بروفايلي: الشهيد مشعل تمو وراء القضبان

حسين جلبي

حدث معي اليوم شئٌ غريب، فقد دق جرس الباب على غير موعد فأسرعت لفتحه و إذا برجل و إمرأة يتقدمان إلي، ظننتُ في البداية إنهما موظفان لدى إحدى الشركات و يرغبان في تقديم دعاية لمنتوجاتها، لكن الرجل بادر بالقول إنه يرغب بمقابلة السيد (و ذكر إسمي)، فقلت له: أنا هو، و هنا سارع بالسؤال: هل أنت بخير، هل صحتكُ على ما يرام؟ فقلتُ مستغرباً سؤالهُ: نعم، كما ترى.
و هنا أبرز الرجل بطاقتهُ مُعرفاً بأسمه، قائلاً أنه و زميلته موظفين مدنيين من دائرة العمل، ثُم ناولني البطاقة حيثُ تناولتها (كيفما كان) فرحاً بهذا الأسلوب الراقي في التعامل، و في الوقت ذاتهُ مرتبكاً غيرُ مدركٍ حقيقة الموقف، خاصةً أنه ليس بيننا موعد، و هنا إستدرك الرجل قائلاً و كأنه يقرأ ما أُفكر به أنه يعتذر بسبب حضوره بدون موعد، و فيما إذا كان يمكن لهما الدخول لتوضيح ملابسات الأمر، ناولتُ الرجل بطاقته و أنا أشير له بالدخول، سألني فيما إذا ما كنتُ أسمح لهُ بالدخول دون أن يخلع حذائه فقلتُ تلقائياً: لا، مُسجلاً إنتصاري الثاني على رجل المُخابرات الذي يسكن داخلي و يخترق بإستمرار حُرمة أسراري مُرتدياً بسطاره القذر دون أدنى إستئذان.
سألني الرجل بعد أن جلس أن كُنتُ أعرف السيد + من دائرة العمل، في البداية لم أتذكر الأسم، لكنني فيما بعد و من خلال متابعة الحديث علمتُ أنه على قائمتي البريدية، حيثُ كان قد تواصل معي و طلب مني إنجاز ترجمة كُراس إلى اللغة العربية.

أبرز الرجل عدة أوراق مطبوعة من بريد الأسم الذي ذكرهُ لي، كانت إحدى الأوراق تحمل بروفايلي على الفيسبوك و هو صورة الشهيد مشعل تمو، و كانت هناك أحرف و كلمات متداخلة ببعضها البعض باللغة العربية، قال الرجل مستأنفاً الحديث أن السيد + قد تلقى من بريدي رسالة باللغة العربية عجز عن قراءتها، و لفت نظره الصورة خلف القضبان، فظن أنني صاحبها و واقعٌ في مأزق في مكانٍ ما خارج ألمانيا، و قد أتيحت لي فرصة صغيرة فأرسلتُ له الإيميل علهُ يساعدني، ففكروا قبل أي إجراءٍ آخر أن يسارعوا إلى منزلي ليتأكدوا من الأمر.
إنتابتني حينها مشاعر مختلفة، كُنت فرحاً بأن هناك من يهتم لي، و كُنتُ محرجاً لأنني تسببت في إشغالهم بدون طائل، سارعتُ إلى الإعتذار للموقف الذي حصل، و القلق الذي تسببتُ به، سارع الإثنان إلى القول أنهُ: لا داعي للإعتذار، المُهم هو أن تكون بخير، و أضافا متسائلين أن ذلك يعني أنني لم أقُم بإرسال تلك الرسالة؟ قلتُ أنني لا أتذكر أنني أرسلتها، قد يكون ذلك حصل تلقائياً، قد يكون في إطار تبادل الصداقات، لكن الأكيد هو أنني لم أقصد إزعاج أحد، قال ثانية أن الأمر لم يكن مزعجاً بل خفنا عليك، ثم إعتذرت ثانيةً و أنا أذكر أهمية صاحب الصور، و أنه الآن أصبح شهيداً، و رحتُ كطفلٍ وجد أخيراً من يعطف عليه أُحاول أشتكي لهُ من النظام السوري و كأنه يضرب أصدقائي و يُحطم ألعابي و يخرب بيوتي الرملية في حمص و حلب و دمشق و كل مكانٍ من سوريا، إلى أن وجدت الضيفين يرتديان حذائهما مُغادرين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…