مصائب الهيئة الكردية العليا – 4

د.

محمود عباس

اجندات متنوعة ومتضاربة تفرض على مسيرة الحراك الكردي في خضم الثورة السورية، على خلفية  ضبابية، وتعتيم متعمد، شكلت الهيئة الكردية العليا، لتمرير الكثير.

لئلا يستغل النقد المطروح، نؤكد على انه لا يوجه إلى شخصيات اعضاء الهيئة، فهم اشخاص وطنيون، ويناضلون قدر المستطاع، لكن قدراتهم مرتبطة بقوى فوقية، تنفيذهم  للمطلوب تعطى من المجلسين بل من الاحزاب الكردية المتنوعة بدءاً من ب ي د  إلى الديمقراطي والاحزاب المحيطة به، وهؤلاء بدورهم يتلقون الاوامر من مراكز القرار الكردي، الذين بدورهم يدورون في فلك سياسي – مذهبي من جهة ومن جهة آخرى في فلك اصحاب المصالح الاقتصادية – السياسية في المنطقة، الكرد يسبحون بحمد الذين شكلوا الهيئة لتمرير الكثير من المياه المشكوكة في نقاوتها، والتي كلما مرت الايام تكاثرت من حولها الاسئلة، وبان الهزال  والضعف في تكوين وليد الصرح الكردي، ومستقبل المنطقة.
   تتكاثر الشكوك عن مدى جدية البعض في تفضيل القضية الكردية على قضايا الصراع الدولي في المنطقة أو قضية الصراع المذهبي الشيعي – السني.

اصبح المطالبة بالوجود الكردي  الجغرافي في  انماطها المتعددة  (الحكم الذاتي – الفيدرالية) مفهوم  خاطئ في ثقافة البعض، مطلب الإدارة الذاتية في كل الاجزاء لدى  منظومة المجتمع الكردستاني النمط الاسمى لمستقبل الكرد، وعليه اصبح يفرض على غرب كردستان، دون اعتبار للحاضرين  الموضوعي والذاتي لواقع سوريا والمنطقة الكردية فيها، والعلاقات الدولية وغيرها من المتغيرات، وآخرين لا زالوا يتأرجحون بين المطالب الغابرة وما طرح في مؤتمر قامشلو المشكل للمجلس الوطني الكردي.

المطالب بحد ذاتها تشكلت على خلفية الانا، الوجود والعدم، وبشكل خاص مطلب الإدارة الذاتية، يحمل صراعاً ضمنيا لمواجهة منابع مفهوم الفيدرالية، وليست الفيدرالية نفسها، التي تكونت اقليم كردستان العراق على اسسها واصبح مطلب يعممه العديد من المنظمات والاحزاب الكردية في كل الاجزاء، وهو بحد ذاته لا يبتعد عن نقطة الخلاف المثارة حول العلم الكردي.

الصراع في اعماقه ابعد من العلم ومن النظام الفيدرالي أو الإدارة الذاتية، أنه نضال منظومة المجتمع الديمقراطي لخلق ثقافة ذاتية خاصة منفردة في كثير من ابعاده، منافسة لسلطة الاحزاب الديمقراطية العامة في الاجزاء الاربعة، انه صراع لنشر ثقافة مغايرة، قلما يقبل بالآخر وجودا كمنافس دون تابع، مستوحاة من ابعاد الثقافة الأممية، أو الاشتراكية الوطنية والتي يرون فيها الشرق الاوسط الكبير ركيزتها.

ثقافة غائبة جماهيريا تحتضن مطلب سياسي، ينشر عن طريق قوى سياسية، منطقي لواقع الوجود الكردي عندما يكون مشابهاً للوجود العربي أو التركي أو الفارسي جغرافيا وسياسيا، وحاصلاً كهيئة كاملة وكشعب على الاعتراف الدولي، بكيانه وجغرافيته وتاريخه، لكن العدمية المطلقة من الآخر يلغي هذا النداء المتجاوز لمفاهيم وثقافة الاخر المسيطر، المفهوم، بدءاً من الإدارة الذاتية إلى الشرق الاوسط الكبير له ابعاده العديدة وغاياته المتخفية، ينحاز عن الواقعية، ويتخالف مع المفاهيم المنطقية لواقع الكرد في المنطقة، المطلب الاول يعدم الثاني في كل ابعاده، وبالمقابل، الفيدرالي يقرب المطلب الثاني إلى الواقعية بكل مفاهيمه وأبعاده.

خلف هذه المطالب المتضاربة اجندات متنوعة لسنا بصددها الان، قد نعود إلى البحث فيه يوما ما، وعن مدى أبعاد الغاية النهائية، الكيان الكردي أم الاشمل منه أو الأبعد عنه ؟.
  تتحرك الهيئة الكردية العليا ضمن مجال هذه الصراعات، المجلس الوطني الكردي أصبح أقل تمسكا بوجودها، لانه غائب فيها فعلاً، يتقلص وجوده في العديد من الزوايا، ويخف صوته في الشارع الثوري، حيث اغلبية القيادة غائبة عن الساحة الحقيقية التي ملئت بالتناقضات والسلبيات،  ومجلس الشعب يتزايد اصرارا على تفعيل عملها، حتى ولو اعلاميا، و ال ب ي د أكثر تحركا في توسيع  وتعميق اتفاقية هولير، في الوقت الذي كان يسمي كل الاتفاقية باسم مجلس الشعب الكردي، اصبحوا الأكثر سيطرة واستفادة منه جماهيريا، سياسيا – اقتصاديا،  الاحزاب الكردية الأخرى يعانون من عوز اقتصادي سياسي مقيت، في وقت نجد  ب ي د أو  قيادة لجان الحماية الشعبية (كما يجب أن تسمى من منطق  المنظمة المؤسساتية) يبينون عن قدرة في تشكيل خمسة عشر الف عسكري مسلح وبشبه لباس موحد! وكما ذكرنا خطوة مباركة إذا عكست إرادة الكرد عامة وليس إرادة جهة حزبية انفرادية معينة ورافضة  للأخر.
   تتراكم يوما بعد آخر مصائب الهيئة الكردية العليا وتتكاثر الاسئلة فهل هي تمثل الأن فعلا الحراك الكردي؟ وتستطيع أن تتحدث باسم الشعب، وتقرر؟ هل لها القوة في  تحديد المسار مع الثورة السورية، ومستويات التعامل مع المجلس الوطني السوري أو مع هيئة التنسيق الوطنية؟! أم أنها اصبحت اسم  يتلاعب به البعض، وخابت الامال بها، وعاد الجميع إلى الدعاء لخلق كردي جديد؟.
د.

محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…