المؤتمر الوطني الكردي والتوافقية

صبري رسول

تأخذُ المؤتمراتُ السياسية أهمية قصوى في حياة الشعوب وخاصة في المراحل الصعبة، بوصفها المحطة الزمنية لتقييم عملها في الفترات السابقة، وتقويم الخلل والثغرات التي ترافق أعمالها وتعيق تنفيذ خططها، إضافة إلى رسم سياساتها بما يتوافق مع المستجدات على الأرض مع أخذ مصالح الشعب بعين الاعتبار.

المؤتمر الوطني الكردي الثاني الذي انعقد في يومي العاشر والحادي عشر من هذا الشهر كان من أبرز المحطات السياسية في حياة الشعب الكردي في سوريا، في ظلّ مرحلةٍ حساسةٍ تُعَدُّ من أخطر المراحل التاريخية في تاريخ سوريا المعاصر، نتيجة اختيار النّظام الحلّ الأمني كأسلوبٍ وحيد في مواجهة الثورة الثورية الشعبية،  واستخدامه المفرط للقوة لقمع المظاهرات السلمية التي اجتاحت كلّ بقعة في سوريا.
ناقش المؤتمر العديد من المسائل المصيرية التي تهمّ وجود الشعب الكردي في سوريا، وتوحّد الخطاب السياسي في إطار رؤية كردية تجاه الأحداث، وعلاقات الكرد مع الآخرين.
ظهرت ثلاثة عوامل كانت بمثابة الصمّام للحفاظ على المؤتمر وإنجاحه:
الأول: الحرص الكبير الذي أبداه المُؤتمِرُون في الحفاظ على المجلس الوطني الكردي ككيان سياسي يمثّل الشريحة الواسعة للشعب الكردي، فرغم العدد الكبير للمُؤتمِرِين الذين يمثلون خمسة عشر حزباً وعدداً من تنسيقيات الحراك الشبابي والمستقلين والمرأة والرعيل الأول للشخصيات السياسية الكردية، كان الحرص والمسؤولية العالية سائدين على المناقشات.
الثاني: الهيئة الرئاسية للمؤتمر تميّزت بحنكة سياسية واضحة، وخبرة عملية ساعدتها على الخروج بسلاسة من الحدية التي كانت تظهر أحياناً أثناء المناقشات والمداخلات، وكثيراً ما تكون نجاحات المؤتمرات ثمرة من نجاحات الإدارة لها.
الثالث: غلبة الشفافية والوضوح في المواقف المطروحة، فكان ذلك عاملاً إضافياً لإيجاد الارتياح لدى المؤتمِرِين رغم التباينات السياسية التي كانت طاغية، والتجاذبات الشبيهة إلى لعبة شدّ الحبل، إلا إنّ إرادة إنجاح المؤتمر وعدم التفريط بالمجلس الوطني والإصرار على الخروج بموقفٍ موحّد يحافظ على هذا الكيان كانت أكبر وأعمق من مراهنة القراءات الخاطئة لطبيعة المرحلة.
هذه العوامل كانت مؤشراً سياسياً نوعياً على انتقال الكرد من السطحية وضيق الصّدر إلى الإحساس بالمسؤولية وتقبّل الآخر مهما كانت درجة الخلاف، ففي كثير من الجلسات ظهر المؤتمر كمجلس شعبٍ لدولة متحضّرة.


فالشعب الذي أنتج هذا الوعي السياسي جديرٌ بنيل حقوقه القومية في إطار دولة اتحادية ديمقراطية تتعايش فيها المكونات القومية والدينية كلُّ بأمنٍ وسلام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدر الدين تدعو الكاتبة سميرة المسالمة، في مقالها “مواطنون في دولة سورية… لا مكوّنات ولا أقليات” (“العربي الجديد”، 22/12/2025)، إلى “مجتمع من المواطنين… يتحرّرون من الإرث الثقيل الذي خلفه النظام الأسدي باستعادة دورهم ذواتاً فاعلةً، وبناء الثقة المتبادلة فيما بينهم، من خلال تعريف أنفسهم شعباً واحداً لا مكوّناتٍ ولا أقلياتٍ متفرّقة، وتعزيز هُويَّتهم مواطنين لا رعايا”. وتضيف: “فالجماعات الإثنية،…

صلاح عمر في لحظة يفترض أن تكون مكرّسة لرأب الصدع الوطني، وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد، يطلّ خطاب الكراهية من جديد، أكثر حدّة ووقاحة، موجّهًا هذه المرّة ضد الكورد في سوريا، كأن التاريخ لم يعلّم أصحابه شيئًا، وكأن البلاد لم تدفع بعدُ ما يكفي من الدم والخراب. هذا الخطاب ليس عابرًا، ولا مجرد انفعالات على منصات التواصل أو…

د. محمود عباس ما نشرته واشنطن بوست البارحة، 23/12/2025م، تحت عنوان (كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى عرقلة حكومتها الجديدة) لم يكن كشفًا صحفيًا، بل إعادة تدويرٍ لتهمةٍ قديمة تُستحضر كلما اقتربت لحظة تسوية كبرى على حساب الشعوب. التهمة الجاهزة، الكورد والدروز أدوات إسرائيل. والحقيقة الأوضح، لا وجود لعلاقة سرّية ولا مشروع تحالف خفي، بل هناك تهمة سياسية…

بنكين محمد في النزاعات المعقّدة، لا تقلّ خطورة الرواية عن الرصاصة، ولا يكون التلاعب بالصور والكلمات أقل فتكًا من القصف. ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة في التغطيات الصادرة عن بعض القنوات العربية الكبرى، وعلى رأسها #العربية و#الحدث و#الجزيرة، لا يمكن توصيفه بوصفه “اختلافًا في الزوايا”، بل انحرافًا سياسيًا وإعلاميًا عن معايير المهنية الدولية. لقد جرى تسويق رواية مضلِّلة تتهم الكرد…