كيف السبيل لوأد الثورة المضادة

صلاح بدرالدين

   في شريط مصور وزع عبر – اليوتيوب – أعلنت سبعة مجموعات مسلحة تنتمي لجماعات الاسلام السياسي وأبرزها ” لواء التوحيد ” المعروف بتابعيته لحركة الاخوان المسلمين السورية ومن أحد مراكزه في مدينة حلب عن اتفاقها على تأسيس دولة اسلامية ورفضها لقيام ” الائتلاف الوطني ” وجميع المشاريع الخارجية التي يراد فرضها على الداخل.
  وفي تقييم سريع لهذا الاعلان الديني – المذهبي الذي يتنافى مع مبادىء الثورة السورية الوطنية الديموقراطية بل يجسد الردة الظلامية في درب كفاحها وطريق انتصارها القريب ويناقض كل الأعراف والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع السوري المتعدد الأقوام والديانات والمذاهب منذ ماقبل الاستقلال وحتى الآن بل يتناغم فعليا مع نهج نظام الاستبداد الطائفي التقسيمي البغيض الذي يعيش أنفاسه الأخيرة ويمده بشحنة من الدعم المعنوي ليعيث قتلا وتدميرا في المناطق والمدن والبلدات.

  ان الأسماء والألقاب المتعددة الموقعة على الاعلان تعجز عن اخفاء حقيقة الفاعل الرئيسي والوحيد وهو جماعة الاخوان التي كشرت عن أنيابها في منتصف الطريق وأرادت استباق الزمن للأسباب التالية :
 أولا – أن جماعة الاخوان المسلمين التي تصدرت قيادة ” المجلس الوطني السوري ” منذ اعلانه وهيمنت على مقدراته بدعم مباشر من نظامي تركيا وقطر الراعيين الرئيسيين لمشروع سيطرة الاسلام السياسي على بلدان المنطقة عبر حرف ثورات الربيع عن نهجها الوطني الديموطراقي وازاحة القوى الشبابية والسياسية المتحررة والعلمانية والليبرالية التي أشعلت الانتفاضات الثورية عن مراكز القيادة والقرار وتمكنت الجماعة في تسلطها من استغلال امكانيات المجلس لمصلحة أجندتها الخاصة فعمدت الى اقامة وتنظيم وتدريب وتسليح وتمويل ألوية وكتائب مسلحة تابعة لها مثل ” لواء التوحيد ” في حلب وغيره في حماة وحمص وريف دمشق ودرعا على وجه الخصوص وتزويدها بكل المقومات على حساب كتائب الجيش الحر ومجاميع الشباب الثائر بل من أجل الوقوف بوجهها اذا دعت الحاجة .
  ثانيا – بعد لي أيادي ممثلي الجماعة وتوجيه الصفعة الى قيادة المجلس من ممثلي الاخوان وأزلامهم وتخفيض سقف الهيمنة الاخوانية وليس الغاؤها في قيادة ” الائتلاف الوطني ” الذي ورث المجلس في تصدره الخارجي لمشهد لمعارضات نتيجة ضغوط هائلة من الغرب وخاصة الادارة الأمريكية وغصبا عن الرغبات التركية والقطرية جاء اعلان حلب الاسلامي السياسي المذهبي الأصولي بمثابة رفض لماحدث وتنديد لنتائج اجتماعات دوحة قطر .
  ثالثا – ليست مصادفة أن اعلان لواء التوحيد الاخواني المشؤوم جاء عشية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري والموافقة على مد الثوار بالسلاح بغض النظر عن أبعاد وأهمية تلك الاعترافات ومردوداتها على صمود شعبنا وثورته وذلك من أجل حرمان الائتلاف الوليد من تلك الفرصة السانحة .
  رابعا – كما لايمكن على أي حال فصل توقيت هذا الاعلان المشؤوم عن الحركات المريبة لحكومات تركيا وقطر وتونس ومصر وجماعات الاسلام السياسي وخاصة حركات الاخوان المسلمين ومحاولاتها المدروسة لاستثمار دماء الغزاويين والغزاويات من شعب فلسطين المناضل من أجل حقه في تقرير المصير ومواجهته العدوان الاسرائيلي لمصلحة عقيدتهم وآيديولوجتهم واظهار أنفسهم كحماة للقضية الفلسطينية المشروعة وبسط نفوذهم في أرجاء المنطقة وتثبيت الهلال الاخواني حتى لو كلف ذلك اهراق الدماء البريئة .
  خامسا – الاعلان المشؤوم فصل من المخطط الأشمل لخنق الثورة السورية وضرب الداخل الثوري الوطني المتمسك بالثوابت المبدئية وبوحدة الشعب السوري وصيانة عيشه المشترك وشراكة مكوناته الوطنية ومحاولة زعزعة الوحدة الوطنية واثارة النعرات العنصرية بين الكرد والعرب كما حدث في سري كاني – رأس العين – بمحافظة الحسكة ومساهمة في تشويه صورة الثورة الى جانب من استغل أحداث غزة لحرف الأنظار عن محنة السوريين واخفاء جرائم النظام ومن شوه صورة المعارضة في مؤتمر طهران .

  على الداخل الثوري من حراك وتنسيقيات وجيش حر وجماهير شعبية مشاركة بالثورة ومساندة لها وعلى جميع أطياف المعارضة السياسية في الداخل والخارج الملتزمة بالثورة  وأهدافها أن تعمل سوية على تطويق الردة المضادة التي تحدث الآن في قلب الثورة السورية وخنقها بالمهد والخطوة الأولى كما أرى هي الاسراع في توحيد صفوف الجيش الوطني الحر وكل قوى الحراك الحريصة على مبادىء الثورة والقيم الديموقراطية والمطالبة بتجميد عضوية ممثلي الاخوان المسلمين في المجلس والائتلاف وفي كافة المواقع بالداخل الى حين التنديد بالاعلان والاعتذار للشعب السوري علنا والمطالبة أيضا بعدم تدخل حكومتي تركيا وقطر بشؤون الثورة السورية ووقف الدعم المالي والاعلامي لجماعات الاسلام السياسي ورأس حربته الاخوان المسلمون بل استخدامهما اذا شاءتا لمصلحة الثورة والمشردين والنازحين ولايفوتنا هنا أن نجدد مرة أخرى على ضرورة مساءلة بعض الأفراد المحسوبين على الليبراليين واليسار ( وهم معروفون ) الذين ساروا في ركاب الاخوان المسلمين وكانوا سندا لهم في الاستيلاء على مقدرات المجلس الوطني السوري بداية تأسيسه وابعاد المناضلين ذوي الكفاءة وذلك سعيا وراء مصالح ذاتية خاصة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…