وبات واضحاً أن نفوذَ هذه الجماعات التكفيرية بدأ ينمو ويتسع في ظل استمرار دوامة العنف وارتكاب الجرائم من قبل قوات النظام ، مما يهدد مستقبل الثورة السورية والأمن والاستقرار في المنطقة.
هنا يظهر بوضوح كم هو ملحّ وضروري تسريع عملية تفاهم المجتمع الدولي على المرحلة المقبلة والانتقال السياسي للسلطة درءاً لحالات الانتقام والاحتراب واحتمال تفشي حربٍ طائفية بغيضة قد تودي بسوريا نحو الدمار وتتركَ ظلالاَ كئيبة وخانقة على شعوب ودول الجوار.
وعلى الجميع أن يدرك ويضع بالحسبان أنّ تعاظمَ دور ونفوذ قوى التطرف الديني المذهبي – على اختلاف لونياته – اليوم والتي تقلل المعارضة السورية من شأنها ويبالغ النظام في وجودها وتأثيرها، سوف يصبحُ في قادم الأيام وبالاً على الجميع وحجرة عثرة في طريق التطور وبناء سوريا جديدة .
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أجهزة النظام الأمني لا تزال تعمل وتبذل كل الجهود لمواصلة تفتيت الصف السوري عبر إثارة الشكوك وزرع النعرات المختلفة التي ترمي إلى إضعاف المعارضة الوطنية بشقيها السياسي والعسكري ، وتسعى للَّعب على حبال التفرقة القومية والطائفية وحتى بقايا الانتماءات العشائرية – العائلية في المجتمع ، حيث تجودُ بأموال طائلة على القائمين بتنفيذ برامجها ومخططاتها أفراداً كانت أم جماعاتٍ.
ومن جانب آخر ، لم يهدأ بالٌ للدولة التركية التي تتابع مجريات الثورة السورية عن كثب وتراقب تفاصيلَها ومساراتها وعلاقاتها، وتسعى ومنذ اليوم الأول لانطلاقتها إلى تمرير أجنداتها وخدمة مصالحها الضيقة ، ولم يرقْ لها أن ترى بعض المناطق الكردية تدارُ من قبل أهاليها في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من عمر البلاد ، فأقدمتْ على دفع البعض من المحسوبين على الثورة السورية لتنفيذ مخططٍ عدواني على مدينة رأس العين “سري كانيي” – محافظة الحسكة الحدودية وشعبها عبر هجوم غير مبرر لمجاميع مسلحة ( جبهة النصرة وغرباء الشام …) تجاوز عدد مسلحيها 1500 مقاتل ، وبدعم ومؤازرةٍ من رؤساء بعض العشائر وشخصياتٍ حاقدة على الوجود الكردي ، منتحلة اسم الجيش السوري الحرّ الذي تبرّأ منها عبر تصريح رسمي للمتحدث باسمه ، مما وفّر الذريعة ومهّد الطريق لإقدام السلطة – التي بات الانتقامُ من الشعب سمةً لها – على قصف تلك المدينة الآهلة بالسكان يوم 12/11/2012 بالطيران الحربي ، والتسبب بتهجير أكثر من عشرة آلاف مواطن وسقوط العشرات جرحى وضحايا شهداء من تلك المدينة ومن بينهم الشهيد عابد خليل رئيس المجلس المحلي لمجلس الشعب لغربي كردستان، وفتح الطريق أمام خلق فتنة قومية بين الكرد والعرب ودق إسفين بين مكونات المدينة والمحافظة .
في هذا السياق ، أصدرت الهيئة الكردية العليا بياناً إلى الرأي العام تدعو فيه الجماعات المسلحة إلى الانسحاب الفوري من المدينة لإعادة الحياة الاعتيادية إليها، إلا أن تلك الكتائب لا تزال تتواجد في المدينة وتلقى الإمدادات من الجانب التركي، ونؤكد مجدداً ضرورة تضافر كل الجهود في الداخل والخارج للضغط على هذه المجاميع المسلحة للانسحاب من المدينة الواعدة سري كانييه ، لأن في ذلك يكمن ألف باء الحرص على السلم الأهلي والتآخي العربي الكردي ووحدة الشعب السوري وصفه الوطني وسمعة ومستقبل ثورته الهادفة إلى تحقيق الحرية والكرامة وإنهاء الاستبداد ، وفيه أيضاً خدمة للوحدة الوطنية الحقيقية التي ستكون ضمانة لبناء سوريا الجديدة .
* جريدة الوحـدة – العدد / 232 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )