بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإغتيال الشهيد مشعل تمو: لا بُد من توثيق جرائم إغتيال الناشطين الكُرد*

حسين جلبي

لا بُد لنا في البداية من أن نُرحب بالأخت زاهدة رشكيلو و نقبل عينيها الكريمتين اللتين كانتا آخر من رأى شهيدنا الغالي، و آخر ما رآهما قبل رحيله، و نرحب بالأخ العزيز مارسيل تمو الذي أُضطر لخوض معركة غير متكافئة ضد قتلة معتدين مدججين بأسلحة المكر و الخسة و الغدر، و نرحب كذلك بالأخ فايز الغالي على قلب الشهيد و قلوبنا، هؤلاء الذين يشاركوننا تجمعنا الجماهيري اليوم.
لعل أفضل ما يفعله المرء في حضرة شهيدٍ كبير مثل مشعل تمو هو أن يلتزم الصمت، لأن اللغة مهما كانت بليغةً لا تفي الشهيدَ حقهُ، كما أنها قاصرة عن تغطية عجز صاحبها و محاولاته اليائسة إظهار نفسهُ متماسكاً أمام حدثٍ جلل بمستوى رحيل مناضل مثل مشعل.
لقد تكلمنا كثيراً، ذرفنا الدموع و إستنكرنا الجريمة و شتمنا الفاعل، لكن ماذا بعد؟ إذا كان ذلك كله قد جلب لأنفسنا بعض الراحة إلا أنه ليس كل المطلوب، لأنه بعيد عما يجب فعله، فهو لا يشكل خطوة صغيرة واحدة نحو الوصول إلى الحقيقة، التي تتطلب القيام بتحقيقٍ جدي يؤدي في النهاية إلى معرفة الفاعل و تسميته، و إدانته، على الأقل في سبيل ردعه عن إرتكاب المزيد من الجرائم المماثلة، و هو ما يقوم به للأسف حتى اللحظة، و لا يكفي هنا أن يطلق الكثير منا كلاماً عاماً و غامضاً يُفهم منه أن الفاعل معروف، و إنه يعرف نفسهُ، لكن عندما تحين ساعة الحقيقة نراهم يطأطأون رؤوسهم و يدفنونها كالنعامة في الرمال، و يجبنون عن المُجاهرة بما يعتمل في صدورهم من شكوك.

لقد فقد الحِراك الثوري في المنطقة الكُردية برحيل مشعل بتلك الطريقة المأساوية بوصلته، و جانباً كبيراً من روحهُ و إثارته، و مع الإحترام لكل من يشارك في الحراك، فقد كان رحيل الشهيد هو آخر مناسبة نشهد فيها تلك الحشود العظيمة، إذ بدأت الأضواء بعده تخفت في تلك المنطقة، كما لن تعد الأضواء تسلط عليها.
في هذه المُناسبة الأليمة أدعو لتشكيل لجنة تحقيق محايدة لدراسة وقائع الجريمة و جمع أدلتها و قرائنها و خاصةً الشهادات المتوافرة، أو على الأقل و كخطوة أولية قيام الشهود و كل من له معلومات عن هذه الجريمة و غيرها من جرائم القتل و الخطف بتوثيق شهاداتهم تمهيداً لجمعها في ملفٍ واحد تحسباً ليوم قريب سيقدم فيه المجرمون إلى العدالة.

إسمحوا لي في الختام أيها الأخوة أن أعاهد الشهيد الغالي بأننا سنسير على دربه، و إننا سنواصل معركة الكلمة ضد الرصاصة، و أقول له: إنهم و إن نجحوا في منعنا من التجمع حولك حياً إلا أنهم فشلوا في منعنا من الإلتفاف حولك شهيداً، إذ لا خوف بعد اليوم، فقد قتلته رصاصاتهم، تلك الرصاصات التي أطلقوها في الحقيقة على أنفسهم، صحيحٌ أنها لم  تصلهم بعد، لكنها على الطريق.

حسين جلبي
07.10.2012

* المقال عبارة عن كلمة ألقيتها في التجمع الجماهيري الذي إلتأم في الذكرى السنوية الأولى لرحيل القائد مشعل تمو في مدينة هانوفر، مع بعض التعديل البسيط عليها.

ـ لمشاهدة الكلمة على الفيديو:
https://www.facebook.com/photo.php?v=509402559071119

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…