقات عرقية وقوموية ، وشوفينية سلطوية ، أن يخرج من شرنقته ، ويخلع تلك الأثواب ليكون حيادياً وموضوعياً في معالجة هذا الحدث واتخاذ المواقف بشجاعة وجرأة ، فيودع كهوف الأسلاف وسراديب الماضي ، كما ندعوه إلى أن يحتكم للعقل والمنطق ، ويستوعب توجهات السياسة الدولية ، ويتجاوب مع رياح التغيير التي تهب على المنطقة فيبادر إلى فتح صفحة جديدة مع ممثلي الشعب الكردي في كردستان تركيا ، ويسارع إلى الحوار والحوار الصادق استجابة للمتغيرات التي عصفت بالمنطقة والعالم ، ويكف عن هذا العناد والسباحة بعكس التيار ، ويتجاوب مع استحقاقات الدخول إلى الاتحاد الأوربي بالإسراع إلى حل القضية الكردية في تركيا حلاً عادلاً ينسجم مع العصرنة وروح العصر وتوجهاته الديمقراطية .