المعارضة السورية والشعب الكردي في سوريا

  افتتاحية جريدة آزادي *

بداية وقبل كل شيء، لا بد من القول: أن الشعب الكردي في سوريا، شعب أصيل وقومية أساسية في البلاد، كما أنه جزء من الشعب السوري، وانطلاقاً من ذلك فأنه يجب أن يتمتع بالشراكة الكاملة الحقيقية والفعلية في هذا الوطن في جميع الحقوق والواجبات بدون تمييز أو اضطهاد، وعلى قدم المساواة مع المكونات الأخرى للمجتمع السوري.
  وأن القضية الكردية في سوريا هي جزء من قضية الديمقراطية والوطنية العامة في البلاد، وبالتالي فأن حلها بشكل ديمقراطي من خلال الإقرار بوجوده وهويته القومية دستورياً، واعتبار لغته لغة رسمية في البلاد، والاعتراف بحقوقه القومية المشروعة وفق القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، يعَدُّ مدخلاً هاماً لمعالجة جميع القضايا الداخلية في سوريا الجديدة، بعد عقود طويلة من القمع والظلم والفساد والاستبداد والاضطهاد والاستئثار بكل شيء.
  نأتي على ذكر هذه المقدمة، للوقوف على طريقة تناول وتعاطي المعارضة السورية على اختلاف أطرها وأطيافها وتياراتها، مع الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا، وبشكل خاص بعد اندلاع الثورة السورية المباركة، لعلنا نساهم قدر الإمكان، في تعميق وتطوير الحوار الوطني الديمقراطي بين جميع الشركاء في هذا الوطن حول هذه القضية، وبالتالي البحث معاً عن الحلول التي من شأنها تحقِّق المساواة الحقيقية بين جميع المواطنين السوريين، بالانطلاق من أن سوريا المستقبلية، يجب أن تكون دولة ديمقراطية متعددة القوميات والأديان والطوائف، ذات نظام برلماني تلتزم المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة القانون.
  وفي الحقيقة وكما هو معروف، فإن مواقف جميع أطر وفصائل وتيارات المعارضة السورية، من الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا، لا تزال حتى هذه اللحظة تتسم بالكثير من بالضبابية وعدم الوضوح، أن لم نقل بالسلبية أيضاً، حيث إنها حاولت وتحاول إقصاءه من المشهد السوري المقبل، والشطب على وجوده التاريخي الأصيل، وإنكار خصوصيته المتميزة، وعدم الاعتراف بحقوقه القومية الديمقراطية، وهذا ما ظهر بشكل واضح في العديد من أقوال وتصريحات قادة المعارضة، السياسيين والعسكريين (برهان غليون، صدر الدين البيانوني، رياض الأسعد) وكذلك في العديد من المؤتمرات التي عقدتها، هنا وهناك، كما جرى مؤخراً في مؤتمر القاهرة في أوائل شهر تموز 2012م
  ونعود مرة أخرى لنقول: إن الشعب الكردي في سوريا جزء من الشعب السوري، وأصبحت قضيته القومية إحدى تجليات القضية الوطنية الديمقراطية في البلاد، نتيجة اتفاقات ومعاهدات دولية، فرضت تاريخياً على شعوب المنطقة وبمعزل عن رغباتها وإرادتها ومصالحها، وتجسيداً للمصالح الإستراتيجية لبعض الدول الطامعة بالمنطقة وخيراتها.
  ولكن وبكل أسف، فأن هذه القضية الوطنية الديمقراطية، بقيت بدون حلول موضوعية، وتعرضت إلى مختلف أشكال وصنوف التضليل والتشويه، ومحاولة الشطب عليها وعلى مجمل تاريخ الشعب الكردي ونضاله وتضحياته ودوره في حياة سوريا، خاصة في مرحلة الكفاح من أجل استقلال البلاد، وكذلك في المراحل التالية لها، وذلك كنتيجة طبيعية لواقع السياسة الإنكارية والإقصائية والإلغائية المرافقة لطبيعة النظام الشمولي الحاكم وبنيته الإيديولوجية والفكرية والسياسية والأمنية والتنظيمية.
  وعلى ما يبدو، فأن هذه السياسة العنصرية والشوفينية القوموية تجاه الشعب الكردي في سوريا، والخالية من الحس الوطني السليم والمسؤولية تجاه البلاد وقضاياه الأساسية، التي اتبعها النظام منذ مجيئه إلى سدة السلطة بقوة العسكر وحتى الآن، أسست لثقافة إلغائية وإقصائية واستعلائية في المجتمع السوري، انعكست بهذا الشكل أو ذاك على قطاعات واسعة من الشعب السوري، بما فيه القوى السياسية والنخب الثقافية والفكرية والمدنية وحتى العاملين في مجال حقوق الإنسان.
  ومن المؤسف حقاً، والشعب السوري الثائر، على اختلاف انتماءاته القومية والدينية والمذهبية، منذ حوالي السنة والنصف، في سبيل الديمقراطية والحرية وإسقاط النظام، يواجه آلة النظام القمعية الدموية والتدميرية ويقدم التضحيات والقرابين، لتحقيق تلك الأهداف والغايات، أن تكون المعارضة السورية، لا تزال تحمل في طيات منظومتها الفكرية والسياسية بذور هذا الفكر العنصري الشوفيني القوموي الذي زرعها النظام، والذي لا يخدم بأي حال من الأحوال مصلحة النضال الوطني الديمقراطي المشترك بين أبناء الشعب السوري وتعزيزه، ولا يخدم أيضاً مستقبل التطور الديمقراطي للبلد.
  وباعتقادي فأن التناول الموضوعي الصحيح والسليم لواقع الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا، من جانب المعارضة السورية، يعطي المصداقية لطروحاتها وأفكارها ورؤاها المستقبلية على طريق بناء سوريا الجديدة، الديمقراطية التعددية الخالية من جميع أنواع القمع والعسف والاستبداد والاضطهاد والتمييز القومي أو الديني أو المذهبي، والعكس صحيح أيضاً.


  ومن هنا، فأن على المعارضة السورية، النظر إلى الشعب الكردي وقضيته القومية في سوريا، بروح المسؤولية التاريخية، والانفتاح عليها بعقلية جديدة تنسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة بكل تجلياتها وآفاقها الحاضرة والمستقبلية، والبحث عن أفضل الحلول لها، والعمل من أجل تأمين مستلزمات حوار وطني ديمقراطي بين جميع مكونات المجتمع السوري وقواه السياسية والمدنية والثقافية والفكرية والحقوقية، يتفهم فيه كل طرف خصوصية بقية الأطراف الأخرى ومصالحهم ورؤاهم وحقوقهم، لتأسيس جبهة وطنية ديمقراطية واسعة، تكون عاملاً هاماً في الإسراع والتعجيل بإسقاط النظام ورحيله وإنهاء القمع والاستبداد، والتصدي لتحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها على مختلف الأصعدة.

* يصدرها الإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا  – العدد (446/447)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد عندما تكون هنالك لقاءات دورية ومفاوضات مستمرة بين أطراف سياسية أو عسكرية معيّنة بهدف الوصول إلى الحل والاتفاق على بنود تخصّ الطرفين حيال القضية الشائكة، عادةً ما يتم العمل على تسوية الأرضية وتمهيدها وترطيب الأجواء بعطور التفاؤل وتهيئة المناخ العام لذلك الحدث المرتقب، باعتبار أن المناخ الحربي أو التخويني أو الاتهامي الكريه يعمل على النفور والتباعد وليس…

خوشناف سليمان بعد عام من سقوط نظام بشار الاسد وفراره المذل في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية هشة ومعقدة، تشبه رقعة شطرنج ضخمة تتداخل فيها تحركات اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين. يقود هذه المرحلة شخصيات مثيرة للجدل، معظمها خرج من تنظيمات كانت مصنفة ارهابية، لتصبح اليوم قطعاً تحتل مربعات حساسة داخل مؤسسات الدولة الناشئة. المشهد يعكس مأزق اعادة بناء الدولة…

شكري بكر إن ما يحدث في سوريا ومنذ سقوط نظام بشار الأسد البائد من أحداث وتطورات سياسية وعسكرية بين السلطة الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية ، وما إتفاق 10 آذار هو إتفاق عسكري وإداري لا علاقة له بالقضية الكوردية لا من قريب ولا من بعيد . فالبنود الثمانية التي وقع عليها كل…

شادي حاجي   إلى السياسيين الكرد، إلى المثقفين، إلى النخب في المجتمع المدني، لنكن واضحين منذ البداية: لا يوجد إنجاز كردي حقيقي في سوريا دون تغيير جذري في طريقة التفكير. وكل حديث عن مكتسبات أو انتصارات، بينما العقل الذي يدير المشهد لم يتغير، ليس سوى محاولة لتجميل الفشل أو تأجيل الاعتراف به.   التجارب السابقة لا تحتاج إلى مزيد من…