آخر الداء… الكي

د.

كسرى حرسان

من السخرية والاستهانة بعقل الإنسان أن يسلم بالهدنة في سوريا ولو جدلاً، بذريعة أن الشعب وقع ضحية حرب لا تعرف التمييز وأنه من أجل ذلك بات يعيش محنة لا تطاق.
نعم صحيح، إن هذا العرض مغرٍ لأول وهلة من حيث إنه يجنب المدنيين ويلات الحرب، وإنه لاقتراح مشجع من حيث المبدأ سرعان ما يتحول إلى نقيضه عندما يكتشف أحدنا أن هذا الأمر ضرب من المحال في إطار دولة كسوريا تحكم بالحديد والنار، فتجربة السوريين طويلة ومريرة مع الاستبداد الذي لا يرضخ للتفاوض ولا يخضع للقرارات غير المباشرة، وإذا كان قد أبدى جانباً من اللين فما ذلك إلا تحت وقع الضربات التي جعلته يعيد حساباته الأنانية ليعود إلى المراوغة والمكر والتفنن في أساليب الخداع،
 ولكن وسائل التحايل هذه أضحت مكشوفة لا تنطلي على شعب اكتوى بأكمله بنيران حقده حتى تيقن أنه لا يبحث عن حلول وإنما يفتش عن مخرج يرده إلى سيرته الأولى، كيف يمكن التفاوض مع من أحب أحابيل السياسة واعتبرها شطارة يتبجح بها على ركام المجازر وأنقاض القصف والتفجير، إن المسألة السورية ليست بهذا الحجم من التعقيد كونها داخلية وغير متشابكة، ولكن دعاة الحرب لا يريدون للسلام أن ترفرف أعلامه بشفافية لدرجة أننا أصبحنا نتذبذب في الفراغ ونعالج وهماً بل محالاً، ولكن هيهات أن تفت الحلول في عضد المحال، والجميع يعلم ذلك دون استثناء.

إذاً فآفاق الهدنة مشحونة بالفظائع، ومن يريد أن يحافظ على حرمة دم الشعب السوري بهذه الطريقة فإنه يعرضها جهاراً نهاراً للتحليل والانتهاك.

إن الهدنة لا تعني تأجيل الحرب، ولكن سوريا بحاجة إلى تسديد وتصويب يحل الأزمة حلاً ناجعاً وفعالاً لا إلى معالجة الخطأ بخطأ أفدح؛ فليس الصواب بمنتهى البساطة أن يقف العالم مع جانب القوة ليدّعي أنه ينطلق إلى الحل، بل عليه أن يتحمل مسؤولياته، وهو أعلم بها، لحسم هذا الظلم المنظم المتعدد الأقطاب، إنه الاستبداد الطائفي الرصين الذي لا يقبل بالمشاركة والحلول.
إن حال الشعب السوري الذي يعيش المحنة والمعاناة مباشرة تستدعي بجدية البحث عن مخارج حقيقية تستند إلى أسس سليمة ومتينة لا إلى وهم يؤذن بالكوارث.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في قلب الأناضول، حيث تلتقي رياح التاريخ بنسمات الحداثة، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مفترق طرق مصيري. ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العاصفة، لكنها قد تكون الأخيرة التي يمتلك فيها زمام المبادرة قبل أن تتحول العاصفة إلى إعصار يكتسح ما تبقى من مشروعه السياسي، بل ويهدد استقرار تركيا ككل، ويمتد تأثيره إلى…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف الضباط الكورد المنشقين عن نظام الأسد البائد ومرافقهم المدني، من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أثناء توجههم إلى إقليم كوردستان عبر الحدود السورية – العراقية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ لحظة اختطافهم إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي من المرتقب عقد مؤتمر بُغية توحيد الموقف السياسي الكوردي، نجدد دعوتنا للمؤتمر…

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…