الإنتخابات الأمريكية و سيناريوهات الحسم في سوريا

  زيور العمر

كل المتابعين و المعنيين بالقضية السورية، باتوا يدركون الآن، أن حسم الصراع الدائر في سوريا منذ ما يقرب من عشرين شهرا، مؤجل الى ما بعد إنتهاء الانتخابات الرئاسية الامريكية، و أن مسار حسمه، رهن بالقرار الذي ستتخذه الإدارة الجديدة في واشنطن، سواء بقي باراك أوباما أربع سنوات أخرى، أو أصبح المرشح الجمهوري ميت رومني الرئيس الجديد في البيت الأبيض.

في كلتا الحالتين، سيمتلك الرئيس الأمريكي، أيا كان، الهامش الزمن الكافي لإتخاذ موقف نهائي من الأزمة.

و بالرغم من أن الرئيس الأمريكي، بعد الانتخابات، ستكون أمامه جملة من الخيارات، لإتخاذ موقف نهائي من الأزمة السورية، إلا أن هناك شبه إجماع على أن بقاء بشار الاسد في سدة الحكم، لن يكون من بين تلك الخيارات.
 فالرئيس السوري بعد كل ما إرتكبه من جرائم بحق شعبه، و تدمير لبلده ، لم يعد بإمكانه البقاء و الاستمرار، في ظل إجماع وطني و إقليمي و دولي، على أنه فقد الأهلية و الشرعية، علما أن هذا الموقف، الذي لم يتردد المجتمع الدولي في التعبير عنه، مذ أن قرر الأسد معالجة أزمة بلاده بالحل الأمني و العسكري، لم يتطور في مسار، يفضي الى إجبار بشار الاسد على التنحي أو الرحيل عن السلطة، على غرار بعض بلدان الربيع العربي، و كان جليا أن الإدارة الامريكية، إلى الآن، على الأقل، ليست بصدد إستعمال القوة العسكرية، للمساعدة على إسقاطه، على غرار ليبيا تحت حكم العقيد معمر القذافي.

و مع ذلك، ورغم عدم وضوح الرؤية حول الموقف الأمريكي، و السيناريوهات المحتملة، التي من الممكن أن يرتكن إليها الإدارة الامريكية القادمة، إلا أن الموقف الذي عبرت عنه هيلاري كلينتون قبل عدة أيام، بشأن المجلس الوطني السوري، و عدم شرعيته في تمثيل المعارضة السورية، يشير إلى موقف أمريكي، في طور التشكل و التبلور تدريجيا، سيعلن عنه بشكل نهائي، بعد أن تتضح هوية الإدارة القادمة، و الرئيس الجديد لأمريكا.


فحسب نتائج إجتماع عمان، و الحوار الذي دار حول إيجاد بديل للمجلس الوطني السوري، تم الإتفاق على هيئة سياسية جديدة، قوامها ٥٠ شخصية معارضة، تمهيدا لعرض ما تم الاتفاق عليه، على الإجتماع الموسع للمعارضة السورية في الدوحة في ٨ نوفمبر الحالي، في ظل تسريبات واضحة، أكدتها شخصيات مهمة في المجلس الوطني، أشارت الى ضغوط تمارسها إدارة الرئيس باراك أوباما على قطر، من أجل حثها على إقناع قيادة المجلس الوطني، لقبول مظلة سياسية جديدة، تضم ممثلي كافة أطياف المعارضة السورية، في الداخل و الخارج ، تكون بمثابة الغطاء السياسي لحكومة إنتقالية برئاسة رياض سيف.

و بدا، بعد معرفة هوية أغلب من حضروا إجتماع عمان، أن واشنطن تسعى بخطوات حثيثة، لدعم شخصيات و قوى علمانية و ليبرالية في المعارضة السورية، و هو ما شعر به جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت ممثلة في إجتماع عمان، بشخص مراقبه السابق صدر الدين بيانوني، عندما أصدرت بيانا عبرت فيه، عن  تحفظاتها و ملاحظاتها، حول قلة الشخصيات الإسلامية في التركيبة السياسية المقترحة.


و في عودة الى مناقشة السيناريوهات المحتملة، يبدو أن الإدارة الامريكية الحالية بصدد تحجيم الدور السياسي للإسلاميين السوريين، تمهيدا لتقليص نفوذ المجموعات الإسلامية المسلحة، التي إزدات أعدادها، و إتسعت رقعة سيطرتها على الأرض، في الشهور الماضية، بشكل ملحوظ.

و حتى تنجح في مسعاها، حثت واشنطن حلفاءها الغربيين، فرنسا و بريطانيا على وجه التحديد، على عدم إيلاء المجلس الوطني السوري المزيد من الإهتمام، خاصة بعد أن أتخم هيكله بالإسلاميين من كل المشارب، من المعتدلين و المتطرفين على حد سواء، و مارست الضغوط على دول الخليج من أجل وقف دعمها المالي للمجلس، بل أن معلومات أفادت، أن المبعوث الأمريكي فورد، حث شخصيات مهمة على الانسحاب من المجلس الوطني، حتى يتسنى، نزع صفة التمثيل عنه، و ذلك، من أجل التمهيد لإطار معارض أخر، يكون المجلس الوطني، بكل إسلامييه، مجرد طرف فيه، لا أكثر.


و يبدو، أن الإدارة الامريكية نجحت الى حد الآن، في تنفيذ جانب مهم من خطتها، لم يبقى منها، سوى دعوة إجتماع الدوحة رسميا، رياض سيف، للبدء بتشكيل الحكومة الانتقالية، التي منحت فكرة تشكيلها مدة شهرين ، أي الى ما بعد انتهاء الإنتخابات الامريكية.


و رغم ذلك، فإن هنالك من يعتقد، أن المشكلة لا تكمن في المجلس الوطني السوري فحسب، و إنما في باقي قوى المعارضة السورية أيضاً، كهيئة التنسيق الوطني، التي لا تتحمس لفكرة تشكيل حكومة إنتقالية، من جهة أنها تبقي الأبواب مفتوحة للتدخلات الخارجية، و فرض الأجندات المتعارضة مع مصلحة الشعب السوري، و مع ذلك فإن فرص قبولها بما طرح في عمان، يبقى قائما، طالما أنه يحجم دور المجلس الوطني السوري، و ينزع عنه صفة التمثيل، و يمنحها فرصة التساوي تقريبا معه من حيث الحضور و التمثيل في الإطار الجديد.
و لكن، إذا ما قيض لمبادرة عمان أن تفشل، جراء رفض المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق الوطني لها، الأول بسبب رفضه إيجاد بديلا له، و الثانية تحفظا على مشروع الحكومة الانتقالية، فإن ذلك يعني، و هو أمر يروج له العديد في ما وراء الكواليس، أن الإدارة الامريكية مجبرة و مضطرة للمساومة مع روسيا و الصين، و طبخ صفقة معهما، تقبل من خلالها أمريكا، بقاء النظام القائم مقابل تنحي بشار الاسد لصالح شخص متنفذ في دائرة نفوذه، غير متورط بشكل مباشر في قتل السوريين، مع إجراء بعض الإصلاحات السياسية في البلاد.

و في هذه الحالة، فإنه من المتوقع، أن يتوقف تدفق المال و السلاح  للمجموعات المسلحة المعارضة في سوريا، و هو ما سيسمح ببقاء نظام أقلوي في سوريا، يكون ضامن لأمن إسرائيل من جهة، و بما يؤمن إستمرار موطئ القدم الروسي في سوريا من جهة أخرى.


إذا، هنالك عدة سيناريوهات محتملة للقضية السورية من وجهة النظر الامريكية، يبقى أن ننتظر الى أن تنتهي الإنتخابات الأمريكية، لنعرف على أي خيار سيستقر الموقف الأمريكي؛ بمعنى، أن على السوريين، إنتظار تصاعد الدخان الأبيض في واشنطن، حتى يعرفوا إن كان بشار الاسد سيرحل أو يبقى! .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…