وأردتُها حكاية، ومن خلال ربطها باسم، ربما لم يُتعارَف عليه، حتى لدى الكثرة الكثيرة من كردنا (ومن المعنيين بالكتابة ذاتها)، وأعني بذلك (محمد سليم ملا حسين بركات)، من باب الرجوع بصاحبه إلى ما هو عليه واقعاً قدر المستطاع، أي بعيداً عن صنعة الكتابة، هي في مضمارها البلاغي أو الفقهي البلاغي العربي المكردن، كما عرِف به، وهو ما لم يردْه، أي حيث يكون سليم بركات: الاسم المنتقى بطابعه الفني لديه، الاسم الذي يصله بالواقع ورهاناته الثقافية والسياسية.
وأردتُها نقداً أبعد ما يكون عن البلاغة اللغوية التي افتتن ولما يزل يفتتن بها بركات حتى اللحظة، وما فيها من مخاتلة أو إيقاع بالقارئ في مقصوده اللابلاغي هذه المرة، كما سنرى، خاصة وأن الذي أثاره في هذا المقال يُذكّر في الحال بما كتبه قبل سنتين ولاحقاً، وتحديداً مقاله (إنها ليست الأندلس يا يسوع)، و(إلى يتامى الأسد في لبنان)، حيث تختفي البلاغة ذات المنشأ البركاتي برطانتها التوصيفية وراء المباشر والعنفي المضاعف بتسمياته عما هو طائفي معمَّم في المجمل، حيث يجري تمثيل المحلّي دون طلب موافقة، وتمثيل السوري عموماً، دون أخذ العلم من صاحبه السوري المتحيَّل هنا، وليكون هذا الذي نشهده بعثرة لما هو طائفي، انطلاقاً من تطييف كردي العلامة، لم يفلح في حبكه، والأكثر من ذلك، ليكون ما تقدَّم به، إيذاناً بخروج بركات من “غابته” إلى مدينة لا تحتفظ له بذكرى سعيدة اجتماعاً أو تجاذبات أحاديث، حيث تكون المدينة التي عناها في كتاباته، غواية الكاتب في الكتابة، حيث يكون الاسم المُقال ذاتياً مستعاداً، إنما في ظل نجومية الاسم الفني أو الأدبي، وأن كل كتابة عن المدينة تلك، تزكية للاسم، لتعرّف به أكثر مما تعرّف بها….
في مقال سليم بركات المذكور، ثمة الواقعة وثمة الحكاية، حيث يكون الخلط الكبير بينهما، وهذا ليس بجديد عليه، أعني على “محمد سليم ملا حسين بركات”، حيث يعيش واقعاً لم يعشه كما هو، ويعرّف بواقع لا ينفتح عليه، كما هو مقتضى الانفتاح عليه، إنما كما يريد “سليم بركات” المقيم في عزلته المركَّبة، داخل بيته الذي أودعه “غابة سكوغوس” الستوكهولمية بمعناها البرّي، كما هو المقرَّر عنه، من خلال العبارة اللافتة في نهاية أعماله الروائية، الأخيرة منها خصوصاً (على الأقل، وأنا أشير إلى روايته: السماء شاغرة فوق أورشليم، بيروت 2011)، وليس ضاحية سكوغوس بمعناها المديني، والتي رأيتُها في موقعها، حين زرته في مطبخه، وليس بيته، كما ارتأى، أواسط الشهر الرابع من عام 2006، وكان علي في زيارتي القصيرة تلك (أقل من ساعة، تلبية لرغبته طبعاً)، أن أقارن بين ما هو عليه، وهو يتكلم، وباقتضاب شديد جداً، باعتباره سليم بركات الطليق في الكتابة، سليم بركات الكردي، والبعيد كلياً عما كان عليه الكردي جراء انتفاضة 12 آذار 2004، وسؤال الأهل والمكان والمواقع الناطقة بأوصافها في أعماله الأولى خاصة، حيث أعتبر نفسي من قرّائه، قبل نقاده طبعاً، وما كان عليه، أو ما يكون عليه في الطرف الآخر باسمه المعلوم: محمد سليم ملا حسين بركات، وما لا يريد إظهاره، في ازدواجية الكردية الصارخة، أن أريد لكتابته أن تتحدد قيمياً، وتكتسب بعداً فنياً ضمناً.
أن تقرأ سليم بركات، غير أن تقرأ محمد سليم ملا حسين بالذات، وأن تجالسه غير أن تأتنس بنوعية كتابته! المسافة بعيدة وعميقة، ولعلّي هنا أمتلك بعضاً من جرأة التحديد، وأظنها ليست كذلك لدى البركاتيين، وهي أن بركات، ومباشرة، لا يطاق لحظة الجلوس إليه، ممل، مقل في الكلام كثيراً، يحفّز على تركه سريعاً (لعلّي حينها لم أكن شخصاً مرغوباً فيه عنده، أو ربما لأن ثمة من هو مقرَّب منه وإليه، ويكون الوضع مختلفاً)، ذلك ما يمكّنني من الدفع بدفة الكلام إلى واجهة التحديث لهذا الذي يجري الكلام باسمه حول كلام ينتمي إليه، والذين يكونون مصدر معلومات مؤتمناً لديه، مما يتحلقون حوله دورياً، وهمْ بالتالي رواته الثقاة، خصوصاً وقد أصبح نزيل “الغابة”، والبعيد عن الآخرين، كما استخلصت من لقائي به، وكتبت عنه في كتابي (قتل الأب في الأدب “سليم بركات نموذجاً” 2007)، ومن خلال الملحق بالكتاب، حيث تكون الكردية التي يعرَف بها محك “اختبار” لطبيعة المتفوَّه به، من خلال الكتابة الأدبية، وذات المنشأ السياسي المغامر لاحقاً.
هنا، أعتبر ما دبَّجه بركات، وداخله “محمد سليم ملا حسين”، إحياء لحرب مواقع وبعيداً عن مضمونية النتائج، بعيداً عن بركات المقروء في “دينوكا“، أو”فقهاء الظلام” أو”الريش“، حيث يتراءى الانقسام الصارخ في البيت الكردي “المضروب” أصلاً، إنما هذه المرة بدمغة بركاتية، تقدّمه جبهاتياً، رغم غابيته المفضَّلة، وهي مفارقة لافتة هنا، لحظة النظر في بنية المقال ومردودية المقال، وتصوره لأكراده، وليس لأكراد سوريا ، من خلال فعل الإضافة الجائر (سوريا وأكرادها)، كما لو أن هؤلاء الأكراد يجري تصريفهم باقتدار سوري معلَن عنه سلطوياً، دون تحديد، وأن هذا الإطلاق يجري التنبُّه له، باعتباره فصلاً بين أكراد وأكراد، وبمقاييس لا دخل للأدب بها، إنما بمتخيل محمد سليم ملا حسين بركات، وربما اعتماداً على مرجعيات ملتقطة من المقربين منه، أو ليكون له مقام غير الذي يعرَف به اعتبارياً، وذلك من خلال حكمة المقال الزلزال، وأنقاضه” وأنا أستعير ثلث عنوان روايته: أنقاض الأزل الثاني“، وقد خرج بأكراده وهم في عهدة سورية من رهان التوحد، إلى ارتهان التشرذم، وإنما أيضاً: الإمعية ذات المردود الكارثي، بحسابات سياسية قاتلة ! وأنا أتصور طابع الهياج ردود فعل على المقال، خلاف المراهَن عليه، وسيء المسار في روايته (هياج الإوز،2010).
أقول ذلك، لأشدد قبل كل شيء، على أن الذي أثيره، ليس من باب تمثيل أحد، إنما تمثيلي أنا: الكردي السوري، أو الباحث في الشأن الثقافي، والذي لا يخفي، وهو لم يكن يخفي موقفه من نظام فقد صلاحية بقائه منذ زمان طويل، من جهة، وأن الذي يتخلل مقال بركات، وأعني به: أوجلانية الكردي، لا يعني أن الباحث، وأعنيني هنا، هو لسان حاله، إنما هو أبعد، هنا وهناك، من حدود الممالأة، أو المناوأة المباشرة، وبعيداً عن التعميم المفرط، بطابعه المرضَي، من جهة ثانية، حيث يكون التغيير نحو الأفضل (وأقول نحو الأفضل بمعان شتى)، هو وجهتي وبغيتي، وأنا كغيري أعيش الحدث الجلل سورياً وكردياً، حتى لا يظنن أحد، بركاتي الهوى كان، أم يعيش حالة سوء الطوية، ومرعوباً من قول الحقيقة التي يجب أن تسمى في حينها وفي المكان المناسب، أي إنني أكتب لا لنيل رضى ما.
إنه أنا فقط !
في المقال المذكور لا تخفي البلاغة البراكاتية عثار النقع فوق هامته، وهو يزعم تمثيله لما هو كردي، رغم أنه يتحدث عما هو كردي، لتكون البلاغة شرَك الكردي لذات الكردي، وتذكيراً بما كان يشدّد في النيل منه بمرجعيته العربية (على الأقل، وأنا أشير إلى الوارد في كتابه” الأقراباذين“، 1999، وأعني بذلك :إرهاب البلاغة)، وأنا أحيل قارئه إلى ما يعرّف به وباسمه في كتابه (التعجيل في قروض النثر، 2010)، وهو يقول (لغتي هي الحياة، ص 98)، وقبل ذلك (أنا رجل الشمال بلا منازع.
رجل الخسارات الشمالية.
رجل جهة شمال…ص 96)، ليكون السؤال المباشر: كيف قيّض للمنتفض على البلاغة، أن يعيش هوس البلاغة فيما يكتب، وبالسوية ذاتها، غير فاصل بين شخصية وأخرى؟ كما لو أنه جموع شخصياته، وأن القول العائد إليه يصله بشخصياته تلك، وليكون مقول قوله في مقاله جامعاً بين شخص ينسّبه إلى نص أدبي، رغم ما هو تهويلي فيه، وإلى نص حكائي، مؤدلج” ومن كعب الدست” يعرّف به نزيل ساحة كردية، وقد انقسمت على نفسها، ومن خلاله؟ وليكون تعريفه بما تقدم بمثابة تعرية لحقيقة ما يجلوه في مجمل كردياته الشعرية والنثرية، وفي الآن عينه، تبيُّن الانشطاري داخله، حيث لا يعود رجل الشمال بلا منازع، إنما الشمال وقد مارس فيه افتئاتاً، في الزمان اللامناسب والمكان المناسب، وبعيداً عما عرِف به، وهو المخضرم كتابةً، وأعني بذلك” سياسة الكتابة”!؟ عجبي إذاً!!؟؟
ثمة دفع بالكردي في هواه الأوجلاني إلى الواجهة، ووضعه في مشرحته التخيلية والتوصيفية، وهو المقيم في مطبخه الذي يتساوى لديه طبخ عادي، مع طبخ يقرّبه مما هو مساوماتي، وإن لم يعن ذلك على باله، ليكون ممثّل الضحية “الكردي” جرّاء استخدام مفهوم “الشمال” ومقيمه الكردي في امتداده الجغرافي الواسع، ليكون الجلاد بامتياز؟! أي حين تكون الأوجلانية بمثابة بطاقة نفير لتحويل مسار في عرفه الأدبي وقد جُرّد من جمالية الخيال، إلى رعب التوصيف، كما لو أن الأوجلانية وقد تمت بعثنتها، ليست أكثر من هذا القار في وعيه ولاوعيه، حيث يكون مثال السوء اعتباراً، في مضرب السوء افتراضاً، لحظة اتخاذ المستقر في نفسه وبتعميم” البعث”، وسحبه على ما هو أوجلاني، دون تفكير في القياس الموغل في الخطأ، أولاً لأن الأوجلانية بطبعتها المركَّبة بركاتياً، لا يمكن استيعابها بالطريقة الاختزالية هذه، وأن النظر إلى الأوجلانية في شطرها السوري ثانياً، يطيح بما أغفل عنه في الشطر التركي، وتحديداً، عندما يواجه المأخوذ بالأوجلانية عقيداً ومنهجاً، وهو الكردي السوري، وبوصفه ضحية خدعة، بما ينتظره من سوء العاقبة (على يد الجيش الحر)، ليفصح عن شعبوية سورية الطابع، حيث يذكر مناطق يؤاخي فيما بينها بمنطق لا يلتحم على يديه (الجولان، درعا، اللاذقية، عامودا..)، غير عابئ، كما يظهر، بخلل منطقه، حيث تكون تركيا في الطرف الآخر، في طبيعة علاقتها بالجيش الحر، وليكون أكراده الأوجلانيون أشباحاً ليس إلا، ولا يعود للشمال من معنى، ولكردي من مقام، إلا في ذمة الاستثناء القاعدي المطوَّح به بعيداً، طالما أنه يستثني الكرد السوريين من ناحية أخرى، كما لو أن لغته العربية موجهة إلى غير الناطقين بها، وما ينطوي عليه منطق مبلبل كهذا، من تناقض في المضمون والتوجه والمقام…؟!
مفارقات
ويقول بركات بداية (نحن الكرد السوريين لا نريد أصناماً على مداخل الشمال السوري ومخارجه.
تماثيل العائلة الحاكمة الدموية تستجمع ظلال حجارتها هاربة وهي تضع إزميل النحت في أيدي عشيرة أوجلان- فرع البعث الجديد بلقب كردي- كي تنحت لأوجلان تمثالاً من خدعة الأسد..).
وحين يستهل محمد سليم مقاله هكذا، فهو يزعم تمثيل من يُمثَّلون باسمه، ليس لعجزه عن تمثيل لسواه، وإنما على الأقل، لأن ثمة لغة عريضة تشي بوهم التمثيل وهو أبعد ما يكون عن ذلك، وهو في غابته الستوكهولمية، وأنه في لغة عريضته، يوحي بوجود الجمع المطلق للكرد السوريين، فلا يبقى هناك من كردي خارج نطاق وهمه، وهم التمثيل الكلي، وبالتالي، يفقد قوله كل مبرر في الكلام، لأن المعنيين بكلامه، هم أكراده، كما يزعم، وهو إذ يعدِمهم خارجاً، باسمه الجمع المطلق، يضفي شرعنة غير مسبوقة، لها منحى سياسي وتعبوي وإيديولوجي، ولأول مرة في تاريخه الـ” روبن هودي” التخيلي، وهو ما لم يفعله من قبل، في أي مقال له، ليبقى القياس، كما أسلفتُ، خاطئاً من أساسه، وفي بلاغة، ربما لعبت دوراً كبيراً في إبراز زعم التمثيل البركاتي المعتل، والذي لم يكن أهلاً له، بمثل هذا الوضوح السافر، ليبقى المفهوم الصنمي الذي يواجهنا به، كما لو أنه الصنم المعلوم باسمه في واعية من لم يفهموا محمد سليم، حين يتحدث عن كرد وهميين، ويختلق كرداً وهميين، يفيضون عن نصه، وتحت يافطة ألقاب برع فيها نصاً، ونسي أن الواقع مختلف وليس كانقسامه الداخلي.
ويأتي التكرار المتعلق بـ”فرع بعث الأوجلاني الكردستاني”، باعتباره منصوباً على جهل بالجاري، ليخرج الاسم من سياقه التاريخي جرّاء افتتانه البلاغي، وربما انخداعه بمن لقَّموه معلومات عن الجاري، ممن لا صلة لهم البتة بحقيقة الجاري، من حوله، وما أقلهم وأضلهم، كما يقول تاريخهم البعيد والقريب، وليته كان في ساحة المواجهة معهم، كاتباً وسجالياً، وهذا ما لم يحصل، حيث يكون للنقد بعد آخر، وليس بجعل المعنيين بالرفض الكلي، عبئاً على لغته، وعلى التاريخ، عيائين، خطائين، معيوبين بالجملة، لينسف الحكم المبرَم والقطعي بحقهم، كلَّ قيمة يمكن التوقف عندها لديه، أضفْ إلى ذلك أن ليس من عادة محمد سليم أن يتحدث هكذا، وعن كرده بالذات، وفي هذا التوقيت بالذات، فأي” بغلة ٍ” ولدت، كما يقول مثل الكردي التليد، ليعلن انتسابه إلى خانة المنظرين والتعبويين، وهو في مطبخه ومأمنه السويديين؟
ويقول بركات (لقد سوَّغت عشيرة بعث الكردستاني لنفسها، على مجاز الأب الصنم أوجلان معبوداً واجب الإشاعة..)..
وحين يتحدث محمد سليم هكذا، فاستجابة لمراق بركاتي لم تسعفه بلاغته، ولأنها بلاغة شبكية، في تبين الواقع كما يجب، على الأقل، حين يشدد على بعض من كرده، أو أكراده بدقة أكثر، تقابل دلالة عنوانه، لأن عبارة “الأوجلانيين” تضعهم في خانة نسخية، إلى جانب تجريدهم من كل خصوصية تاريخية، ومن تعايش ما، ولو نسبي جداً، مع مستجدات واقع ما، ليكون هناك قبول ببعض مما يشدد عليه، وليس بالدفع العشيري لما ليس عشيرياً، وليكون وراء هذا الوضوح في المفهوم، ما يعرض بتاريخ أدبي، كان جديراً بالتقدير، وكما كان موقف كرده منه في المجمل، ليكون مقاله، انعطافاً سيء السمعة، وتسليطاً للضوء على دعوى كردية، تمثّل محور العديد العديد من أعماله الأدبية، ومصداقية الانتماء الوجداني أيضاً، حيث يكون الكلام خطاباً رديء المضمون في تعميم، هو لسان حال متوهم، لا يعنيه الكردي كثيراً إلا مادة خاماً بقياسه الخاص..حيث التشديد على الصنم، بالطريقة البركاتية في التصوير، اختزال مريع لواقع وحسابات خاسرة في أرضها.
ويقول بركات (لقد هالنا، بعد كلام مريح للرئيس المصري عن “سقوط الأسد”، انزلاقه، بسذاجة في منطق السياسة مُحْكمة الغرابة، إلى خطط بدعوته إلى إشراك الإيراني في إدارة “عرس الحياة”، كأن هو، عن سهو لا يحمَد، يدعو الأسد نفسه إلى الإسراف في توسيع المسلخ، أو لا يجعل هذا المنطق الخلطَ ، طليقاً في التعميم، مباحاً أن يُدعى فرع بعث الكردستاني، أيضاً، إلى شراكة في توسيع المسلخ، مادام “مؤثراً”، باقتباس لفظ الرئيس في دور إيران الدموي؟…).
وحين يقترب محمد سليم من المراد قوله بصورة أوضح أكثر، وبعيداً عن لعبة البلاغة المفرقعة لديه، ينحدر به مستوى الكلام إلى درجة مأسوية، يكون انزلاقه الذي لم يحسب له حساباً وهو القصي عن تحولات مناخه الكردي فعلياً وصلاحية الملاحة في مائه، إذ يغدو في مرتبة الإعلامي شديد التعصب لجماعة والولاء لها، كما هو الحديث عن الرئيس المصري، وعن إيران، وقد كان أولى به، وفي لعبة لم تكن له، لعلها استهوته فهوت به، أن يتخلى عن لسان بلاغته الماراتواني، ويفصح عما لديه، في أقل من نصف مقال لا يخلو من تكرار، وحتى هذيان في القول جلي السذاجة ومن خلاله بجمع يتمثله على غير العادة، يصدمنا ببركات المحال إليه خلاف المعرَّف به هنا، كأن ثمة..
كأن ثمة متكلماً متلوثاً بما إيديولوجي سافر، يتقمصه، أو ينوّمه مغناطيسياً، ليقول ويلاً في ويل..
ويستطرد بركات (لقد فهمنا رسائل الاستنكار الجوف، واجتماعات الأقاليم الجوفاء، ناصعة من فيض شقائها: طالما لم يستطع التخمين الأمريكي، برفد من مشيئة اسرائيل في التخمين، استشراف هوية القوى القادمة إلى قيادة سوريا الجديدة، بعد إيمان من الأمريكي أوباما (الرئيس الأكثر كذباً في تاريخ أمريكا… والأكثر جبناً في تاريخ أمريكا بجلوسه متفرجاً على شعب يُذبح خوف خسارة ناخبيْن..)..
ليميط محمد سليم اللثام عن وجهه، مأخوذاً بهوى الإعلامي المُعدي، بخطاب الجمع” فهمنا”، وهو يذهب مع قارئه؟ إلى أمريكا ووعود “الكذاب” أوباما، ومدخلاً اسم الفلسطيني أيضاً في لعبة بلاغته، وهو في حديث عن أكراده، مبتغياً إفهام هؤلاء” الجهَلة” من كرده المتوهمين أوجلانياً، أن ما وعاه محمد سليم، هو ما يردَّد بركات أدبياً، ليخسر في صفقة كتابة فاقعة، ما أودعه سنّي عمره الأدبي نجوميةً يعرفها مريدوه الذين يتبلبل وعيهم الآن إزاء شططه المريع، وهو يتراءى واضح المقصد إذ يقيّم سواه، تاركاً سياسة الأدب، ليعيش أدب السياسة، مخلاً بالأدب وسمعة السياسة معاً، لحظة النظر في تاريخ طويل عرِف به، ككردي يتحدث عن كرديه بلسان عربي مؤمَّم، ليكون كردياً افتئاتياً مجَّانباً الكردي الفعلي فيه.
وينذر كما يتوعد بركات بقوله، صاعداً مفردة” عشيرة” إلى” عشائر” حيث تضاعفت نشوة المؤدلج جهاراً لديه هنا (على عشائر بعث الكردستاني أن تفهم اليوم، قبل تدرج النكبة نضوجاً، أن أكراد سوريا موكلون بحقوقهم من داخل البيت السوري- بيتهم، من داخل ثورة سوريا- ثورتهم… لم تفهم عشائر الكردستاني أن كرد سوريا لن يمكنوها من اتخاذهم درعاً في سذاجة اللعب بالمصائر، كي تفاوض التركي على” رأفة” بصنمها، هي لم تفهم، في الأرجح، أن كل فراغ من سلطة الأسد، في ديار الكرد السوريين، لن يملأه إلا السوريون بجيشهم الحر- ممثلهم سيداً على الديار والأمكنة في إدارة أمن الناس أحراراً في معتقد خيالهم، ومعتقد إيمانهم بالحياة، ومعتقد أعراقهم…)..
ليخلط محمد سليم، وأي خلط، بين الكردي الذي لا يقبل القسمة على نفسه، بل هو واحد، رغم ضروب الخلاف والاختلاف، والكردي الذي يصرّفه الكاتب المتأدلج في خياله اللاأرضي، يخلط بين حب الكردي في الجملة للثورة والتغيير وكراهية النظام الشمولي وآلة عنفه الدموية والتخريبية هنا وهناك، وأنا معه، وحب الكردي لخصوصية مطلوبة، وهو المعرَّف به في الحدود السورية، ليكون القول النقدي وارداً في حدود التفاوت، وليس في حدود الإلغاء والإقصاء، يخلط بين ارتباط الكردي بما هو وطني ومستجد، ومن خلال الجيش الحر نفسه، وحدود تحركاته، حيث لا يكون اللزوم لحضور ضار ومضر بالجميع، في مكان لا يصح أن يكون ساحة نزال، كون معركة الحسم ليست هنا، إنما تُتحرى ترتيبات أخرى، وأن حرص الكردي على وطنه، وليس المخصص بما هو كردستاني فيه فقط، بل ما يقرّبه من العربي والسرياني والأرمني، ربما كان الضامن الأكثر لبقاء الجغرافيا التي يتواجد فيها الكردي ويعزّز فيها مواقعه، بعيداً عن الدمار الذي عم مناطق أخرى، عدا مئات الألوف من الذين لاذوا به، وحرص عليهم بالمال والروح، فأي مقصد” خبيث” من ذات محمد سليم، ليقول ما يدفع بالكردي إلى واجهة المحاكمة الباطلة، ليكون الاستشهاد بقوله، وهو علم في رأسه نار، ربما ليست كردية كما يجب، ومن جهة من يريد النيل من الكردي، بمثابة تحريض على تجريمه؟ وحيث يكون هذا المقام قولياً على صيغة أوامرية، وتهديدية بالمقابل، معرّياً صاحبه في دعوى كتابته، وما في الكتابة هذه من مكاشفة لنفس يزعم صاحبها أنه معايش الحدث مذ كان، وأنه يتنفس تاريخه الكردي ومن جهاته المختلفة في كل دقائقه، وهو ما يضعه على المحك التاريخي نفسه، لحظة متابعة نشاطه الفعلي اجتماعياً بالذات، وكما لو أن محمد سليم كاتب الثورة السورية والجيش الحر، وهو في زاويته الميتة، بحساب التقدير الثوري والجغرافي والتاريخي، أعلم بشئون الثورة السورية وجيشها الحر من أي كردي (أستثني هنا الكردي الذي لقَّمه معلومات ٍوانتشى بها، ليكون له سهم مقدَّر في حساب المتضامنين مع الثورة السورية وجيشها الحر، رغم عدم جواز طرح القول بطريقة تقسيمية كهذه، ورغم أنه، أساساً، لم يكن يعرّف باسمه، إلا من خلال شمال عائد إليه، ليكون هذا التحول خروجاً، على غير المعتاد، من ممثّل شمال بالجملة، وفي عُرف ٍأدبي، إلى ما هو أبعد من الشمال بيقين يفتقر إلى التصريف واقعاً)، كما لو أن الكردي بركات قد صحا من غفلته، ومنذ سنوات، لحظة التدقيق في المقدَّم بما هو كردي من ذات قلمه، وكما لو أن محمد سليم استدرك خطأه الجغرافي والتاريخي، وأباح لبركاته أن يقول حقيقته فيما تكتم عليه طويلاً، حيث يكون الكردي مادة مثيرة يتداولها في أدبياته، بصفته الكردي، ليكون أحق من غيره به، وربما ليكون الموعود بما سكت عنه موقعاً، وبمثل هذا السفور مجدداً، كما لو أن بوصلة الكردي لا تُحدد جهات الكردي إلا من خلاله، وهو البعيد بمعان شتى عما يجري كردياً، كأن أكراد بركات هم هؤلاء الذين آثر التحدث باسمهم، حيث أعياهم الفصل بين الوهمي والواقعي، ودون أن يخفي جهته التي منها انطلق وفيها تحصَّن، كما هو دأبه ليكون الكردي مصيدة للكردي، وطريد الآخرين وفي مرمى الآخر، كما يريد محمد سليم، وكما هو الوجه المقنع لكردي فتنته مدائح أكراده الخاصين، وتصنَّم فيهم، أو عبّر عن وضع صنمي يختص به، وهو ما يمكن التعرض له، ومقاربته لمن يتحرّى نوعية علاقته بمن يعنيهم أمره صنمياً، وربما، كما هو مغزى مقاله الضال.