شموع كردستان تتحدى زوابع الإرهاب

توفيق عبد المجيد

عندما تعرض الكاتب المصري نجيب محفوظ إلى محاولة اغتيال من قبل بعض الإرهابيين الذين تمترسوا خلف الدين ولبسوا عباءته قال (إذا كانت أمتنا تريد الحياة فيجب أن لا تسمح للإرهابيين بتحويل الكلمة الدينية الروحية والسمحة ، إلى خنجر مسموم) .
وفي نفس المجال قال الكاتب الفرنسي فولتير (إن من يقنعك بالترهات والأكاذيب ، يمكنه أن يقودك إلى ارتكاب أعمال القسوة والتوحش واللاإنسانية) .
فلو تصفحنا التاريخ الإنساني وعلى مختلف المراحل التي مر بها ، نجد أن التعاليم الدينية السماوية منها والأرضية كانت دائماً في خدمة الإنسان وإعلاء شأنه وتكريمه وتقديسه بعكس التعصب الديني الذي هو نتاج العقول المنغلقة والمقفلة لأشخاص تجاوزهم التاريخ فانقرضوا وتخشبوا ولكنهم يصارعون من أجل البقاء ويحملون أفكاراً لفظتها الأرض والسماء ، وأبت معاجم اللغة أن تدونها مع مفرداتها الحية لأنها تخالف الطبيعة والإنسانية ، ولا تعشعش إلا في تلافيف العقول الصدئة ، المريضة ، والمتحجرة ، والمتخشبة

ولأنها جاءت بالضد من إنسانية الإنسان ، وتحولت بالتدريج وعبر الممارسات الإرهابية إلى لعنة ونقمة على الإنسان ، كما تحول التعصب الديني الذي لم يستطع الخروج من أروقة الكهوف والمغاور المغلقة الظلماء إلى سيف مسلط على رقبة الإنسان يجزها وقتما يشاء ، لتمنح لممارسها مفاتيح الجنة يدخلها بأيدي ملطخة بالدم ويجتاز إليها طريقاً مفروشة بجماجم البشر ، وهل يدخل مثل هذه الجنة إلا المهووسون وأصحاب العاهات ومتلقو الفتاوى من المصابين بالأمراض العقلية وفقهاء الإرهاب ، ومن مروجي فتاوى القتل المجانية التي تمنح من أشخاص يختبؤون تحت عباءة الإسلام ، إلى شباب مغرر بهم ، ليتحولوا بالتدريج إلى أدوات (طيعة ومروضة ومنقادة لقادة الإرهاب وساسة الجريمة المنظمة) في غياب تام للعقل والمنطق وذلك بوأده وتخديره تاركين المجال مفتوحاً على مصراعيه أمام تشغيل العاطفة الهوجاء العمياء التي لم تؤهل إيجابياً فهمشت العقل ووضعته جانباً في زوايا النسيان والإهمال .
حول هؤلاء المتعطشون إلى الدماء البريئة ، الثقافة الإسلامية إلى ثقافة قتل وإرهاب وتصفية الآخر المختلف قومياً ودينياً عندما أطلقوا العنان دون كوابح أو روادع لفتاوى القتل وثقافة الإرهاب ، وأعطوا أنفسهم بالنيابة عن الخالق حق إزهاق الأرواح ومصادرة حياة الغير فتحولوا بهذه الأفكار البالية إلى حاضنة تغذي فكر الإرهاب وتنعش منطقه وتسلك شرعته عندما آزرتهم وروجت لأفكارهم بعض الفضائيات العربية التي لم تقصر في ترويج ثقافة الإرهاب والإرهابيين حيث منحتهم وبالمجان أوسمة المقاومة والمقاومين ، فساهمت هذه الفضائيات جنباً إلى جنب فقهاء الإرهاب بما بثته من سموم الحقد والكراهية في تحويل هذه الأدوات المأجورة إلى وحوش في صورة بشر ، وبرمجتهم على ممارسة القتل والذبح باسم الدين ، مستبيحة ومحللة تصفية الآخر المختلف باسم خرافة الرأي والرأي الآخر ، ومجسدة ثقافة التعصب للرأي الواحد الأوحد ، فاستطاعت اغتيال الآخر ورأيه المختلف بهذه الثقافة الإجرامية التي لا تكل عن ضخها بمناسبة وغير مناسبة ، ومن ثم شحن الشباب بها لينطلقوا دون وعي إلى تجسيد هذه الثقافة الإلغائية على أرض الواقع بالأجساد المفخخة التي تنحر الغير مستسيغة طعم الدم على مذبح دخول الجنة الموعودة وحجز أجنحة فيها .
لقد استطاع هذا الحقد الأعمى ، واستطاعت هذه الأفكار الظلامية المتخلفة ، أن تغتال كوكبة من خيرة أبناء الشعب الكردي في صبيحة عيد الأضحى عام 2004 في إقليم كردستان عندما كان هؤلاء الشهداء يحتفلون بعيد الأضحى ، ومما يحز في النفس أن أحداً من أبناء العالمين العربي والإسلامي لم يستنكر هذه الجريمة المروعة فقط لحدوثها في صبيحة عيد الأضحى بل أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى الآن على عملية إعدام المقبور صدام في صبيحة العيد .
سؤال نسأله بمرارة (للإسلامويين) ؟ أينما كانوا : لماذا لم تستنكروا هذه الجريمة الشنيعة بحق أناس مسالمين لا يبغون إلا العيش بشرف وكرامة على أرضهم التاريخية وفي بقعة لا تجاورها إلا دول عربية وأخرى إسلامية ؟ كما نحب أن نذكرهم بالمثل الفرنسي الذي يقول إن (الخشب الطري لايحترق في هدؤء) نعم فالشعب الكردي مسالم وهادئ ولكنه صعب على من يريد أن يناله ويغتاله غدراً ومن خلف الظهر .


أما إذا كان الأكرد لا يمتون إلى دينكم بصلة وهم من المجوس والزرادشتيين فنحن نعفيكم من الإجابة أيها الإسلامويون والعنصريون الشوفينيون ، فلستم وكلاء الدين الإسلامي على الأرض لتحددوا إسلامية هذا الشعب أو ذاك ، إذ من حقهم أن يبحثوا عن مستقبلهم ومستقبل أولادهم بالطريقة التي تؤمن لهم الكرامة والحياة الإنسانية الحرة ، وهم على استعداد للتضحية دوماً في سبيل شعبهم ، لأن هذه الكوكبة من الشهداء التي اغتيلت غدراً وخسة هم مشاعل النور للمستقبل وقد جسدت بشكل لا يدع مجالاً للشك مقولة (إذا أنت لم تحترق وأنا لم احترق فمن سيضيء لنا الطريق؟
يقول الرئيس ماوتسي تونغ في إحدى قصائده الشهيرة :
إن النملة تطاول السنديان , وتعطي نفسها هيأة الفيل … والزائلون المؤقّتون يضعون الخطط للإطاحة بالشجرة العملاقة ..البحار الأربعة ترتفع والغيوم والمياه تتزايد …لتكنيس كل الحشرات إن إرادة الشعوب لاتقهر…
نختتم هذه المقالة بقول قائد إسلامي دون تعليق عليه وهو يتحدث مع شخص لا يعتنق الإسلام مبيناً له أنهم لم يخرجوا من ديارهم غازين أو فاتحين لأجل المال عندما عرض عليه المال الكثير ليعود أدراجه من حيث أتى (‏انه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت ، غير إنا قوم نشرب الدماء ، وانه بلغنا أن لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لذلك‏) .

القامشلي في 2-2-2007

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…