عن « مواطنيتنا» الناقصة!!

عمر كوجري – دمشق- خاص

قبل أن تندلع القيامة السورية، ما كان أشد المتفائلين يتوقع في يوم من الأيام أن يستعيد الكرد السوريون لجنسيتهم التي سلبت منهم في بهيم ليل شوفيني بغيض استمر لعقود طويلة، فكلُّ من كان يقترب من تخوم وأسوار أصحاب القرار ورؤساء مكاتبهم كان دائماً يصطدم بجملة واحدة ووحيدة وهي أن موضوع ” تجنيس الأكراد للمناقشة، وعلى الطاولة، وهو في طريقه للحل أواخر العام الجاري أو أواخر الشهر الجاري.
 هكذا تتالت الوعود إلى أن قرر من هم أشجع من الكبار باللعب على الوتر النابض بقيامات الشعوب” وأعني أطفال درعا، ومعهم باقي أطفال سوريا” وحصل ما حصل، فأعطيت الجنسية السورية كصيغة تحييد” برطيل” المكون الكردي عما يجري في الشوارع والساحات السورية، وهذا ما لم ينجح بالتأكيد، فالشباب الكردي أعلن انضمامه وولاءه لصوت الشارع المنتفض والثائر دون هوادة.

تم ذلك على عجل كبير وبسرعة قياسية للكرد السوريين بموجب مرسوم جمهوري، كان أسهل بكثير مما كان متوقعاً منه كل هذا الضجيج والإنكار والتسويف، واستمرار آلام مئات الآلاف من الكرد السوريين لعقود عديدة، دون أن يرف جفن المسؤولين عن مستوى الحالة المزرية التي عاشها الكرد السوريون في ظل حجب جنسيتهم السورية التي سلبت منهم كما أسلفنا.
ولكن يبدو أن الكرد” المجنسين جدداً” مازالوا كما هم، لم يتغير بحالهم شيء، وهم وإن حصلوا على الهوية لكنهم في أروقة ودواوين الدولة ما زالوا أجانب بامتياز، والحوادث في هذا الجانب تتكرر يوماً إثر يوم، فإحدى قريباتي ذهبت لتسجل على مفاضلة الجامعة الخاصة للمتفوقين، والفوز بمقعد ” مجاني” مثلها مثل باقي السوريين، فاصطدمت بجدار أسمنتي مسلح وهو” أنك كردية أجنبية، ولا نقبل إلا الطلبة السوريين.
وحتى المسابقات الخجولة التي تعلن الدولة عنها تستثني الكرد الذين ” تجنّسوا” مؤخراً أي قبل عام ونيّف، فالشرط الأساسي في كل مسابقة أن يكون المتقدم للمسابقة سورياً منذ أكثر من خمس سنوات، وهذا مالا يتوفر في الكردي السوري” المواطن حديثاً” وكذلك لا يستثنى العمر في أية مسابقة وظيفية، وبهذا يحرم مئات وآلاف من أصحاب الشهادات من التقدم لأية وظيفة تحت يافطة أن أعمارهم غير مناسبة!!
على الصعيد الشخصي، ورغم أني حصلت منذ ما يزيد عن العام على جنسيتي السورية -مثلي مثل غيري من الكرد الذين جردوا من جنسيتهم لعقود من السنين، لكننا نحن” المجنسين الجدد” مازلنا في جميع دوائر الدولة« أجانب الحسكة»
فأكثر من مرة أصاب بصدمة ” أجنبيتي” رغم أني أحمل في جيبي الهوية السورية، وهي تشبه هويات باقي المواطنين السوريين على ما أظن وأخمّن.
فقبل أيام، ذهبت إلى مديرية السجل المدني في العاصمة من أجل استخراج ورقة إخراج قيد لابنتي، وذلك استكمال أوراق الصف التاسع والتقدم للامتحان النهائي، فما إن أعطيت الموظفة” النزقة” دفتر العائلة وبطاقة الهوية حتى صرخت بأعلى جعير صوتها والزبد يكاد أن يتطاير من فمها،: ياخي انتو أجانب الحسكة ليش ما بتستوعبو أنو شغلكم مو عندي؟؟ رووح على البناء التاني وباب” النافذة الواحدة..
هنا انصعقتُ، ولم أتحمل إهانتها، قلت: لا اا نحن مواطنون سوريون ومو بكيفك، لكان هاي دفتر العائلة، وبطاقة الهوية لمين؟؟ لابوك؟؟
مو مشكلة، طالما لساتنا أجانب، أنا صحفي سأكتب تحقيقاً بهذا الموضوع، طبعاً توقعت أن تعتذر مني، أو تخاف ..

تطلعت على الموظفة” الجعّارة..

الصرّاخة..
رأيتها تقرقع المتة، وتقمقش حطب، وتمز سيكارتها، وتندغم مع” زميلها” بالشغل دون أن تعيرني بالاً، أو تأكل همي.
المهم درت مئة وثمانين درجة من الجهة الثانية..

ولما رأيت الناس متجمهرة حول” النافذة الواحدة”..

قلت: هذه هي العقوبة لمن جنّس حديثاً… سألت أحدهم قال إنه في «حالة عسكرة» هنا منذ الساعة التاسعة صباحاً..

ولسسه ما أجا دوره!!
إذاً هل نحن أمام كذبة كبيرة صدقناها،  وبلعنا الطُّعمَ بكامل إرادتنا؟؟
نحن أجانب الحسكة..

المواطنين المستجدين..من الدرجة الثانية نسلّم عليكم أيها السوريون..

المواطنون الصالحون من” كل شكل ولون.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…