حسين جلبي
حدثني أحد الأصدقاء قائلاً، أنه لاحظ مع زملاءه أثناء خدمتهم في الجيش، أن الضابط الكبير رئيس القطعة العسكرية التي كانوا يخدمون فيها، كان يتأبط دائماً حقيبة سامسونايت فخمة تكاد لا تُفارقه، حيث يحضرها معه و يُغادر بها بعد نهاية الدوام، و قد إحتار الجميع في أمرها، و شكَّل محتواها لُغزاً لهم، لأن وضعه لم يكن يتطلب حمل مثل تلك الحقيبة.
ظن هؤلاء العساكر في البداية أن في الحقيبة خططاً عسكرية أو ما شابه ذلك، لكن الهدوء على الجبهة، و إستمرار إحضار للحقيبة في جميع الأيام جعلهم يستبعدون ذلك الإحتمال.
و قد دفعهم فضولهم إلى إستغلال غياب ذلك الضابط عن مكتبه في أحد الأيام، إلى وضع خطة سريعة و مُحكمة لإقتحامه، و فتح الحقيبة لمعرفة السر الموجود فيها.
ظن هؤلاء العساكر في البداية أن في الحقيبة خططاً عسكرية أو ما شابه ذلك، لكن الهدوء على الجبهة، و إستمرار إحضار للحقيبة في جميع الأيام جعلهم يستبعدون ذلك الإحتمال.
و قد دفعهم فضولهم إلى إستغلال غياب ذلك الضابط عن مكتبه في أحد الأيام، إلى وضع خطة سريعة و مُحكمة لإقتحامه، و فتح الحقيبة لمعرفة السر الموجود فيها.
كانت المُفاجأة الكُبرى عندما قاموا بالإطلاع على ما تحتويه الحقيبة، إذ لم يتمكن هؤلاء العساكر من تحديد ردود أفعالهم، و فيما إذا كان ينبغي عليهم أن يقوموا بالضحك أم بالحزن أثناء تنقل عيونهم بسرعة في قعرها الذي كان يتناثر عليه علبة سردين و حبة بندورة و ربطة خبز..
إضافة إلى صحن و سكين و ملح لزوم الأكل.
تذكرت هذه الرواية و أنا أشاهد صور بعض المدعوين كتكملة عدد إلى مؤتمراتٍ خُلبية هنا و هناك، و كُل واحدٍ منهم قد أرتدى طقماً جميلاً و لف حول رقبته كرافة فخمة، و تأبط حقيبةً منتفخة يلهث بسببها و يكاد يتقوس على جانبه الذي هي فيه، حتى يعتقد الناظر إليه و هو على تلك الحالة القتالية و باللباس الميداني الكامل أن حقيبة صاحبنا المناضل الشرس مليئةٌ بالأوراق المختلفة، و قد خط عليها أفكاراً جهنمية و إقتراحاتٍ غير مسبوقة، و رسم خططاً و تكتيكاتٍ و إستراتيجياتٍ عبقرية، كما أنها لا تخلو من خُطبٍ نارية ستحرق النظام و سُتطفأ ظمأ الثوار للحُرية، و من حلولٍ لمشاكل كل البشرية، لدرجة أن تسونامي الحبر يكاد يُفجر الحقيبة و يخرج ليغرق أعداء القضية.
لكن الأكيد أن تفتيش حقيبة النضال، و مع التواضع المزمن لنتائج هكذا مؤتمرات، لن يسفر سوى عن العثور على ربطاتٍ من الأوراق البيضاء التي لم يمسسها قلم، و مواد تجميل شخصية إلى جانب كاميرا ديجيتال للإثبات، لكي يصدق صاحبنا المؤتَمِر نفسه من خلال الصور الكثيرة، و كلما تسرب الشك إلى عقله بأنه قد يكون في حلم، أنه أقام فعلاً في ذلك المكان الفخم حيث المبيت الغالي و الولائم العامرة.
و الحقيقة أن هؤلاء الديكورات لا يهشون و لا ينشون في تلك المؤتمرات الإعلامية، و لا يعود السبب إلى أن لهفة السفر فقط، أو غنى البرنامج الذي بإنتظارهم و الذي يفوق إمكاناتهم هو ما منعهم من تحضير شئ مفيد و القيام بدورٍ ما، فإختيارهم جاء أصلاً لأنهم لا يستوعبون حقيقة الموقف الذي يتواجدون، و لعل كرسونات الفندق أكثر دراية منهم بما يُحاك حولهم من قصص، و بما سيصدر من بيانات، لأن المهم بالنسبة لهؤلاء الضيوف الدائمون على كل العزائم المتناقضة شرقاً و غرباً هو الحفاظ على مسافة واحدة من أصحاب جميع الدعوات حتى لو كان هؤلاء في قطيعة مع بعضهم البعض، أو كانت إتجاهات تلك المؤتمرات متضاربة، و الأهم من ذلك كله القيام في نهاية كل مؤتمر بوضع أساس متين لحجز مكانٍ لهم في الذي يليه.
إذا كان سيادة الضابط يأكل علبة سردين يومياً يملأ بها بطنه، فإن هؤلاء لا ينالهم من كل مؤتمر سوى مقلب يشربونه بعد أن ينقعون فيه أوراقهم البيضاء.
صحتين يا شعب.
إضافة إلى صحن و سكين و ملح لزوم الأكل.
تذكرت هذه الرواية و أنا أشاهد صور بعض المدعوين كتكملة عدد إلى مؤتمراتٍ خُلبية هنا و هناك، و كُل واحدٍ منهم قد أرتدى طقماً جميلاً و لف حول رقبته كرافة فخمة، و تأبط حقيبةً منتفخة يلهث بسببها و يكاد يتقوس على جانبه الذي هي فيه، حتى يعتقد الناظر إليه و هو على تلك الحالة القتالية و باللباس الميداني الكامل أن حقيبة صاحبنا المناضل الشرس مليئةٌ بالأوراق المختلفة، و قد خط عليها أفكاراً جهنمية و إقتراحاتٍ غير مسبوقة، و رسم خططاً و تكتيكاتٍ و إستراتيجياتٍ عبقرية، كما أنها لا تخلو من خُطبٍ نارية ستحرق النظام و سُتطفأ ظمأ الثوار للحُرية، و من حلولٍ لمشاكل كل البشرية، لدرجة أن تسونامي الحبر يكاد يُفجر الحقيبة و يخرج ليغرق أعداء القضية.
لكن الأكيد أن تفتيش حقيبة النضال، و مع التواضع المزمن لنتائج هكذا مؤتمرات، لن يسفر سوى عن العثور على ربطاتٍ من الأوراق البيضاء التي لم يمسسها قلم، و مواد تجميل شخصية إلى جانب كاميرا ديجيتال للإثبات، لكي يصدق صاحبنا المؤتَمِر نفسه من خلال الصور الكثيرة، و كلما تسرب الشك إلى عقله بأنه قد يكون في حلم، أنه أقام فعلاً في ذلك المكان الفخم حيث المبيت الغالي و الولائم العامرة.
و الحقيقة أن هؤلاء الديكورات لا يهشون و لا ينشون في تلك المؤتمرات الإعلامية، و لا يعود السبب إلى أن لهفة السفر فقط، أو غنى البرنامج الذي بإنتظارهم و الذي يفوق إمكاناتهم هو ما منعهم من تحضير شئ مفيد و القيام بدورٍ ما، فإختيارهم جاء أصلاً لأنهم لا يستوعبون حقيقة الموقف الذي يتواجدون، و لعل كرسونات الفندق أكثر دراية منهم بما يُحاك حولهم من قصص، و بما سيصدر من بيانات، لأن المهم بالنسبة لهؤلاء الضيوف الدائمون على كل العزائم المتناقضة شرقاً و غرباً هو الحفاظ على مسافة واحدة من أصحاب جميع الدعوات حتى لو كان هؤلاء في قطيعة مع بعضهم البعض، أو كانت إتجاهات تلك المؤتمرات متضاربة، و الأهم من ذلك كله القيام في نهاية كل مؤتمر بوضع أساس متين لحجز مكانٍ لهم في الذي يليه.
إذا كان سيادة الضابط يأكل علبة سردين يومياً يملأ بها بطنه، فإن هؤلاء لا ينالهم من كل مؤتمر سوى مقلب يشربونه بعد أن ينقعون فيه أوراقهم البيضاء.
صحتين يا شعب.